بلحيته البيضاء ووجهه البشوش ولباسه الريفي المميز، يخرج إلينا الكولونيل ساندرز، مؤسس إمبراطورية دجاج كنتاكي (KFC) ليعدنا بدجاج مقرمش نأكل أصابعنا وراءه..
لكن حياة الكولونيل لم تكن سهلة، فقد شغل الكثير من الأعمال قبل أن يكتشف موهبته بتحضير الدجاج المقلي، ومرت حياته بالعديد من المنعطفات قبل أن تسهم جريمة قتل في الترويج لأعماله.
بحسب موقع All That's Interesting الأمريكي، إليكم قصة تأسيس إمبراطورية كنتاكي:
مبتدع دجاج كنتاكي عانى من طفولة تعيسة
توفي والد ساندرز في سن مبكرة، وانشغلت والدته في العمل بمصنع للتعليب لإعالة أسرتها، فوجد ساندرز نفسه مسؤولاً عن شقيقيه الاثنين الصغيرين وهو لا يزال في السابعة من عمره.
أدى ذلك إلى إتقانه مهارات التدبير المنزلي قبل بلوغه الثامنة، ولا سيما الطهي وإعداد الطعام.
لم يحمل ساندرز غضباً بداخله، لأنه أُجبر على البلوغ سريعاً، بل يشعر بالامتنان لوالدته التي غرست فيه حس المسؤولية والإرادة الذي أعانه لاحقاً في حياته.
تزوجت والدة ساندرز مرة أخرى في النهاية، فوجد نفسه خارج المنزل في الثانية عشرة من عمره، هرباً كم قسوة زوج والدته، مستغنياً بذلك عن التعليم في المدرسة.
منذ تلك اللحظة، بدأت قصة ساندرز في أخذ بعض المنعطفات.
فبدأ بالسفر عبر إنديانا من أجل العمل الزراعي، ثم عامل إطفاء حرائق السكة الحديدية في ألاباما.
كما عمل ساندرز على عبّارة بخارية في الغرب، وفي محاكم أركانساس، وباع بوليصات التأمين والمصابيح، والإطارات، وعمل سكرتيراً في الغرفة التجارية لولاية إنديانا.
ولاية كنتاكي.. بداية القصة
بعد أن شغل ساندرز الكثير من الأعمال متنقلاً بين الولايات، استقر به المطاف في ولاية كنتاكي، حيث عمل هناك في محطة وقود صغيرة.
وعلى الطريق السريع، بدأ يبيع بعض الوجبات للمسافرين الجياع، وهي عبارة عن وجبات بسيطة مثل تلك التي اعتاد تحضيرها لأشقائه في إنديانا: لحم خنزير ريفي، والفاصوليا، والبامية، والبسكويت الرقيق، والدجاج المقلي.
حققت محطة ساندرز ربحاً كبيراً أعلى مما تخيل، لدرجة أنه بدأ في الترويج لها لجذب المسافرين الذين يفضلون الوجبات المنزلية.
نما المطعم يوماً بعد يوم، وارتفع الطلب على وجبات ساندرز للغاية، ولا سيما الدجاج الذي لا يضاهى.
بلغت شهرة ساندرز أن منحه حاكم ولاية كنتاكي "روبي لافون" لقب كولونيل الشرفي اعترافاً بخدماته للمجتمع وتقديراً لعمله الحر وذلك في العام 1935.
جريمة قتل ساهمت في رواج تجارة الكولونيل
نجاح محطة ساندرز وحصوله على لقب كولونيل أثار حنق المنافسين، وبالأخص مات ستيوارت، مالك محطة "ستاندرد أويل" القريبة.
وذات يوم، ضبط ساندرز ستيوارت وهو يخرب لوحة إعلانات محطته على الطريق السريع.
تمنى ستيوارت على ما يبدو أن يؤدي إبعاد الزبائن عن محطة ساندرز، إلى إلحاق الضرر بتجارة الكولونيل المستقبلية.
لكن ساندرز لم يسكت على هذا وهدد ستيورات بتحطيم رأسه.
مع ذلك لم يرتدع المنافس الحانق، حيث أمسكه الكولونيل مرة أخرى متلبساً وهو يخرب الإعلانات الطرقية الخاصة بمحطة ساندرز وتلا ذلك تبادل إطلاق النار.
جراء ذلك، أصيب روبرت جيسون، وهو أحد العاملين بمحطة ساندرز وتوفي، وأُدين ستيوارت بتهمة قتل روبرت جيسون وعوقب بالسجن لـ 18 عاماً.
أما ساندرز، فقد سقطت عنه كل التهم بعد إلقاء القبض عليه.
ومع عدم وجود منافسة أخرى في المدينة، استغل ساندرز هذا الفراغ، فازدهرت تجارته أكثر وأكثر.
تأسيس إمبراطورية كنتاكي (KFC)
اُفتتح مطعم دجاج كنتاكي في عام 1952، وكان أول مطعم مُرخص في ولاية يوتا وضم 142 مقعداً.
وكان هذا المطعم هو حجر الأساس لسلسلة دجاج كنتاكي KFC الشهيرة التي نعرفها اليوم.
لكن شهدت أمريكا في الخمسينيات عدداً لا يحصى من التغيرات، إذ إن طفرة ما بعد الحرب العالمية الثانية تبعتها أيضاً طفرة في البنية التحتية، والتي تمثلت في زيادة بناء الطرق السريعة.
مرَّ أحد هذه الطرق عبر منطقة ساندرز وغيّر وجهة المرور ليبعدها عنه حوالي سبعة أميال، مما قلل بشكل واضح زبائن ساندرز الذين كانوا من المسافرين في معظمهم.
قرر ساندرز بعد ذلك بيع مطعمه، ليبدأ تجارة أكثر توسعاً لا سيما أنه أصبح يتقن قلي الدجاج بالضغط، داخل موقِد ضاغط، وهو ما كان اختراعاً جديداً في هذا الوقت، ناهيك عن الأعشاب والتوابل الـ11 التي كانت أبرز ما تميز به دجاج كنتاكي آنذاك.
كانت طريقة الطهي بالضغط مثالية للعمل المتنقل، لأنها لم تطهُ الطعام بسرعة وحسب، بل كانت أيضاً تكفل الحفاظ عليه طازجاً.
عرض ساندرز طريقته على أصحاب مطاعم آخرين وشاركهم في ترخيصات سلاسل مطاعم صغيرة.
شجعت هذه الطريقة ساندرز البالغ من العمر 66 عاماً آنذاك، ليقرر الانطلاق في رحلته التسويقية للدجاج.
لباس المزارع والشعر الأبيض.. علامة تجارية
لم يكن طريق الحصول على العلامة التجارية قصيراً، لكنه كان مثمراً.
فقد كان ساندرز يتجول بين المطاعم هو وكلوديا زوجته، ويعطيهم قطعاً من دجاجه.
وإذا أعجب الموظفون بدجاج ساندرز، يعقدون صفقة معه لبيع دجاج الكولونيل ومنحه بالمقابل جزءاً من الأرباح.
عمل هارلاند ساندرز على تسويق شخصيته في هذا الوقت، فارتدى زي مزارع جنوبي، معبراً بطرق شتى عن الرمزية الكبيرة للجنوب الأمريكي، التي تمثلت في بدلات من القطن الأبيض وربطات عنق رفيعة.
وصبغ أيضاً شعره ولحيته باللون الأبيض.
وانشغل هو وكلوديا في عمل الترتيبات الخاصة بتراخيص سلاسل أخرى، من خلال العمل على سجلات حساباتهم، وتعبئة وصفاتهم الخاصة من الأعشاب والتوابل.
لم يُشارك الكولونيل وصفته السرية بكل تأكيد مع أي شخص، حتى لا يتمكن أحد من الحصول على الوصفة نفسها وبيعها للمنافسين.
وبدلاً من ذلك، اضطلع هو وكلوديا بمهمة تعبئة الأعشاب والتوابل الشهيرة وشحنها لسلاسل أخرى بأنفسهم.
وفي أواخر 1963، كان لدى الكولونيل أكثر من 600 منفذ لبيع الدجاج في أمريكا وكندا، ناهيك عن ذكر 400 فرع إضافي في دول أجنبية.
بيع إرث الكولونيل
لم يكن التوسع في التجارة بالنسبة لساندرز من أجل جني الأموال وحسب.
كان اسمه وإرثه مرتبطين بوصفته، مثل الدجاج تماماً، وقد عمل بجد للحفاظ على مستوى عالٍ من الجودة، فلم يكن يقبل الشراكة مع أي مطعم إن كان هذا المطعم لا يليق بعلامة تجارية مميزة مثل كنتاكي.
حتى إنه عُرف برفض منح الاسم التجاري إلى شركاء محتملين إذا اعتقد أنَّ ملابسهم غير لائقة.
كان الكولونيل يزور سلاسل المطاعم المختلفة، ويختبر منتجها.
وحتى إن كانت هذه المطاعم ستربحه الكثير من المال، إذا وجد أن مستواها متدنٍ، يتمتم بألفاظ نابية بينه وبين نفسه ثم يرحل.
باع هارلاند ساندرز السلسلة في نهاية المطاف مقابل مليوني دولار فقط في عام 1964، وهو مبلغ مخيب للآمال نوعاً ما.
فقد أصبح من الصعب السيطرة على الأعمال في هذه المرحلة.
وعرضت عليه شركة تجارية صغيرة تسعى لتحقيق المبيعات أسهماً في الشركة الجديدة، و 40,000 دولار سنوياً، وحقاً دائماً في الحصول على الاسم التجاري.
فقد رأى صاحب الشركة الجديد چون براون جونيور إمكانات كبيرة لتسويق الكولونيل نفسه.
إذ إن الهالة الشعبية للكولونيل هارلاند ساندرز ولحيته الأيقونية أصبحت بلا شك أشهر من الدجاج نفسه.
مات الكولونيل ولاتزال وصفته سراً
ربما جعلت الشيخوخة الكولونيل أكثر حدة، ورغبة في الكمال؛ فسرعان ما أصبح لا يقبل بأقل من ذلك في سلسلته.
وعندما اشترت شركة هوبلن سلسلة كنتاكي، رفع ضدها قضايا في عام 1974 لتشويه سمعته وعدم التزامها بمعاييره الرفيعة.
وربح ساندرز مليون دولار في هذه القضية.
توفى الكولونيل ساندرز في عام 1980 عن عمر يناهز 90 عاماً، بعد انضمامه لعمالقة الوجبات السريعة رونالد ماكدونالد ووينديز.
ولا يزال إرثه واستراتيجيته التسويقية باقيتين إلى اليوم بكل تأكيد.
أما بالنسبة لتلك الأعشاب والتوابل الـ11، فلا يعلم أحد بشكل مؤكد ماهيتها المحددة.
حيث ادعى الكولونيل لمدة أن سلسلة المطاعم توقفت عن استخدام الوصفة الأصلية.
غير أن KFC تسوق كثيراً إلى أنها لاتزال تستعمل تلك الوصفة وبأن كل ما في الأمر هو قدرتها على إبقاء هذه الوصفة سراً كبيراً.