هل مررت من قبل على كوبري قصر النيل في القاهرة؟ ربما أكثر ما يلفت انتباهك أسود قصر النيل على مداخل الكوبري من الجهتين والتي أكسبته شهرة واسعة نظراً للتصميم المميز لكن ما قصة هذه التماثيل؟
بني الكوبري في عهد الخديوي إسماعيل – خامس حاكم مصري من عائلة محمد علي -، الذي اهتم بالحضارة والتقدم المعماري، فسعى من خلال هذه الفكرة إلى تحسين البنية التحتية وإنشاء الكباري والجسور في مصر، ومن بينها كوبري قصر النيل الذي يعد أحد أهم ملامح العاصمة القاهرة.
يربط ميدان التحرير بالجيزة
قامت الفكرة الأساسية لإنشاء الكوبري على ربط ميدان التحرير "وسط القاهرة" والذي عرف حينها بميدان الإسماعيلية، بالجهة الغربية من النيل والواقعة في محافظة الجيزة، على غرار الجسور التي تربط أطراف المدن الأوروبية والتي تأثر الخديوي إسماعيل بتصميمها بشكل كبير، وهو ما جعل فكرة إنشاء الكوبري مميزة إذ لم تكن مستبعدة في مصر بشكل كبير.
وعليه بدأ العمل على إنشاء الكوبري في العام 1869، وأسند المشروع لشركة فرنسية واستمرت عملية البناء ما يقرب من 3 سنوات، لبناء الجسر الذي بلغ طوله 406 أمتار بعرض 10 أمتار.
قطع متحركة
يضم الكوبري أجزاءً متحركة، وذلك لتسهيل حركة السفن والمراكب الشراعية الطويلة في نهر النيل أسفل الكوبري، وكانت هذه الفكرة مستحدثة في مصر وقت بناء الكوبري ما أكسبه أيضاً سمات مميزة.
يتكون الكوبري من 8 أجزاء، والأجزاء المتحركة تقع من ناحية ميدان الإسماعيلية وكانت تفتح يدوياً باستخدام تروس مساعدة، ومحاطة بالحجر الجيري الصلب.
تماثيل دون شوارب.. و شُبهة انتحار
تماثيل أسود قصر النيل لها قصة خاصة، لا تقل أهمية عن قصة بناء الكوبري، فقد صممها النحّات الفرنسي الشهير هنري جاكمار، بطلب من الخديوي إسماعيل.
كان جاكمار مشهوراً بين أفراد العائلة المالكة، إذ نحت كثيراً من التماثيل التي خلدت تاريخ مصر في تلك الآونة؛ من بينها التمثال الشهير للكولونيل جوزيف سيف، الذي شكل الجيش المصري الحديث وأول من قام على تدريبه وعاش في مصر بقية حياته بعد اعتناقه الإسلام.
كما صنع كاجمار تمثالاً لمحمود بيه لاظوغلي وهو قائد في الجيش المصري، ووضع في ميدان يحمل اسمه، وللتمثال قصة طريفة إذ مات لاظوغلي دون أن يترك أي صور يستطيع جاكمار الاستعانة بها لرسمه، إلى أن وجد أصدقاء لاظوغلي بالصدفة عاملاً بسيطاً يشبه ملامحه إلى شكل كبير، فألبسوه لباس القائد العسكري وأحضروه لجاكمار لنحت تمثال يشبهه.
أما عن الأسود فصنعها جاكمار لتكون على بوابات حديقة الحيوانات في الجيزة، وأتم عمله فيها في فرنسا ونقلت إلى مصر، لكن بعد وصولها، كان الخديوي إسماعيل قد تم خلعه من منصبه من قبل إنجلترا 1879 ليتولى ابنه الخديوي توفيق عرش مصر من بعده.
فقرر الخديوي توفيق وضع الأسود على الكوبري، تكريماً لوالده الذي حمل الكوبري اسمه في تلك الحقبة، وأطلق على الخديوي إسماعيل لقب "أبو السباع"، لارتباطه بهذه الأسود.
أشيع عن جاكمار قصة شهيرة يعرفها أهل مصر جيداً، ويتناقلونها، لم يتسن لـ "عربي بوست" التحقق من صحتها من مصادر موثوقة، وذلك أن جاكمار انتحر بعد تصميمه للأسود الشهيرة، إذ أنه كان في احتفال الانتهاء من تصميم الجسر، فإذا بطفل صغير يسأل "هل هناك أسود دون شنب" ؟ فشعر جاكمار أنه أخطأ خطأَ فادحاً لا يليق بمكانته كفنان عالمي، وأنه سهو لا يُغتفر فأقدم على الانتحار.
وظلت أسود قصر النيل محتفظة بمكانتها منذ نهاية القرن الـ 19 ميلادي، وحتى اليوم وكانت من أهم الأيقونات التي ظهرت أثناء ثورة 25 يناير 2011، إذ اشتهرت صورها مع العلم المصري مع معظم الصور المصاحبة لميدان التحرير.