بالنظر إلى عدد السيارات الموجودة في العالم، من المُنصف اعتبار أن حزام الأمان أنقذ ملايين الأشخاص من الموت.
وحتى يومنا هذا، لا يزال حزام الأمان في السيارات هو المساهمة الأكثر نجاحاً لتحقيق السلامة في تاريخ القيادة، على الرغم من أنه قد يحتل مكاناً متأخراً عن البنسلين أو الجراحة المُطهرة في قائمة الاختراعات المنقذة للحياة.
حزام الأمان بشكله الحالي هو الاختراع الذي ظهر بفضل مهندس يُدعى نيلز بوهلين، الذي طرح الفكرة.
نتعرف في هذا التقرير على هذا الرجل الذي قدّم هذا الاختراع ليؤمّن به ملايين الأرواح.
من هو نيلز بوهلين؟
نيلز بوهلين وفقاً لسيرته الذاتية المنشورة بالموسوعة البريطانية، هو مهندس ومخترع سويدي، وُلد في 17 يوليو/تموز عام 1920، في هارنوساند بالسويد، وتوفي في 21 سبتمبر/أيلول عام 2002.
طوّر نيلز بوهلين حزام الأمان ثلاثي النقاط؛ وهو ما أدى إلى تحسن كبير في سلامة السيارات، وأنقذ عدداً لا يحصى من الأرواح.
في عام 1958 تم تعيين بوهلين بشركة فولفو كأول مهندس سلامة لها، وقدَّم حزام الأمان الجديد في سيارات فولفو بالعام التالي.
عكس المحاولات الأولية في تصميم أحزمة الأمان السابقة، أمّن تصميم بوهلين الجزء العلوي والسفلي من الجسم من خلال شريطين متصلين بالفخذ، وتم ربطهما في نقطة ربط واحدة.
حزام المقعد ثلاثي النقاط يُقلل بدرجة كبيرة من خطر الإصابة، وأصبح معياراً للسلامة في جميع أنحاء العالم للسيارات؛ فكان إجبارياً على جميع السيارات الأمريكية الجديدة منذ عام 1968، وقد تم إدخال بوهلين بقاعة مشاهير المخترعين الوطنية في أكرون، أوهايو، في يوم وفاته.
خطوات أوليّة في تاريخ حزام الأمان
تم تطوير حزام أمان أوَّلي يعود إلى أوائل القرن التاسع عشر من قبل رجل إنجليزي، هو السير جورج كايلي، لطائرته الشراعية الرائدة.
عرضت عليه إحدى شركات السيارات الأمريكية، شراءه في عام 1949، ثم أقدمت شركة فورد، وهي شركة دولية ذات أصل أمريكي لتصنيع السيارات، بتجهيز هذا الحزام كخيار لبعض الموديلات منذ عام 1955 بموجب مبادرة من مدير تنفيذي صاعد هو روبرت ماكنمارا.
ثم قامت شركة Saab، وهي شركة سويدية لصناعة السيارات، بتركيب حزام أمان من نقطتين كمعيار قياسي للأمان في عام 1958، وقد تم تسجيل حزام أمان مبكر من ثلاث نقاط من قِبل اثنين من الأمريكيين هما روجر جريسوولد وهيو دي هافن في عام 1951، لكنهما لم يتوصلا إلى تزويده بمشبك في الوسط.
كانت هناك مشكلة رئيسية في تصميم الحزام ذي النقطتين، وهي أن الحزام لم يكن يُقيد الجذع، وهو ما يجعل الركاب عرضة للإصابات الشديدة في الرأس والصدر والعمود الفقري عند حدوث التصادم، فلم يكن هذا الحزام فعّالاً بالشكل الكافي في توفير الحماية.
فكرة بوهلين في اختراع حزام الأمان ثلاثي النقاط
كانت فولفو، وتحديداً نيلز بوهلين، خلف جمع الميزات الأساسية معاً في كل المحاولات الأوليّة السابقة حتى وصلا بحزام الأمان إلى شكله الحالي، أي ثلاثي النقاط، وتم تسجيل براءة اختراع لـ "أساسيات أنظمة ضبط النفس المناسبة لركاب السيارات".
لم تكن البصيرة الأساسية لبوهلين في الهندسة، بل في الطبيعة البشرية، لقد أدرك أننا كسولون جداً في بذل الجهود لإنقاذ حياتنا، كوّن هذه الخبرة من خلال عمله كمصمم طائرات في Saab، وكما أوضح بوهلين لاحقاً: "كان الطيارون الذين عملت معهم على استعداد لوضع أي شيء تقريباً للحفاظ على سلامتهم في حالة حدوث تصادم، ولكن الأشخاص العاديين في السيارات لا يريدون أن يكونوا غير مرتاحين في أثناء قيادتهم السيارة حتى ولو لمدة دقيقة، ولا يريدون أن يشعروا بشئ يُكبل حريتهم".
كان المفتاح هو العثور على نظام يمكن تركيبه بسرعة، يقول بوهلين: "أدركت أن الجزء العلوي والسفلي من الجسم يجب أن يُثبت بشكل آمن في مكان مع حزام واحد عبر الصدر وواحد عبر الفخذين، كما يحتاج الحزام أيضاً نقطة تثبيت غير قابلة للتحريك، وكانت عبارة عن إبزيم على مفصل الفخذ، حتى يتم حماية الجسم والاحتفاظ به بشكل صحيح وآمن في أثناء الاصطدام، لقد كان جهدنا مُنصبّاً على إيجاد حل بسيط وفعّال ويمكن وضعه بسهولة بيد واحدة".
حادث مروري كان المُحرك الأساسي
في البداية، تم تجهيز نظام فولفو الجديد كمعيار للسيارات بالسوق السويدية في 13 أغسطس 1959.
كان رئيس شركة فولفو في ذلك الوقت هو Gunnar Engellau، وهو أيضاً مهندس، إلا أنه تعرض لخسارة شخصية مباشرة من حادث مروري، توفي خلاله أحد أقاربه، ويعزى ذلك جزئياً إلى أوجه القصور في تصميم الحزام ثنائي النقاط.
شجعت هذه المأساة الشخصية Engellau على إيجاد حل أفضل، فقام باستقطاب نيلز بوهلين من شركة Saab المنافسة، لتوظيفه في فولفو.
تمكن سريعاً فولفو من اختراع حل أفضل لحزام الأمان، لتكون أول شركة لصناعة السيارات تقوم بتوحيده.
ثم وضعت المواصفات القياسية بجميع أنحاء العالم في عام 1963، وبفضل جهود Saab الموازية، تم بناء سمعة هائلة لصناعة السيارات السويدية من حيث معايير السلامة والأمان.
ورغم ذلك، كانت هناك مقاومة من المستهلكين، على الأقل خارج الدول الاسكندنافية، فقد أراد قليل من الناس تجربة فكرة الحزام الجديدة واستخدامها.
انتشرت شائعات عديدة حول أحزمة المقاعد التي تتسبب في قطع الرأس أو أنها عديمة الفائدة وتُكبل حرية السائق، ووقت الحوادث والاصطدامات تتركه دون مساعدة حقيقية، لكن التجربة على مدار الأعوام الستين التالية كانت قادرة على إثبات أهمية وفاعلية حزام الأمان الحالي في تأمين حياة ملايين السائقين حول العالم.