الحملة المنسية.. لماذا تجاهل التاريخ غزو العراق وسوريا خلال الحرب العالمية الأولى؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/06 الساعة 15:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/14 الساعة 13:17 بتوقيت غرينتش
استقلال العراق من الاحتلال البريطاني

أحداث كثيرة مرت حتى وصلنا للحظة استقلال العراق من الاحتلال البريطاني إبان الحرب العالمية الثانية، ومن الصعب قراءة التاريخ المذهل للحملة العسكرية للحلفاء عام 1941 على العراق دون تذكّر مقولة وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد أواخر عام 2004، بعد عامين تقريباً من الغزو الأمريكي للعراق:

"أنت تذهب إلى الحرب مع الجيش الذي تمتلكه، وليس مع الجيش الذي قد تريد أو ترغب في امتلاكه".

في ربيع عام 1941 غزت بريطانيا العراق بخليطٍ من القوات التي سحبتها من جميع أنحاء الإمبراطورية ومنهم: السيخ والبنجابيون والجوركا والعرب من فلسطين. وذهبوا للقتال مُستقلين حافلات وشاحنات شيفروليه كان معظمها مسلحاً بأسلحة عتيقة.

كيف انتصرت تلك القوات التي قادتها بريطانيا في العراق، وأيضاً في سوريا ولبنان في الوقت نفسه؟ هذا هو ما التفت إليه كتاب المؤرخ جون بروتش الذي ألفه بتعمق في تدقيقه: "الدم والنفط والمحور: مقاومة الحلفاء ضد دولة فاشية في العراق والشام – 1941".

المؤرخون نسوا الحملة

نسي المؤرخون هذه الحملات إلى حد كبير، وألقت الأحداث التي تلت الحرب العالمية الثانية بها في طي النسيان؛ لأن التاريخ يكتبه المنتصر دائماً، وكان هناك توجه أوروبي لأن تنسى هذه الحملات، وتضيع في أعقاب الحرب حتى لا يُسلط الضوء على الحملات الاستعمارية البريطانية هناك.

 إلا أن بروتش جمع سرداً مميزاً عن الشجاعة والإقدام والقيادة الجريئة لوحدة صغيرة.

وجد البريطانيون أنفسهم عاجزين في مطلع عام 1941 عندما أطاحت مجموعة من الضباط العراقيين الموالين لألمانيا بالحكم الملكي الذي فرضته بريطانيا على البلاد، وهددوا إمدادات النفط إلى بريطانيا، التي تعد شريان الحياة لأسطولها البحري، وأتاحوا قاعدة مهمة في الشرق الأوسط لقوات دول المحور.

وفي ذات الوقت كانت قوات "فرنسا فيشي" تسمح للقوات الألمانية بدخول سوريا ولبنان.  

الأزمة جاءت في أسوأ الأوقات بالنسبة لبريطانيا

جاءت هذه الأزمة في أسوأ الأوقات بالنسبة لبريطانيا. فقد اجتاحت قوات الجنرال الألماني إرفين رومل القوات البريطانية في ليبيا، وخرجت يوغوسلافيا واليونان عن سيطرتها، فيما كانت مالطا وهي القاعدة البحرية الرئيسية المتحالفة معها تتعرض للخطر.

ودُفِعَ ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، للتدخل العسكري رغم تحفظات الجنرال أرشيبالد ويفل، قائد القوات البريطانية في منطقة الشرق الأوسط في ذلك الوقت، الذي أبدى مخاوفه من قلة عدد قواته المنتشرة في الشرق الأوسط.

 فأرسلت بريطانيا قواتٍ إلى البصرة، وهي مدينة ساحلية جنوبي العراق، وعانت في تعزيز مدينة الحبانية، وكانت قاعدة عسكرية بريطانية احتياطية للتدريب وإعادة التزود بالوقود غربي بغداد.

وفي 1 مايو/أيار 1941 فرضت القوات العراقية حصاراً حول القاعدة بقوات ذات كفاءة عالية قبل أن تنجح القوات البريطانية في تعزيز البؤرة الصحراوية بالكامل.

ورفض المدافعون عن القاعدة الاستسلام. واستخدموا ملعب البولو والغولف بالقاعدة لتوسيع مدارج الطيران وسرقوا ذخيرة لمدفعين ميدانيين انتهت صلاحيتهما منذ الحرب العالمية الأولى وكانا موضوعين كنوع من الزينة أمام مطعم الضباط.

وقال بروتش إن مدربي الطيران والطلاب "أقلعوا في مسار ثابت ولم يهبطوا إلا لإعادة التلقيم، ولم يوقفوا محركاتهم قط". وفي اليوم الأول من الحصار نفذ الطيارون المتحالفون 193 طلعة جوية.

القوات العراقية اختفت فجأة مثلما ظهرت فجأة

اختفت القوات العراقية التي كانت تحاصر القاعدة فجأة كما ظهرت فجأة، لكن المعركة في العراق لم تنتهِ، فقد توجهت قوة عسكرية بقيادة بريطانية قوامها نحو 1500 مقاتل إلى بغداد، وواجهت هذه القوة نحو 20 ألف مقاتل عراقي تمركزوا للدفاع عن العاصمة.

وفور وصول القوات المتحالفة إلى ضواحي بغداد انهارت الحكومة العراقية الموالية لألمانيا في 29 مايو/أيار 1941 وفرَّ زعماؤها خارج البلاد. واستغرقت الحملة كلها نحو شهر واحد.

واجه الحلفاء في سوريا ولبنان قوات "فرنسا فيشي" التي كانت تتضمن خليطاً غريباً من القوات الاستعمارية. وسرد بروتش في كتابه أحداث معركة دارت رحاها في مدينة القنيطرة السورية؛ حيث قاد جندي فرنسي ممتطياً فرسه ومستلاً سيفه فرقة من الفرسان الشراكسة.

وقال بروتش: "إن القومية سواء كانت فرنسية أو عراقية أو يهودية أو سورية كانت دائماً عَصَب هذه الحرب". فإذا كان هناك قصور في هذا الكتب فإنه يرجع لعدم توافر الرؤية الكافية لدى القراء لتطلعات العراقيين، الذين أشعل انقلابهم شرارة الحملة الدموية.

الغرب يتنافس على نفس الأماكن منذ 1941

الحقيقة الثابتة عن الشرق الأوسط هي أن عدم استقرار المنطقة يجذب القوى العالمية. ودائماً ما تكون التطلعات المحلية والشؤون السياسية والقادة أموراً ثانوية وسط الصراعات العالمية التي تدور داخل حدودها. فاليوم تدعم روسيا وإيران والولايات المتحدة قوات بديلة في سوريا؛ حيث تدور رحى المعارك في نفس المدن والقرى التي كانت تتنافس عليها عام 1941.

وبينما كانت الحكومة الموالية لألمانيا في العراق تنهار، قدم فريتز غروبا المندوب الألماني في بغداد حينها التماساً عاجلاً لحكومة بلاده لعدم الانسحاب من العراق، قائلاً إنه إذا انسحبت القوات الجوية الألمانية فإن "ألمانيا لن تستطيع استعادة مكانتها لوقت طويل".

إذا كان ثمة درسٌ هنا، فهو أن القليل من القوى الغربية تخرج من المنطقة محتفظة بمكانتها.