ثورات وحكم ملكي وانقلابات.. تعرف على أبرز محطات المشهد السياسي العراقي خلال القرن الفائت

ربما نفاجأ عندما نعلم أن العراقيين قد نفذوا أول ثورة في التاريخ قبل آلاف السنين، لكن لنعُد للماضي القريب ونتعرف على تاريخ التغيير في هذا البلد العربي المهم دائماً، فمن ثورة العشرين التي قادها العراقيون ضد الإنجليز في عشرينيات القرن الماضي، إلى المظاهرات التي تشهدها المدن العراقية اليوم، مر العراق بتغييرات وتوترات في المشهد السياسي ما بين انقلابات وثورات وحروب.

عربي بوست
تم النشر: 2019/10/10 الساعة 16:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/10/10 الساعة 16:26 بتوقيت غرينتش
social media\ ثورة العراق

ربما نفاجأ عندما نعلم أن العراقيين قد نفذوا أول ثورة في التاريخ قبل آلاف السنين، لكن لنعُد للماضي القريب ونتعرف على تاريخ التغيير في هذا البلد العربي المهم دائماً، فمن ثورة العشرين التي قادها العراقيون ضد الإنجليز في عشرينيات القرن الماضي، إلى المظاهرات التي تشهدها المدن العراقية اليوم، مر العراق بتغييرات وتوترات في المشهد السياسي ما بين انقلابات وثورات وحروب.

فقد مر العراق بثوراتٍ تلاها حكمٌ ملكي تبعته سلسلةٌ طويلةٌ من الانقلابات العسكرية والانقسامات الداخلية قبل أن يُحكم صدام حسين سيطرته على الدولة مدة 24 عاماً، أنهاها غزو العراق 2003. 

ثورة العشرين لطرد المحتل البريطاني

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى لم توفِ دول الحلفاء بوعدها للدول العربية التي كانت تأمل الحصول على استقلالها بعد انهيار الدولة العثمانية، عوضاً عن ذلك قُسمت الدول العربية ما بين الانتدابين البريطاني والفرنسي وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو الشهيرة، وهو ما رفضه أهالي العراق الذين كانت الوصاية البريطانية من نصيبهم.

اندلعت سلسلة من الاحتجاجات في سائر الوطن العربي، وتطورت المظاهرات التي انطلقت من بغداد، إلى حِراكٍ مسلح عُرف فيما بعد بثورة العشرين.

ففي شهر مايو/أيار 1920، ثارت العشائر العراقية ودخلت في صداماتٍ مسلحة مع الإنجليز، بدأت تلك الصدامات في منطقة الرميثة، لتمتد بعدها إلى الفرات الأوسط والكوفة والنجف وكربلاء وديالى وسائر الأراضي العراقية.

إلا أن هذه الثورة التي راح ضحيتها قرابة 10 آلاف عراقي و500 من الجنود البريطانيين لم يُكتب لها النجاح لأسباب كثيرة، أبرزها قلة العتاد الحربي لدى الثوار العراقيين وتفوُّق الإنجليز عليهم بالمعدات الحربية، فضلاً عن استخدامهم للسلاح الجوي.

ومع ذلك وعلى الرغم من قلة خبرة العراقيين في أمور الحرب، استطاعوا تدمير 11 طائرة إنجليزية وتكليف الحكومة البريطانية ما مقداره 40 مليون باوند، والذي كان ضعف مبلغ الميزانية السنوية المخصصة للعراق.

كل ذلك جعل المسؤولين البريطانيين يغيّرون نظرتهم إلى الشعب العراقي، ويعيدون النظر في استراتيجياتهم بالتعامل معه. 

social media\ فيصل بن الحسين
social media\ فيصل بن الحسين

فيصل بن الحسين ملكاً على العراق

بعد أحداث ثورة العشرين التي ورغم فشلها كبَّدت الإنجليز خسائر فادحة، أدرك البريطانيون أهمية استخدام أساليب جديدة لفرض سيطرتهم على العراق. وفي مؤتمر القاهرة عام 1921، ناقش وزير المستعمرات الجديد آنذاك، ونستون تشرشل، هذه الفكرة مع مسؤولين بريطانيين، واعتمدوا في نهاية المؤتمر على اعتماد الوسائل غير المباشرة في إدارة العراق.

وذلك عن طريق تثبيت مسؤولين عراقيين سابقين ذوي علاقة ودية بالحكومة البريطانية، فقرروا في نهاية المطاف تثبيت فيصل بن الحسين ملكاً على العراق.

وهكذا تم تشكيل حكومة إدارة وطنية تحت الانتداب، يضم مجلسها التأسيسي زعماء سياسيين معروفين مثل نوري السعيد باشا، ورشيد عالي الكيلاني باشا، وجعفر العسكري، وياسين الهاشمي وعبدالوهاب النعيمي.

حَكم الملك فيصل العراق 12 عاماً ثم توفي عام 1933 في أحد المشافي بسويسرا في أثناء تلقيه العلاج، وقد كانت وفاته مشكوكاً بأمرها وقيل إن للبريطانيين يداً فيها، فقد استطاع فيصل بن الحسين عام 1930 توقيع معاهدة مع بريطانيا أقرَّت بموجبها استقلال العراق عن التاج البريطاني وإنهاء حالة الانتداب.

لم يتمكن العراق من الانتقال إلى حالةٍ ديمقراطية بعد وفاة الملك فيصل، فقد خلفه ابنه غازي الأول على عرش العراق. بعدها بسنواتٍ قليلة، بالتحديد في عام 1936، قام الفريق بكر صدقي بانقلاب على وزارة ياسين الهاشمي الذي كان من التيار المؤيد للبريطانيين، أذعن الملك لطلبات بكر صدقي فوافق على إقالة حكومة الهاشمي وتعيين حكمت سليمان بدلاً منه، كما عيّن بكر صدقي رئيساً لأركان الجيش.

على غرار أبيه توفي غازي الأول بحادث سيارة مشكوك في أمره، ليترك البلاد من بعده لابنه الصغير فيصل الثاني الذي بقي تحت وصاية خاله عبدالإله حتى بلوغه سن الرشد وتوليه زمام الأمور بنفسه في عام 1953.

تنظيم الضباط الوطنيين والانقلاب على الملكية 1958

عندما خطط تنظيم الضباط الوطنيين لتنفيذ انقلابهم على الملكية، كان هناك انقسام حول مصير العائلة المالكة، فبعض زعماء التنظيم مثل العقيد عبدالسلام عارف كانوا ميالين إلى الاحتكام إلى القانون بدل القتل العشوائي، وتنفيذ انقلابٍ هادئ مماثل لحركة الضباط الأحرار التي أطاحت بحكم الملك فاروق في مصر.

إلا أن بعض الزعماء الآخرين مثل العميد عبدالكريم قاسم كانوا يرون أنه من الضروري قتل الملك ورؤوس النظام؛ خوفاً من أن يكون مصير الحركة شبيهاً بمصير حركة رشيد علي الكيلاني، وهذا ما كان فقد قُتل الملك الشاب بقصر الرحاب الملكي في العاصمة بغداد مع عددٍ من أفراد العائلة المالكة في أثناء هجوم ضباط التنظيم في 14 يوليو/تموز 1958.

بمقتل فيصل الثاني انتهت سبعة وثلاثون عاماً من الحكم الملكي الهاشمي بالعراق، لتبدأ بعدها فترة تميزت بالحكم العسكري والانقلابات.

فقد عمد عبدالكريم قاسم بعد الانقلاب إلى تشكيل محكمة لمحاسبة أركان الحكم الملكي، ترأسها ابن خالته عباس المهداوي، ومن خلال المهداوي استطاع قاسم أن يطيح بصديقه وشريكه في الانقلاب العقيد عبدالسلام عارف.

فقد حاكم المهداوي، عبدالسلام عارف بتهمة الخيانة والتخطيط لانقلابٍ عسكري، وحُكم عليه بالإعدام، ثم نال عفواً لتخفيف الحكم إلى السجن المؤبد، وبعد ذلك نُقل ليبقى قيد الإقامة الجبرية.

social media\  عبد الكريم قاسم
social media\ عبد الكريم قاسم

التغيير الفاشل.. حركة 8 فبراير 1963

هزت تصرُّفات قاسم مصداقية النظام الجمهوري الجديد وكانت نذيراً لمرحلةٍ جديدة من الانقلابات والتصفيات والصراعات السياسية في العراق.

فاستغلاله لسلطته في تصفية خصومه ومنافسيه، وعدم تنفيذ قرار اللجنة العليا للضباط الأحرار تشكيل مجلس لقيادة الثورة من أعضاء اللجنة وإجراء انتخابات عامة في البلاد، وتنصيب نفسه رئيساً للبلاد ورئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع بالوقت ذاته- كل ذلك هيأ المناخ لانقلابٍ جديد في العراق.

تعرض قاسم لعملية اغتيال عام 1959 قادها عبدالوهاب الغريري، وشارك فيها الرئيس اللاحق للعراق صدام حسين، إلا أن قاسم نجا من هذه المحاولة، وفي العام ذاته قاد الضباط الأحرار انقلاباً ضد قاسم بقيادة العقيد الركن عبدالوهاب الشواف، إلا أنه مُني بالفشل أيضاً.

ولم يستطع أحدٌ كسر شوكة قاسم حتى عام 1963 عندما قاد تنظيم الضباط الوطنيين حركةً أدت إلى إزاحته عن الحكم، سميت بثورة رمضان من قِبل منفذيها وبانقلابٍ عسكري من قِبل معارضيها.  

النهاية المتوقعة.. مقتل عبدالكريم قاسم

كان أغلب قادة تنظيم الضباط الوطنيين الذين شاركوا بفي حركة 1963 من المنتمين إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، حرص هؤلاء على التواصل مع عبدالسلام عارف في مقر إقامته الجبرية، لإطلاعه على نية الانقلاب على عبدالكريم قاسم، وحصلوا على تأييده.

استطاع الضباط الوطنيون إحكام سيطرتهم العسكرية بسرعةٍ كبيرة، فقد قاموا بقصف وزارة الدفاع جواً، والسيطرة على النقاط العسكرية الرئيسية دون مقاومة تُذكر من أنصار قاسم، الذي أراد أن يبعث بخطابٍ إلى مؤيديه من الشعب والقوات المسلحة عبر دار الإذاعة، إلا أن الضباط الوطنيين تمكنوا من احتلال المبنى قبل أن يرسل قاسم خطابه.

وبعد أن شعر بأنه فقد السيطرة على الموقف اتصل عبدالكريم قاسم هاتفياً بدار الإذاعة، وتحدَّث مع عبدالسلام عارف، طالباً منه التفاوض للمشاركة في السلطة أو السماح له بمغادرة العراق، إلا أن الأخير طلب منه الاستسلام، موضحاً أنه لا علاقة له بالحركة إلا أنه سيكلم منفذيها ويحدِّثهم عن مطالبه.

وبعد أن سلَّم قاسم نفسه، اقتيد هو ورفاقه إلى مبنى الإذاعة، حيث أُجريت لهم محاكمة صورية سريعة برئاسة عبدالغني الراوي لم يعلم بها عبدالسلام عارف حتى، الذي حاول جاهداً التوسُّط لمنع الضباط الوطنيين من إعدام صديقه السابق، إلا أن تياراً متشدداً داخل حزب البعث بقيادة علي صالح السعدي كان مصمماً على وجوب تصفية قاسم ورؤوس نظامه وهذا ما كان؛ فقد قُتلوا جميعاً في 9 فبراير/شباط من عام 1963، وتم بث صور جثثهم من خلال شاشات التلفاز، لقطع الشك باليقين حول مصيرهم من قبل الشعب.

social media\  عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف
social media\ عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف

صراعٌ داخلي

بعد مقتل قاسم تم تشكيل "المجلس الوطني لقيادة الثورة" من أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين الأحرار لحركة 14 يوليو/تموز لعام 1958، مع الضباط المساهمين في حركة 8 فبراير/شباط لعام 1963.

وغلب على قيادة المجلس أعضاء حزب البعث، كما أُسندت الوزارات إلى اثني عشر وزيراً بعثياً، وأُسند منصب رئاسة الوزراء إلى اللواء أحمد حسن البكر، أحد أبرز قياديي البعث، في حين أُسند منصب رئيس الجمهورية إلى المشير عبدالسلام عارف، الذي كان يتمتع بشعبيةٍ كبيرة واختير لكسب ود الجماهير للحركة.

كان حزب البعث مقسَّماً إلى عدة تيارات، وقد بدأت هذه التيارات بالتناحر بعد 9 أشهر فقط من تسلُّم الحكم، وتطور الأمر إلى حدوث مواجهات عسكرية بينها أدت إلى عديد من أعمال العنف في العاصمة بغداد، فقرر عبدالسلام عارف، على أثر ذلك، إقصاء حزب البعث بتياراته المتصارعة عن السلطة.

وصدرت الأوامر العسكرية بتحرُّك الجيش للسيطرة على بغداد، وتم اعتقال المتسببين في الفوضى وأعمال العنف وقيادات ما تبقى من تيارات الحزب، لكن السلام لم يحل ببغداد قط بشكل نهائي، فقد توفي عبدالسلام عارف بسقوطٍ غامض لطائرة هليكوبتر كان يستقلها هو وبعض وزرائه ومرافقيه بين القرنة والبصرة.

انقلاب حزب البعث

بعد وفاة عبدالسلام عارف، تم تشكيل اجتماع عاجل لمجلس الوزراء، وطُرحت أسماء 3 مرشحين لرئاسة العراق: عبدالرحمن عارف (أخو عبدالسلام الأكبر)، وعبدالرحمن البزاز، وعبدالعزيز العقيلي، قائد الفرقة العسكرية الأولى.

فاز البزاز بفارق صوت واحد في الاقتراع الأول، ولكن الضباط كانوا مصرين على انتخاب عبدالرحمن عارف، لذا جرت دورة ثانية وانتهى الخلاف بالبزاز إلى سحب ترشيحه لصالح عبدالرحمن عارف.

لم تستمر رئاسة عارف التي بدأت في عام 1966 أكثر من عامين، فقد انتهى حكمه على إثر حركة يوليو/تموز 1968 التي اشترك فيها عددٌ من الضباط والسياسيين بقيادة حزب البعث، حيث داهموا الرئيس في القصر الجمهوري وأجبروه على التنحّي عن الحكم مقابل ضمان سلامته.

وافق عارف على عرضهم، وكان من مطالبه ضمان سلامة ابنه الذي كان ضابطاً في الجيش، ثم تم إبعاده إلى إسطنبول، وبقي منفياً هناك حتى عاد إلى بغداد في أوائل الثمانينيات، بعد أن أذن له صدام حسين بالعودة.

social media\   صدام حسين
social media\ صدام حسين

صعود صدام حسين المفاجئ

بعد الانقلاب تم تعيين أحمد حسن البكر رئيساً للجمهورية، في حين كان صدام حسين، البالغ من العمر 31 عاماً آنذاك نائبه. في أثناء عمله نائباً لرئيس الجمهورية، قام صدام بتأسيس جهاز المخابرات العراقي الذي كان يُعرف بـ "جهاز حنين"، وبدأ بمحاكمة كل من كانت لهم ولاءات خارجية، وقام بتعيين من يثق به في المناصب الأمنية المهمة مدعماً مكانته.

وتمكن من إحكام قبضته على السلطة من خلال تعيين أقاربه وحلفائه في المناصب الحكومية المهمة بالإضافة إلى مراكز التجارة والأعمال، وهو ما تمكن معه في نهاية عام 1970 من أن يحتكر السلطة فعلياً في العراق، تمهيداً للاستيلاء عليها نهائياً.

في يوليو/تموز عام 1979، اضطر البكر إلى الاستقالة، وكان السبب الرسمي المعلن للاستقالة هو العجز عن أداء المهام الرئاسية لأسبابٍ صحية، وسُلِّمت كل مناصبه إلى صدام حسين الذي أعلن نفسه رئيساً للجمهورية ورئيساً لمجلس قيادة الثورة وقائداً عاماً للقوات المسلحة.

خاض صدام حسين خلال فترة حكمه عديداً من الحروب، منها حرب إيران وغزو الكويت، ودامت فترة حكمه 24 عاماً، إلى أن تم إعدامه في عام 2003 بعد الغزو الأمريكي للعراق. 

تحميل المزيد