قبل 7 أعوام من الكارثة النووية التي ضربت تشيرنوبل، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعيش في كابوس نووي في محطة ثري مايل آيلاند للطاقة النووية في هاريسبورغ بولاية بنسلفانيا.
كارثة نووية في محطة ثري مايل آيلاند الأمريكية
في فجر يوم 28 مارس/آذار 1979، تقيأت محطة ثري مايل آيلاند للطاقة النووية حيث تسبَّبَ فشل المفاعل في تسريب النفايات والغازات المشعة إلى عدة كيلومترات من حولها، ما عرّض أكثر من مليوني شخص للخطر.
الولايات المتحدة استوعبت الخطر
منذ ذلك الحين، انخفض بناء المحطات النووية في البلاد، وأدى الحادث إلى سنِّ قوانين جديدة تهدف إلى جعل توليد الطاقة النووية أكثر أماناً.
وأخيراً، في يوم الجمعة 20 سبتمبر/أيلول، أي بعد مرور أكثر من 40 عاماً على الحادث الذي أصبح معروفاً في جميع أنحاء العالم، أنتجت محطة ثري مايل آيلاند الكيلووات الأخيرة؛ وأُغلقت إلى الأبد وفق شبكة BBC النسخة الإسبانيّة.
حادث كارثة ثري مايل آيلاند لم يكن الأول
على الرغم من أن حادث ثري مايل كان أول حادث يُسجل في محطة تجارية في الأمريكتين وكان الأسوأ في التأثير على الولايات المتحدة، فإنه لم يكن أول تجربة سيئة للبلاد مع ذرات اليورانيوم.
قبل ذلك بعقدين من الزمان تقريباً، في يناير/كانون الثاني 1961، هزّت مختبر إيداهو الوطني للهندسة حادثة مأساوية أخرى؛ فشل مفاعل تجريبي صغير تابع للجيش الأمريكي أيضاً عند إعداده للتشغيل، وأدى إلى مصرع ثلاثة أشخاص.
ومع ذلك، لم يكن حتى عام 1979 عندما دخلت الولايات المتحدة سجلات الأرقام القياسية بسبب انفجار جزيرة ثري مايل.
وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن الحادثة كانت من الدرجة الخامسة (على مقياس 7 درجات)، ولم تتجاوزها إلا كارثة كيشيم (الاتحاد السوفييتي – 1957) وكانت مساوية في الخطر الذي أثر على المملكة المتحدة، وكانت أيضاً في عام 1957. ومع ذلك، وفقاً للبيانات الرسمية، فإنه لم يترك أي ضحايا.
أفادت لجنة التنظيم النووي الأمريكية NRC، بأنه لم تحدث وفيات، وعلى الرغم من أن بعض المنظمات المدنية والسكان المحليين ينفون هذه البيانات، فإن السلطات تؤكد أن أرقام السرطان أو الأمراض المرتبطة بالإشعاع لم تزدَد في المنطقة في السنوات اللاحقة.
ومع ذلك، تعرَّض حوالي مليوني شخص على الفور للإشعاع، وفقاً لأرقام المركز.
ووفقاً للتقارير، كان متوسط جرعة التعرض أقل من تلك الناتجة عن تصوير الصدر بالأشعة السينية.
لكن إحصاءات الترحيل كانت مماثلة لإحصاءات تشيرنوبيل؛ في الحالتين، اضطر أكثر من 100 ألف شخص يعيشون في المناطق المجاورة إلى مغادرة منازلهم وتجاوزت مناطق الترحيل 30 كم.
بدايات المحطة
بُنيت محطة ثري مايل آيلاند في عام 1968، وهي تقع على جزيرة في مجرى نهر سسكويهانا، وقد بدأ تشغيلها بعد ست سنوات.
بدأ العمل بمفاعل واحد، ثم في ديسمبر/كانون الأول 1978، بدأ تشغيل الوحدة 2 (TMI-2)، والتي ستفشل بعد ثلاثة أشهر فقط.
يقول تقرير الحادث الصادر عن لجنة المراقبة النووية NRC: "أدت مجموعة من عطل المعدات والمشاكل المتعلقة بتصميم وأخطاء العمال إلى الاندماج الجزئي لـ TMI-2 وانبعاثات النشاط الإشعاعي الصغيرة للغاية خارج الموقع".
وفقاً للرابطة النووية العالمية، وقع الحادث عندما كان المفاعل يعمل بـ 97% من طاقته.
الحادث غيَّر طريقة تعامُل أمريكا مع المفاعلات
استغرق التنظيف أعواماً وملايين الدولارات، ويُعتَقَد أنه لا يزال هناك 1% فقط من الوقود النووي الذي كان يُستخدم في وقت وقوع الحادث.
عادت الوحدة 1 إلى العمل في عام 1985، لكن مفاعل TMI-2، الذي يمكن أن يتحمل هيكله حتى اصطدام طائرة، لم يعمل مرة أخرى.
على مر السنوات، أصبحت محطة الطاقة المغلقة وجهة شعبية لمحبي "السياحة السوداء"، والمواقع المرتبطة بالوفيات أو المآسي.
ومع ذلك، غيَّر الحادث سباق الطاقة النووية الأمريكي إلى الأبد.
ووفقاً للرابطة النووية العالمية، فقد "تراجعت ثقة الشعوب في الطاقة النووية، وخاصة في الولايات المتحدة، بشكل كبير بعد حادث جزيرة ثري مايل، كان ذلك أحد الأسباب الرئيسية لتراجع الإنشاء النووي خلال الثمانينيات والتسعينيات".
حصلت العديد من المحطات التي كانت بالفعل قيد التشغيل قبل عام 1979 على تراخيص للعمل، ولكن أُلغيت برامج 39 منها في أعقاب الكارثة، كما تشير البيانات من NRC.
أكد تقرير اللجنة: "لقد غيَّر الحادث بشكل دائم كلاً من الصناعة النووية ولجنة المراقبة النووية كما زاد الخوف العام وانعدام الثقة، وأصبحت القوانين والرقابة أكثر شمولاً وقوة، ودُرست إدارة المحطة بعناية أكبر".
حالياً، يوجد في الولايات المتحدة 97 مفاعلاً نووياً للاستخدام التجاري في 59 محطة موزعة في 30 ولاية، تنتج معاً حوالي 20% من الكهرباء المستهلكة في البلاد، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
بالنسبة للمدافعين عنها، يظل هذا النوع من توليد الطاقة الخيار الأفضل للبيئة؛ لأنه لا ينتج غازات الدفيئة، بينما يُعد بديلاً للفحم والنفط والغاز.