الأحداث التاريخية بمسلسل «ممالك النار» حقيقية أم مزيفة؟ اقرأ كتاب «تاريخ الدولة العلية العثمانية»

عربي بوست
تم النشر: 2019/12/16 الساعة 15:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/16 الساعة 15:59 بتوقيت غرينتش
كتاب محمد فريد في تقديري هو الأقرب لسرد حقيقة الدولة العثمانية

كتاب ألفه السياسي المصري محمد فريد بك المحامي، وقد أعادت نشره دار النفائس في لبنان عام ١٩٨٠، وهو مرجعي المفضل عند البحث في تاريخ الدولة العثمانية، فمؤلفه محمد فريد بك ومحققه الدكتور إحسان حقي كلاهما تشهد لهما أعمالهما وسيرتهما بأنهما كانا عثمانيي الهوى. والكتاب صدر على تقدير المحقق عام ١٩١٢، أي في أخريات عهد الدولة العثمانية.


إذا أردنا مزيداً من التعريف بالمؤلف، الذي يقام له تمثال في أحد ميادين القاهرة، فهو محام مصري من عائلة تعود إلى أصول تركية، ولد عام ١٨٦٨، وقد احتل الإنجليز مصر عندما كان في سن الرابعة عشرة، ومن يومها وهو يكتب ويخطب لتحرير بلده من الاستعمار الإنجليزي، تركزت كتاباته على الدعوة لمقاومة الإنجليز، والدفاع عن الدولة العثمانية ،وكان يجتهد في إيجاد المبررات لعدم تمكن العثمانيين من تقديم العون لمصر ضد الإنجليز، أصبح الزعيم الثاني للحزب الوطني المصري عام ١٩٠٧ بعد وفاة زعيمه الأول مصطفى كامل، وكان وزعيمه كامل يعتبران أن سقوط الخلافة العثمانية إن حصل آنذاك سيكون كارثة تاريخية على المسلمين وعلى البشرية، لجأ إلى إسطنبول بعد أن حكم عليه الإنجليز بالسجن بسبب التحريض على بريطانيا، ثم سافر إلى فرنسا، وتوفي في باريس عام ١٩١٩.

وعلى هذا لن نجد من هو أكثر إنصافاً للعثمانيين من محمد فريد، وخاصة مع قرب عهد تأليف الكتاب من الأحداث، تاريخ الدولة العثمانية إما كتبه علمانيون أتراك أو قوميون عرب وربما أسرفوا في التركيز على أخطاء العثمانيين، و كردة فعل على ذلك فحين جاء الإسلاميون ردوا بإعادة كتابة تاريخ العثمانيين، فجعلوهم كالخلفاء الراشدين، وهذا أيضاً بهتان للحق يعادل بهتان العلمانيين.

أعود إلى كتاب محمد فريد فهو في تقديري الكتاب الأقرب لسرد الحقيقة خاصة لما يتضح من سيرة مؤلفه من وعي سياسي جعله حريصاً على بقاء الدولة العثمانية كجامعة للعالم الإسلامي تمنعه من الوقوع فريسة للتقسيم والقوى الأوروبية.


يدور الكثير من اللغط اليوم حول السلطان سليم الأول العثماني الذي دخل مصر والشام فاتحاً، وخاصة بعد مسلسل ممالك النار، ليس لدي وقت لحضور المسلسل ولكنني قرأت ما كتبه القادحون والمادحون وظني أن كلا الطرفين كتب عن هوى، ولذا فمن الضروري أن نعرف ماذا كتب محمد فريد بك المحامي عن سليم وهذا هو ما أعرضه هنا.

في الفصل الثامن من الكتاب يتناول حياة السلطان بايزيد الثاني والد السلطان سليم، فيقول إن حكم بايزيد قد تكدر في سنيه الأخيرة باقتتال أولاده وإضرامهم نار الحروب الداخلية. للسلطان ثمانية أولاد ذكور توفي منهم خمسة صغار، الباقون الثلاثة هم: كركود وكان مولعاً بالعلوم والآداب ومجالسة العلماء ولذا كان الجيش يمقته بسبب انصرافه عن الحروب، ثانيهم أحمد كان محبوباً لدى الأعيان والأمراء وكان علي باشا كبير الوزراء مخلصاً له. أما ثالثهم سليم فكان محباً للحرب، ولذا كان المفضل لدى الإنكشارية والجنود.

ونظراً لاختلاف مشاربهم فقد باعد بينهم أبوهم، فعين كركود والياً على إحدى الولايات البعيدة، وعين أحمد والياً على أماسيا، أما سليم فولاه طرابزون، كما وعين سليمان بن سليم -الذي أصبح سلطاناً باسم القانوني فيما بعد- والياً على كافا من بلاد القرم. لم يقبل سليم بهذا وطلب من أبيه أن يعينه والياً في إحدى الولايات الأوروبية. رفض الوالد فأعلن سليم العصيان. وكاد يحدث اقتتال لكن الوالد تراجع فعين ابنه سليم والياً على سمندريه ووديين في بلاد البلغار. رفض الابنان .أما سليم فقد سار إلى أدرنه وعين نفسه والياً عليها، بينما عين كركود نفسه والياً على صاروخان. اضطر الأب إلى إرسال جيش لتأديب ابنيه. وقد هزمت قوات السلطان جيوش ولديه. إلا أن الإنكشارية ضغطوا على الأب للعفو عن سليم والتنازل له عن الحكم وتم لهم ذلك. ثم غادر الأب إسطنبول إلى مدينة ديموتيقا ومات بعد عشرين يوماً، ويدعي البعض أن ابنه سليماً قد دس له السم..

عند تسلم سليم -الذي سُمي بالياووز أي القاطع لجبروته- وزع الهبات على الإنكشارية. ثم سار لمحاربة أخويه، وعندما اكتشف أن كبير وزرائه مصطفى باشا قد أرسل إلى أخيه أحمد يعلمه بمقصد السلطان قتله شر قتلة. انتقل سليم إلى بورصة حيث قبض على خمسة من أولاد إخوته وأمر بقتلهم. ثم تابع كلاً من أخويه، كركود فتم له قتله في جبال صاروخان بعد أن فر. وأما أحمد فقد تحارب معه ولكن سليماً انتصر وقتل أخاه في مدينة يكي شهر.

بعد أن استتب له الأمر سار إلى مدينة أدرنة حيث قابل سفراء من المجر والبندقية وموسكو وسلطنة مصر (المماليك) ووقع معهم اتفاقيات هدنة لمدد طويلة بما أن مطامعه كانت متجهة إلى بلاد الفرس. بلاد الفرس كانت آخذة في النمو والارتقاء في عهد ملكها شاه إسماعيل الشيعي الذي امتدت مملكته من الخليج الفارسي إلى بحر الخزر ومن منابع الفرات إلى ما وراء نهر أموداريا. السلطان الصفوي كان بينه وبين أحمد أخي السلطان سليم علاقة وساعده في حربه كما قبل لجوء أولاد أحمد إلى بلاده هرباً من عمهم سليم وآواهم. وعندما استتب الأمر لسليم راسل إسماعيل السلطان المملوكي عارضا عليه التحالف خشية من سليم الأول.

يتابع محمد فريد بك المحامي فيقول: ولإيجاد سبب للحرب أمر السلطان سليم بحصر عدد الشيعة المنتشرين في الولايات المتاخمة لبلاد العجم بطريقة سرية ثم أمر بقتلهم جميعاً. ويقال إن عددهم كان يبلغ أربعين ألفاً. وهنا يذكر محمد فريد أن هذه المذبحة تشبه مذبحة باريس المشهورة بمذبحة سان بارتيليمي سنة ١٥٧٢. نلاحظ أن محمد فريد أتى بهذا التشبيه ليظهر أن مثل هذه المذابح حصلت عند غير السلطان سليم سعياً لإيجاد مبرر. وتعليقي أن هذا ليس بعذر وإنما يدل على هوى المؤرخ.

قصد سليم بجيوشه تبريز ودخلها بعد انتصاره في معركة جال دران (جالديران)، هرب الشاه ووقع كثير من قواده في الأسر وممن أسر زوجة للشاه لم يقبل سليم أن يردها لزوجها بل زوجها لأحد كاتبي يده انتقاماً من الشاه. استولى سليم على خزائن تبريز وأرسلها إلى عاصمته كما أخذ أربعين شخصاً من أمهر الصناع وأرسلهم إلى القسطنطينية (هنا يمدح محمد فريد اهتمام سليم بالصناعة رغم انشغاله بالحرب).

تقدم سليم خلف الشاه الصفوي إلا أن الإنكشارية امتنعوا عن التقدم بسبب البرد الشديد ونقص المؤن، قفل راجعاً إلى أماسيا، حتى إذا حل الربيع رجع إلى بلد العجم ففتح قلعة كوماش وإمارة ذي القدر. ثم رجع إلى عاصمته القسطنطينية ولما وصل إليها أمر بقتل عدد عظيم من ضباط الإنكشارية الذين كانوا سبب الامتناع عن التقدم في بلاد فارس، وأمر بقتل قاضي عسكر هذه الفئة جعفر جلبي. وجعل لنفسه حق تعيين قادتهم. ليضمن السيطرة عليهم، وقبل ذلك كان للإنكشارية حق تعيين قائدهم.

بعد عودة السلطان إلى القسطنطينية فتحت الجيوش العثمانية ماردين وأورفة والرقة والموصل وبذلك تم فتح إقليم ديار بكر ودخل الكرد في طاعته بشرط بقائهم تحت حكم رؤساء قبائلهم.

تحول السلطان لمحاربة المماليك بما أن سلطانها قانصوه الغوري كان قد تحالف مع الشاه لمحاربة الدولة العلية. ولما علم السلطان المملوكي أرسل له رسولاً يعرض التوسط بين السلطان سليم والشاه لإبرام صلح. طرد سليم الرسول وأهانه. وهُزم الغوري في معركة مرج دابق بسبب وقوع الخلاف بين أفراد جيشه، وساعدت المدافع العثمانيين على النصر. ثم دخل السلطان حمص وحماه ودمشق، وأكرم العلماء وأمر بترميم الجامع الأموي ولما صلى السلطان الجمعة به أضاف الخطيب عندما دعا له عبارة خادم الحرمين الشريفين وهي مستعملة حتى الآن.

أرسل سليم إلى طومان باي الذي انتخبه المماليك خليفة للغوري رسالة، عرض فيها عليه الصلح شرط اعترافه بسيادة الباب العالي على مصر، فلم يقبل، ودارت عدة مواقع انتهت بهزيمة طومان باي رغم البسالة التي أبداها حتى أنه كاد يصل إلى سليم ويقتله، وكان لخيانة خاير بك المملوكي دور في انتصار سليم، الذي تنازل له آخر خليفة عباسي وكان مقيماً بمصر عن منصب الخلافة الصوري آنذاك وسلمه مفتاح الحرمين. ومن هنا أصبح سلاطين بني عثمان يلقبون بالخلفاء.

ينقل محمد فريد عن علي مبارك ما جاء في كتابه الخطط التوفيقية عن التنظيم الذي تركه سليم في مصر (جعل ديواناً للحكم رئيسه باشا يعينه السلطان العثماني ومهمته توصيل أوامر السلطان للمصريين وتوصيل خراجها للقسطنطينية، وقسم البلد إلى أربع وعشرين مديرية، على كل منها مدير من المماليك مهمته جمع الخراج وقمع العربان وتنفيذ أوامر الديوان ويتبع الباشا سبع بكوات. ثم رتب خراج مصر وقسمه ثلاثة أقسام، قسم للخزينة العثمانية، وقسم يشكل ماهية عشرين ألف عسكري من المشاة واثني عشر ألفاً من الخيالة. وقسم ثالث يرسل للحرمين. ولم يلتفت إلى راحة الأهالي، بل تركها عرضة للمضار كما كانت. بهذا الترتيب حكمت الدولة العلية مصر مئتي سنة، وقد أُهملت القوانين التي وضعها سليم ولم تلتفت الدولة إلى إخلال المماليك بالنظام، فضعفت شوكة الدولة وأخذ البكوات يستكثرون من المماليك بالشراء ويستقوون بهم. وآل الأمر إليهم مرة أخرى، وصارت سلطة الدولة العثمانية صورية، ولو كانت الدولة قد تنبهت لذلك ومنعت شراء المماليك لكان الحال أفضل. ولذا فقد لحق بالأهالي الضر والإهانة، وخربت البلاد وتعطلت الزراعة وطرق الري، وهاجر الناس إلى الشام والحجاز)

يتحدث محمد فريد بعد ذلك عن مغادرة الخليفة سليم مصر بعد أن خلع على علماء الدين الهبات. عين خاير بك والياً على مصر، وأثناء مروره بالعريش التفت لوزيره الأكبر يونس باشا، الذي اعترض على الإصرار على فتح مصر، وسأله عن رأيه الآن؟ فأجابه بأن فتحها لم يعد عليه بشيء. إلا قتل نصف الجيش كما أنه سلمها لخائن لا يؤمن ولاؤه للدولة، فغضب عليه وأمر بقتله فقُتل في الحال. وخلال مروره بدمشق أقام مسجداً على قبر محيي الدين بن عربي، وعند عودته إلى عاصمته جاءه سفير من مملكة إسبانيا ليتفقا على حج المسيحيين للقدس في مقابل دفع المبلغ الذي كانوا يؤدونه للمماليك. بعد ذلك انشغل بالتجهيز لفتح جزيرة رودس، ومحاربة ملك العجم. لكنه توفي قبل وقوع الحرب.

يتابع محمد فريد بأن أيام سليم كانت أيام فتوحات خارجية وتنظيمات داخلية، لكنه كان ميالاً لسفك الدماء فقد قتل سبعة من وزرائه لأسباب تافهة، وكان كل وزير مهدداً بالقتل لأقل هفوة حتى أصبح يُدعى على من يُرام موته بأن يستوزره سليم. بنى كثيراً من الجوامع، وحول أجمل كنائس القسطنطينية إلى مساجد رغم وعود جده محمد الفاتح بعدم مس نصف كنائس القسطنطينية التي تبقت بعدما حول الفاتح بعض مساجدها إلى كنائس.

عند النقطة السابقة انتهى فصل كتاب تاريخ الدولة العلية، ولن أعلق ولكنني أترك القارئ لفهمه بعيداً عن المسلسلات التي ينتجها العثمانيون الجدد والأخرى التي ينتجها معارضو العثمانيين الجدد.

عد أن خلع علي علماء الدين الهبات.عين خاير بك واليا علي مصر ،و أثناء مروره بالعريش إلتفت لوزيره الأكبر يونس باشا،الذي اعترض على الإصرار على فتح مصر،و سأله عن رأيه الآن؟فأجابه بأن فتحها لم يعد عليه بشيئ .إلا قتل نصف الجيش كما أنه سلمها لخائن لا يؤمن ولاؤه للدولة.فغضب عليه و أمر بقتله فقُتل في الحال.و خلال مروره بدمشق أقام مسجدا على قبر محيي الدين بن عربي،و عند عودته إلي عاصمته جاءه سفير من مملكة إسبانيا ليتفقا على حج المسيحيين للقدس في مقابل دفع المبلغ الذي كانوا يؤدونه للمماليك.بعد ذلك إنشغل بالتجهيز لفتح جزيرة رودس،و محاربة ملك العجم .لكنه توفي قبل وقوع الحرب.

يتابع محمد فريد بأن أيام سليم كانت أيام فتوحات خارجية و تنظيمات داخلية،لكنه كان ميالا لسفك الدماء فقد قتل سبعة من وزرائه لأسباب تافهة،وكان كل وزير مهددا بالقتل لأقل هفوة حتي أصبح يُدعي على من يُرام موته بأن يستوزره سليم.بني كثيرا من الجوامع.و حول أجمل كنائس القسطنطينية إلي مساجد رغم وعود جده محمد الفاتح بعدم مس نصف كنائس القسطنطينية.التي تبقت بعدما حول الفاتح بعض مساجدها إلي كنائس.

عند النقطة السابقة إنتهي فصل كتاب تاريخ الدولة العلية،و لن أعلق و لكنني أترك القآرئ لفهمه بعيدا عن المسلسلات التي ينتجها العثمانيون الجدد و الأخري التي ينتجها معارضو العثمانيين الجدد.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صالح الشحري
طبيب فلسطيني
طبيب فلسطيني واستشاري أمراض نساء و توليد. مهتم بالشأن الثقفي وقضايا المجتمع وسبق أن كتبت عدة مقالات في موقع huffpost النسخة العربية.
تحميل المزيد