في العام 1325، حين كان ابن بطوطة في الـ21 من عمره، بدأ رحلة كان من المقرر أن تستغرق نحو عام، ولكنها ا
ستمرت 29 عاماً، وخلالها كان واحداً من أهم رحالة العالم، من خلال المغامرات التي خاضها فكيف كانت رحلة ابن بطوطة.
وحسب موقع All That's Interesting، فقد عبر ابن بطوطة نحو 120 ألف كيلومتر على أراض تدخل الآن ضمن حدود نحو 44 دولة، ووجد نفسه خلال جولاته في صحبة قراصنة ولصوص، وانضمّ إلى قوافل غامضة، وجمع واحداً من أشمل كتابات القرن الـ14، المعروف بكتاب "رحلة ابن بطوطة".
بداية رحلة ابن بطوطة
وُلد ابن بطوطة في فبراير/شباط 1304، لعائلة من الدارسين القانونيين في طنجة بالمغرب، وكما كانت العادة في شمال إفريقيا في ذلك الوقت، فيرجح أنه درس في مركز الفقه الإسلامي؛ حيث شُجِّع على أداء فريضة الحج إلى مكة. وكانت رحلة الحج بداية لثلاثين عاماً من الاستكشاف، مع أنها رحلة كانت ستستغرق 16 شهراً.
كانت رحلة الحج تستغرق في ذلك الوقت 16 شهراً، وأشار ابن بطوطة أنه خاضها منفرداً دون أبويه.
فقد كتب في روايته المفصلة عن أسفاره: "كان خروجي… منفرداً عن رفيق آنس بصحبته، وراكب أكون في جملته، فحزمت أمري على هجر الأحباب من الإناث والذكور، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور، وكان والديّ بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وصباً، ولقيت كما لقيا من الفراق نصباً".
مسار ابن بطوطة
بدأ ابن بطوطة رحلته على ظهر حمارٍ، لكنه أُجبر بعد ذلك على الانضمام إلى قافلة حفاظاً على سلامته، فشابّ يمتطي ركوبة وحيداً يكون هدفاً للصوص والعصابات.
ومع ذلك لم تكن الرحلة مع القافلة أسهل كثيراً، فمناعة ابن بطوطة ضد الأمراض كانت ضعيفة، وبعد وقت قليل أصابته حمى شديدة، لدرجة أنه اضطرّ إلى أن يربط نفسه إلى سرج حماره حتى لا يقع من فوقه وتتركه القافلة خلفها.
تابع ابن بطوطة الرحلة، وتزوَّج خلالها من امرأة شابة في الطريق، كانت الأولى من بين عشر سيدات تزوجهن عبر مسار مغامراته.
كانت المحطة الأولى في رحلة ابن بطوطة مصر، وصلها عبر الساحل الشمالي لقارة إفريقيا؛ حيث تجوَّل في القاهرة والإسكندرية وغيرهما من الأماكن التاريخية ذات الأهمية الدينية، وشرح كل ما أذهله هناك.
ومن هناك، استأنف طريقه إلى وجهته المقصودة مكة؛ حيث أتم مناسك الحج، وبينما كان المسافرون يستعدون للعودة إلى أوطانهم بعد إتمام مناسك الحج، كان ابن بطوطة يخطط لمتابعة أسفاره، فاتَّجه نحو الشرق الأوسط، تحديداً إلى بلاد فارس والعراق.
ويبدو أن الدافع الذي حثَّه على متابعة أسفاره كان روحانيّاً. ففي رحلته مع قافلة إلى بلاد فارس، كان ابن بطوطة يحلم باستمرار بأنه يمتطي طائراً عملاقاً، أخذه إلى الشرق، ولم يعد لأخذه أبداً. وقد فسَّر له رجل حلمه بأنه سيجوب العالم، ولم يكن ابن بطوطة يعلم أن النبوءة ستتحقق.
ما بعد الحج
من بلاد فارس والعراق، سافر ابن بطوطة إلى أذربيجان الحالية، واليمن، ثم إلى إفريقيا لزيارة القرن الإفريقي، والساحل الصومالي، ومقديشو، وتنزانيا، وكينيا. وبعد رحلته في إفريقيا، سافر إلى الهند عن طريق سفينة متَّجهة إلى تركيا، ثم سافر من تركيا إلى أفغانستان، ودخل الهند عبر جبال هندو كوش.
وفي الهند، اعتمد على خبرته بوصفه دارساً دينياً لكسب عيشه، فقد عمل قاضياً مع سلطان مسلم، واستقرَّ لفترة قصيرة ليتزوج (مرة أخرى) وأنجب أطفالاً. ولكن، انتهت حياة الاستقرار بالنسبة له بعد سنوات قليلة في عام 1341، عندما أرسله السلطان في قافلة نحو الشرق الأقصى.
لم تسر الرحلة كما كان مخططاً لها، فقد هاجم القراصنة الهندوس سفن ابن بطوطة المبحرة قبالة السواحل الهندية، اختُطف ابن بطوطة من قبل القراصنة، لكنه تمكَّن من الهرب، ليجد نفسه بعدها أسير عاصفة أغرقت عدداً من سفنه، وقتلت كثيراً من رجاله، وفقاً لما رواه في كتابه "رحلة ابن بطوطة".
تغيير في المسار
قرَّر ابن بطوطة أن يغيّر مسار الرحلة، وألا يسافر مباشرة باتجاه الشرق الأقصى، فقد أمضى بعضَ الوقت في المالديف؛ حيث استقرَّ لفترة وتزوَّج وأنجب أطفالاً، وعمل قاضياً.
وبعد نحو سنة، قرَّر استئناف رحلته إلى الشرق، ليرى ما لدى الأراضي الآسيوية من أسرار.
مرَّ بسريلانكا، وهناك اكتشف ابن بطوطة بعضَ أنقى اللآلئ التي رآها في حياته، ووصل إلى ميناء تشيوانتشو في الصين. وقد تعجَّب من حجم المدن الصينية، وقال إنها الأكبر والأجمل بين كل ما رآه، كما أثنى على تعامل الصينيين مع المسافرين.
نهاية الرحلة، وبداية الإرث
تثبت هذه الرحلة إلى الشرق أنها الأخيرة لابن بطوطة، فبعد أن وصل إلى نهاية العالم المعروف حتى ذلك الوقت، لم يكن لديه أي مكان ليذهب إليه إلا العودة لبلاده وهكذا، عاد إلى المغرب بعد 30 عاماً من خروجه إلى الحج.
وبمجرد أن عاد إلى وطنه في عام 1354، طلب مساعدة من كاتب يُدعى ابن جزي ليجمع مذكراته، واستمرَّ لسنوات عديدة يحكي تفاصيل مغامراته لابن جزي، فأخبره عن القراصنة الذين واجههم، والرياح الموسمية التي تجنّبها، ولكنه وقع في شركها، وزوجاته وأولاده الذين أحبهم، والأشياء الجميلة التي رآها.
وكانت النتيجة هي مُؤلَّف التاريخ الشفهي بعنوان "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، المعروف بكتاب "رحلة ابن بطوطة".
واليوم، يحظى الكتاب بمكانته بين أكثر السير المرويَّة شمولاً في القرن الـ14، وأحد أكثر الكتابات المقنعة المبنية على تجربة شخصية، عن الحياة داخل الإمبراطوريات المختلفة.
اختفى ابن بطوطة في غموض بعد نشر كتابه، وتداولت الشائعات أنه استقرَّ مرة أخرى وأصبح قاضياً، ثم توفي في عام 1368، ولكن الأرجح هو أنه انتقل باحثاً عن مزيد من الأماكن غير المكتشفة، وربما عثر على شيء أذهله ولم يعد أبداً.