طفل الغيتو، أو آدم دنّون، هو بطل رواية إلياس خوري الجديدة، والغيتو هُنا لا يُقصد به غيتو وارسو "الذي مكث فيه اليهود في بولندا قبل الهولوكوست"، وإنما هذا الموجود في مدينة اللد الفلسطينية، الذي أنشأته القوات الإسرائيلية حين اقتلعت عشرات الآلاف من الفلسطينيين في مسيرة الموت، في واحدة من أكثر المجازر دموية عام 1948 خلال النكبة، وآدم، الذي كان طفلاً رضيعاً في ذلك الوقت، كان أحد مَن نجوا فحكى حكايته في رواية "أطفال الغيتو".
الغيتو هو المعزل، و هو المكان الذي يعيش فيه مجموعة من البشر ينتمون لدين اوعرق أو ثقافة واحدة، وأصل الكلمة يشير إلى الغيتوات التي عزل أقامها الألمان اليهود فيها في بولندا قبل أن يقضوا على الآلاف منهم أثناء "الهولوكوست".
الرواية من تأليف إلياس خوري، وينتقل آدم من خلال الرواية في حكايته بين المنطقة التي وُلد فيها، ويستعرض لمحة من حياة مَن بقوا في اللّد ونجوا ليبقوا على قيد الحياة.
شخصيات الرواية.. آدم
يلتقي الراوي الأول "إلياس خوري" وهو مؤلف القصة ببائع فلافل في نيويورك اسمه آدم دنون، جنسيته غير واضحة إن كان فلسطينياً أو إسرائيلياً، ويبدو أن الكاتب تعمد هنا الغموض، بعد انتحار آدم وقعت دفاتره ومذكراته الذاتية في أيدي إلياس، ليبدأ سرد الحكاية.
ولآدم دنّون، وهو الشخص المحوري في القصة، حكايات عديدة، بداية من اسمه وعلى مدار حياته، اسمه بالأساس كان قد سمّاه به مختار "الغيتو"، رغم أن والدته كانت ترغب في تسميته باسم آخر، واسم آدم يشير إلى بداية الخلق؛ كون آدم أول طفل وُلد في الغيتو.
وعبر فصول الرواية، التي تشبه شريطاً سينمائياً، تدور الكثير من الأحداث، خاصة حين يضطر آدم للكشف عن هويته الفلسطينية بعدما كان يظن من حوله أنه إسرائيلي، خصوصاً أنه يجيد العبرية، ويشاركه في محل الفلافل شخص إسرائيلي.
الأمر الذي يتكشف من خلال أوراقه التي سرد من خلالها مجازر اللّد، وحياة القلة التي بقيت على قيد الحياة وحوصرت في "الغيتو" بأسلاك شائكة.
وضاح اليمن
كشف خوري "الراوي" أن آدم كان يعد رواية لم تكتمل حول "وضاح اليمن"، تحدث في فصولها الأولى عن وضاح مستخدماً قصة حياته كإسقاط على حياة كل الفلسطينيين.
فوضاح وقع في غرام امرأة، لكنه تركها ولم تكتمل قصة حبه لها، والمرأة كانت كناية عن فلسطين، صمت وضاح، وكان الصمت بطلاً من أبطال رواية آدم.
ليس واضحاً إن كان وضاح قد اختار الصمت حمايةً لحبيبته، أو يأساً من أن الحب قد مات، والحبيبة هنا مجرد تعبير عن النكبة الفلسطينية.
قدم خوري العمل باعتباره جزءاً من رواية غير مكتملة، وجزءاً من سيرة ذاتية غير متجانسة، "تمزج … بين الحقيقة والخيال".
الرواية مليئة بالمداخلات، فخوري يُدخل تعليقاته على النص، إلى جانب من التاريخ والأدب الفلسطيني، ويقول عمَّا كتبه إنه يرفض أن يُصنف ما كتب على أنه محاولة لإثبات شيء ما، لأن الأمر لا يحتاج لإثبات حقيقة أن الأرض عربية، وأن الفلسطينين هُجروا من أرضهم لا تحتاج إلى زخرفة ولا نصوص أدبية، بل هي حقائق تاريخية يعرضها بشكل أدبي.
لغة الصدمة ظاهرة على نحو خاص..
لغة الصدمة تظهر بقوة في "أطفال الغيتو"، فآدم حين كان طفلاً كان مصاباً بكرب ما بعد "الصدمة"، لكنه لم يكتشف أنه يعاني من هذه الأزمة النفسية الحادة إلا حين وصل إلى جامعة حيفا، حين درس مادة عن المحرقة النازية، وصف خلالها الأستاذ الصدمة التي أصابت اليهود الذين نجوا من الكارثة.
صمت الفلسطينيين بعد النكبة هو شيء يفرضه المنتصر على المهزومين، فيعرض آدم لماذا سكت بعض الفلسطينيين بعد النكبة، فلم يكن ضعفاً ولا استسلاماً، وإنما عرض نفسي اسمه صمت ما بعد الصدمة.
"الغيتو" الفلسطيني والمجازر
وفي فصل "من أين جاء الغيتو؟"، استعرض الكاتب وقائع غيتو اللد، والمشاعر التي قاساها الفلسطينيون.
عرض الكاتب أنه بعد المجزرة تم جمع الجثث لمن وقعوا ضحايا العصابات الإسرائيلية من قِبل فرق من أبناء اللّد أنفسهم، استغرقت عملية الدفن، وفقاً للرواية المستندة على أدلة تاريخية، شهراً كاملاً، ما يدحض في الرواية الإسرائيلية التي قالت إن عملية الدفن استمرت يومين فقط حسب الرواية.
يضم الكتاب مؤلفات غسان كنفاني، ويزهار سميلانسكي، وخوري نفسه، وأشار في النهاية إلى "ذاكرة النسيان" لمحمود درويش، حول الحصار الإسرائيلي لبيروت عام 1982، ويشير إلى النكبة "عملية مستمرة لم تتوقف"، وأنه لا توجد كلمات تقدر على تطهير النكبة، لأن النكبة لا تزال تُعاش.