عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على عقلك شاباً وصحياً، فإن القراءة هي هواية رائعة للأشخاص من جميع الأعمار، وعلى الرغم من أن أحد مفاتيح طول العمر هو أسلوب حياة نشط، فإن الراحة والاسترخاء جزء مهم من نمط الحياة الصحي، فبدلاً من مشاهدة بضع ساعات من التلفزيون في نهاية اليوم، حاول التقاط كتاب وقراءته سيشكرك عقلك على التحدي المُتمثل في تعلم شيء جديد.
يُمكن للقراءة أن تُعزز من صحتنا العقلية، وتُساعد في دعم لياقتنا الذهنية، يُمكنها أن تُحسن قدرتنا على التعاطف والإبداع وحتى تجنب الخرف ومشاكل الشيخوخة، هناك فوائد لا حصر لها للقراءة.
هناك أيضاً مجالات بعينها تُمكنك القراءة فيها على دعم صحتك العقلية ومهاراتك الإبداعية، فمثلاً سرد القصص والخيال الأدبي، على وجه الخصوص، قد يساعد في زيادة تعاطفنا مع الآخرين، ويُساعدنا على التفكير بعمق وتأمل المواقف الحياتية المُختلفة بتأنٍّ ما يدعم تحسين المرونة العقلية.
التغييرات الإيجابية في الدماغ الناتجة عن القراءة تستمر حتى بعد توقف القراءة، ما يُشير إلى الفوائد الطويلة الأمد للقراءة، هنا يُمكنك أن تجد فوائد قراءة مجالات مُعينة على صحتك العقلية ولياقتك الذهنية وتحسين مهاراتك الإبداعية.
فوائد مُثبتة علمياً لقراءة مجالات مُعينة على الصحة العقلية
تُظهر الأبحاث الحديثة أن القراءة يمكن أن تكون مفيدة لصحتك العقلية وعلاقاتك الشخصية، فمن خلال تعلم المفاهيم والأفكار الجديدة أثناء القراءة، يبدأ عقلك في إجراء اتصالات جديدة ومُحاولة رؤية هذه المفاهيم في الحياة اليومية، على سبيل المثال، اقرأ كتاباً عن الهندسة المعمارية وستنظر إلى المباني بشكل مختلف.
ومن الفوائد النفسية والعقلية لمجالات مُعينة من القراءة والتي أثبتها العلم:
قراءة روايات الخيال الأدبي تجعلنا أكثر تعاطفاً
تم اكتشاف الخلايا العصبية المرآتية، وهي الخلايا العصبية التي تنطلق في أدمغتنا عندما نقوم بعمل ما أو نرى عملاً يقوم به شخص آخر، في منتصف التسعينيات. اكتشافهم يؤدي إلى فهم التعاطف بشكل أفضل وفقاً لعلم الأعصاب.
وجدت إحدى الدراسات أن الخيال الأدبي، الذي يُحاكي حياتنا اليومية، يُزيد من قدرتنا على الشعور بالتعاطف مع الآخرين، أعطيت الدراسة المشاركين إما الخيال الأدبي أو مواد القراءة غير الخيالية، وفور الانتهاء من ذلك، حصلوا على اختبار لقدرتهم على تعاطف، وكانت النتيجة أن أولئك الذين قرأوا الرواية الأدبية أثبتوا أن لديهم استجابة أكثر تعاطفاً.
يقول كيث أوتلي، أستاذ فخري في علم النفس المعرفي بجامعة تورنتو، إن أهم خاصية وسمة يتمتع بها الإنسان هي حياتنا الاجتماعية، والخيال يمكن أن يساعدنا على زيادة فهم وإدراك تجربتنا الاجتماعية، فقطعة من الخيال هي قطعة من الوعي تنتقل إلى ذهنك، فعندما تقرأ، فأنت تستوعب وعياً إضافياً تصنعه بنفسك.
قراءة الشعر تجعلنا أكثر مرونة عقلياً
أظهرت بعض الدراسات أن قراءة الشعر والنصوص الأخرى التي تتميز ببعض الغموض وتتطلب من القارئ أن يسأل عن المعنى تُسبب تغيرات رائعة في أنماط نشاط الدماغ، ففي إحدى الدراسات، طُلب من الناس تقييم بعض من النصوص الشعرية، وكان عليهم إعادة التفكير أكثر من مرة في المعنى أثناء القراءة، وعند قراءة نصوص أكثر تعقيداً، أظهرت فحوصات الدماغ نشاطاً مُتزايداً في مناطق رئيسية من الدماغ.
يقول أحد مؤلفي الدراسة، البروفيسور فيليب ديفيس، مدير مركز الأبحاث في القراءة والأدب والمجتمع بجامعة ليفربول: "لقد وجد البحث أن التجربة المستمرة لقراءة القصائد قد تزيد من المرونة الذهنية من خلال عملية إعادة تقييم المعنى وقبول المعنى الجديد".
ووفقاً للبروفيسور ديفيس، يسمح القدر الأكبر من المرونة العقلية للناس بتكييف أفكارهم وسلوكياتهم بشكل أفضل مع المواقف المتطورة والمُختلفة عمّا اعتادوا عليه، من المُرجح أن يسعى الأشخاص ذوو المرونة الذهنية الأكبر إلى إيجاد حلول جديدة بدلاً من مجرد اتباع الآخرين.
قراءة القصص القصيرة تُحسن من الانفتاح والإبداع
وجدت إحدى الدراسات أنه بعد قراءة الخيال، يكون لدى الناس قابلية أقل للانغلاق على أنفسهم وأفكارهم، خلال الدراسة طُلب من المشاركين قراءة إما مقال أو قصة قصيرة، بمجرد الانتهاء تم تقييم حاجتهم للانغلاق المعرفي، وكانت النتيجة أن قراء القصة القصيرة، أبدوا انخفاضاً كبيراً في حاجتهم للانغلاق المعرفي مُقارنةً بقراء المقالات.
تقول أحد مؤلفي الدراسة، البروفيسور مايا دييكيتش، عالمة نفس متخصصة في مجال تنمية الشخصية في جامعة تورنتو: "تُشير هذه النتائج إلى أن قراءة الأدب الخيالي يمكن أن تؤدي إلى إجراءات أفضل لمُعالجة المعلومات بشكل عام، بما في ذلك تلك الخاصة بالإبداع والانفتاح على أفكار الآخرين وآرائهم".
تُفسر دييكيتش الأمر بأنه بسبب الطبيعة الغامضة لمادة القصص القصيرة، فإن قراءها يُجبرون على أن يكونوا أكثر قبولاً للغموض، والذي يُعتقد أنه عامل رئيسي في الإبداع، فتقول: "عندما تتمكن من التفكير في وجهات نظر متعددة، يكون من السهل اكتشاف إمكانيات جديدة لديك".
القصص والروايات تُعزز وظائف الدماغ
تُظهر الأبحاث أن القصص تؤثر على الدماغ نفسياً وعصبياً، فقد وجدت دراسة تم فيها فحص أدمغة المشاركين قبل وأثناء وبعد خمسة أيام من قراءة رواية، وقد وجدوا أن التغيرات العصبية مستمرة، وتوصلت النتائج إلى أن هناك تغييرات في حالة الراحة في الدماغ بعد أن يكون المشاركون قد انتهوا من قراءة الرواية.
يوضح الباحث الرئيسي في علم الأعصاب الأمريكي جريجوري بيرنز: "تُشير التغييرات العصبية التي وجدناها مرتبطة بالإحساس الجسدي وأنظمة الحركة، إلى أن قراءة رواية يمكن أن تنقلك إلى جسم بطل الرواية، نحن نعلم بالفعل أن القصص الجيدة يمكن أن تضعك في مكان شخص آخر بطريقة مجازية، الآن نعرف أن شيئاً ما قد يحدث بيولوجياً أيضاً".
القراءة بشكل عام يمكن أن تساعد في درء الخرف
لقد تم إثبات أن أنشطة تحفيز الدماغ، مثل القراءة، يُمكنها درء التدهور العقلي والحالات المرضية المُرتبطة بالشيخوخة مثل الخرف وحتى مرض الزهايمر، وقد وجدت إحدى الدراسات أن الأشخاص الذين قرأوا في وقت سابق في الحياة لديهم انخفاض بنسبة 32٪ في انخفاض القدرات العقلية في الشيخوخة.
لقد ثبت أن القراءة تضع أدمغتنا في حالة تشبه التأمل، وهي تجلب نفس الفوائد الصحية المتمثلة في الاسترخاء العميق والهدوء الداخلي، بالإضافة إلى أن القراء العاديين ينامون على نحو أفضل، ويكون لديهم مستويات إجهاد أقل، وثقة بالنفس أعلى، ومعدلات اكتئاب أقل من غير القراء.
يُمكنك القراءة في هذه المجالات أيضاً.
قراءة المواد التالي ذكرها تدّعم أيضاً صحة دماغك ولياقتك الذهنية، ومنها:
السير الشخصية
يُمكن أن تمنحك السير الذاتية وجهة نظر جديدة تماماً ليس فقط حول الأحداث التي تشمل حياة الشخص المعني، ولكن أيضاً حول كيفية تفكير الأفراد وردود الفعل على الأحداث من حولهم.
في كثير من الأحيان نسمع عن مشاهير من خلال وسائل الإعلام أو عن شخصيات تاريخية من خلال الكتب المدرسية، من السهل أن ننسى بسبب هذه الضجة الإعلامية أن هذه الشخصيات هم أناس حقيقيون لديهم مخاوف وطموحات وآمال وأحلام، قراءة السير الذاتية تعمق من خبرتك الحياتية ودرايتك بالأشخاص ودوافعهم عن قرب.
التاريخ
يمكن أن يكون التاريخ ساحراً تماماً، اختر حقبة تروق لك لكي تغوص فيها، سيحصل عقلك على تمرين ليتذكر الأحداث والأشخاص والأوقات، من خلال كتب التاريخ يُمكن لعقلك أن يُدرك بُعد أكثر عُمقاً للحياة، من خلال التعرّف على كيفية قيام الأمم، وكيف تنتهي الإمبراطوريات، وكيف تترابط الثقافات.
كتب لمؤلفين أجانب
قراءة أعمال المؤلفين الأجانب يمكن أن تعطي نظرة ثاقبة في الثقافات والأماكن الأخرى، سيكون لديك دراية بكثير من التفاصيل مثل العادات اليومية المختلفة إلى الاختلافات الأكبر مثل النظرة إلى الحياة أو الدين، عند قراءة الكتب لأشخاص ولغات أخرى، سيكون لديك القدرة على تمرين عقلك على الانفتاح والمرونة الذهنية.
كتب تعليم المهارات
اقرأ كتاباً يُعلمك كيفية بناء قارب، حتى لو كنت لا تخطط لصنع قارب، تعرّف على كيفية طهي الوجبات التي قد لا تعدّها أبداً، يُمكنك القراءة عن كيفية الحصول على السبق الصحفي، وكيفية البقاء على قيد الحياة في البرية حتى لو كنت لا تتحرك من منزلك في الواقع.
هناك المئات من الكتب الممتعة للقراءة والتعليم، مُجرد اختيار واحد من هذه الكتب، وتعلم كل ما تستطيع تعلمه من خلاله، ستتمكن من تحدي عقلك من خلال تصور كيف يتم الأمر الذي تتعلمه، وتخيل كيف ستفعل ذلك، كما أنك ستُحفز نقاط المكافأة إذا كنت تتعلم بالفعل مهارة ستستخدمها بشكل جيد.
لفن والموضة والتصميم
من خلال القراءة يُمكنك تدريب عقلك على فهم مختلف المواضيع والصور والاتجاهات في الهندسة المعمارية أو الموضة، وسترى كثيراً من الفوائد لهذا الأمر، على سبيل المثال، قريباً سترى تأثيرات ما قرأت على اختلاف نظرتكِ للمباني من حولك أو على الملابس التي يرتديها الناس، فمن خلال قراءة هذه الموضوعات يُمكنك تعليم عقلك طريقة جديدة للنظر إلى الأشياء.