أورخان بن عثمان، المؤسس الحقيقي للدولة العثمانية وأول من أدخلها أوروبا

كانت هذه المساحة الجغرافية متروكة لصاحب التدبير الذكي والقوة العسكرية ليفرض سطوته وسلطته، ومن هنا بدأ تأسيس وتاريخ الدولة العثمانية. تعرف على أورخان غازي.

عربي بوست
تم النشر: 2019/05/09 الساعة 14:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/08/05 الساعة 08:49 بتوقيت غرينتش
أورخان غازي

كانت منطقة الأناضول وشرق أوروبا وغرب آسيا مسرحاً لأحداثٍ كبيرة، في القرنين الثالث والرابع عشر الميلادي، فدولة السلاجقة على أعتاب انهيارٍ كامل، والدولة البيزنطية منشغلةٌ بصراعاتها الدينية مع جيرانها المسيحيّين، وإمارات الأناضول الصغيرة تسعى للاستحواذ على أكبر قدرٍ ممكن من الأراضي، وهنا برز دور أورخان غازي، ثاني سلاطين الدولة العثمانية.

كانت هذه المساحة الجغرافية بشكلٍ أو بآخر متروكة لصاحب التدبير الذكي والقوة العسكرية المتماسكة ليفرض سطوته وسلطته، ومن هنا بدأ تأسيس وتاريخ الدولة العثمانية.

عثمان غازي ووفاته على أعتاب مدينة بورصة

ورث عثمان غازي من والده أرطغرل إمارة حدودية صغيرة كانت مساحتها 4800كم، وهي مساحة ضئيلة للغاية مقارنة بالإمارات الأناضولية والحدودية في ذلك الوقت. ركّز عثمان غازي توسّعاته في الحدود البيزنطية، رافعاً راية الجهاد، ومبتعداً عن الصراعات الإسلامية- الإسلامية بعيداً عن الحدود، توفي عثمان وقد وصلت مساحة إمارته إلى 16000 كم، وهي الإمارة التي ورثها أورخان ابنه.

https://arabicpost.net/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%A9/2019/05/07/%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AB%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9/

كان عثمان غازي قد حاصر مدينة بورصة، وهي مدينة كبيرة للغاية في ذلك الوقت، مقارنةً بالمدن التي تحت سيطرته، حاصرها ما يقرب من 10 سنوات لكنّه فشل في فتحها، وحين فاجأه المرض ترك قيادة الحصار لابنه أورخان. تختلف المصادر التاريخية ما إذا كان أورخان فتح بورصة في أواخر أيام والده أم أنه فتحها بعدما أصبح أميراً، لكنّ الثابت أنّه فتحها في أول سنتين من حكمه، عام 1326م.

كان لأورخان أخٌ أكبر هو علاء الدين، لكنّ المصادر التاريخية أيضاً تختلف حول حصول أورخان على الإمارة بعد وفاة والده، تعتمد المصادر البيزنطية رواياتٍ أنّه قَاتَل إخوته واستولى عليها، بينما اعتمد أوائل مؤرخي الأتراك رواية أنّ والده أوصى بالإمارة له، وتخلّى له أخوه الأكبر علاء الدين عنها، واكتفى بالوزارة، وهو الذي نظّم شؤون الإمارة المدنية، ويعتبر هو أوّل "صدر أعظم" في التاريخ العثماني.

أورخان غازي.. البداية الحقيقية لتأسيس الدولة العثمانية

تولّى أورخان إمارة أبيه وهو في سن 41 عاماً، وافتتح عهده بالسيطرة على مدينة بورصة، التي جعلها قاعدة حكمه، ومرتكز جيوشه، ومع ذلك لم يتمرّد على تبعيّته لخانات المغول ولا للخليفة العباسي معاً -وهي تبعيّات اسميّة- وبعد بعض الوقت أعلن أورخان إعلانه الأهمّ: أنّه وريث دولة السلاجقة التي أصبحت الآن في خبر كان.

اختلفت مواقف إمارات الأناضول من إعلان أورخان، خصوصاً أنّ إمارته لم تكن الأقوى، لكنّه استمرّ في عمليّات الفتح العسكري للمُدن البيزنطية، ما أكسبه احتراماً وشرعيّةً كبرى أمام الإمارات الأناضولية التركمانيّة الأخرى.

مقبرة أورخان غازي

فتح أورخان مدينة إزنيق، وهي أكبر، وربما أهمّ من مدينة بورصة، كان حصاره وفتحه مدينة بورصة قد أكسبه العديد من المهارات ونوعيات الأسلحة التي يستخدمها في الحصار.

هبّ الإمبراطور البيزنطي  أندرونيقوس الثالث لمحاربة أورخان، والتقيا في معركة پيليكانون، وهي معركة مؤثرة في تأسيس الدولة العثمانية، فقد انهزم الإمبراطور وأصيب، واستطاع أورخان بعد هذا النصر إحكام سيطرته على آسيا الصغرى، وهو ما كان إيذاناً بتخلِّي البيزنطيين عن سيطرتهم هناك، فقد أورخان في هذه المعركة 275 جندياً فقط.

بعد هذه المعركة، حصل أورخان على ألقابٍ عديدة "سلطان" و "سلطان الغزاة" و "غازي ابن غازي".

تأسيس جيش الدولة العثمانية.. الانكشارية

لم يكن للدولة العثمانية حتى الآن جيش نظامي بالمعنى المألوف، فقد كان أورخان ووالده عثمان يعتمدان بالأساس على مقاتلي عشيرتهم وجنود الإقطاع، وتتمثَّل هذه الطريقة في إقطاع المقاتلين منطقة زراعية ما يزرعونها ويحصدونها، شرط أن يكونوا تحت الطلب في الحروب، لكنّ هذا النظام كان يتسبب في مشاكل كثيرة، خصوصاً لو كانت الحروب بعيدة عن تلك الأراضي.

وهنا اقترح أحد المقربين من أورخان عليه أن يبدأ في تدشين قوّةٍ عسكريةٍ مختلفة في تركيبتها ولم يسبقه إليها أحد، وهي أن يُعزل الأطفال الأسرى في معسكراتٍ خاصّة، يتعلّمون هناك ويتربّون على الدين الإسلامي، ويصبح ولاؤهم فقط للسلطان ولدولتِه فقط، فهم جنودٌ بلا انتماءاتٍ عشائرية أو قبلية قد تعيق أو تتحكّم في ولائهم.

ومن هنا بدأ أورخان في تأسيس هذا الجيش، الذي أصبح قوّة ضاربة في أوروبا وآسيا على السواء، وصارت سمعته العسكرية تخيف أعداء الدولة، وأصبح للانكشارية دورٌ أضخم وأكبر مع صعود ابنه مراد الأول للحكم، لاحقاً تغيّر الانكشارية مع مرّ العصور، وبدلاً من أن يصبحوا طليعة الجيوش الإسلامية في الجهاد، أصبحوا شوكة في حلق السلطان العثماني، إلى أن تخلص منهم السلطان محمود الثاني في القرن التاسع عشر.

سلاطين الدولة العثمانية
مسجد السلطان أورخان غازي في بورصة – تركيا

أوَّل سلاطين العثمانيين.. وضاعف رقعة دولته ستة أضعاف

يعتقد الجميع أنّ السلطان الأوّل للدولة العثمانية هو عثمان غازي بن أرطغرل، باعتباره مؤسس السلالة، لكنّ عثمان لم يُلقّب بالسلطان في حياته، وإنّما لقّب بهذا اللقب بعد وفاته، لكنّ أورخان أصبح سلطاناً في حياته، بعدما استطاع توسيع رقعة إمارته 6 أضعاف ما ورثه من والده.

فإمارته الآن أصبحت دولة حقيقية مترامية الأطراف، فهي 95 ألف كم، وهي تشمل بورصة وبالكسير، وجزر مرمرة، والشق الآسيوي من إسطنبول، كما أصبح جيشه أكبر جيوش المنطقة الحدودية التي تتمركز فيها دولته، فقد أصبح تعداد جيشه -بعد سنوات قليلة من حكمه- 115 ألف جندي، ومع مرور الوقت استطاع السيطرة على عدّة إمارات أناضولية أخرى، فزاد جيشه بأسطول عثماني، وهو أوّل من بدأ معارك بحرية من آل عثمان.

كانت بدايات دخول العثمانيين أوروبا بين عامي 1353-1357، عندما تحالف أورخان بن عثمان مع الإمبراطور البيزنطي، كان الإمبراطور يواجه مقاومة شديدة من بعض أمراء البلقان، وخصوصاً أمراء الصرب والبلغار، تناقش مع أورخان في دعمه له بالجند العثماني للتغلُّب عليهم، فوافق أورخان وأرسل ابنه سليمان أول الأمر بستة آلاف جندي عثماني.

خلال هذه السنوات كان شاهزاده سليمان -ولي العهد- يمر عبر الأراضي البيزنطية ليحارب أمراء البلقان ويعود، واعترافاً بفضل ولي العهد سليمان بن أورخان منحه الإمبراطور البيزنطي قلعة "جمبة" الواقعة على الضفة الأوروبية.

بالطبع يعتبر العبور للروملي "بلاد الروم" ودخول العثمانيين أوروبا أحد أهم الوقائع التاريخية المهمّة في التاريخ العثماني، فهو الحدث الذي أمّن تأسيس الإمبراطورية العثمانية في أوروبا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد غيّر بشكلٍ مباشر التاريخ الأوروبي ومصير الدول الأوروبية كذلك.

توفي أورخان عام 1362م، بعدما ترك لابنه مراد -توفي ابنه سليمان سابقاً- دولةً مترامية الأطراف، فتيّة، بجيشٍ هو الأقوى في منطقته، ليستطيع ابنه مراد بعد ذلك فتح بلاد البلقان والسيطرة عليها، وتثبيت أقدامه في أوروبا وأقدام أحفاده طيلة 500 عام.

تحميل المزيد