من القاهرة تبدأ القصة، القضاء يحكم على الجاسوس سليمان الترابين (والد عودة) حكماً غيابياً 25 عاماً في تهمة لا تسقط بالتقادم وفقاً للقانون المصري "الخيانة".
سليمان هدفاً للتصفية من أبناء القبائل..
جند الموساد سليمان "وهو بدوي تعود أصوله لقبيلة الترابين وهي من كبرى القبائل الفلسطينية التي تمتد في سيناء والنقب في فلسطين"
وحمل أبناؤه الجنسية الإسرائيلية، التي عمل من أجلها على مدار سنوات طويلة منذ نكسة 1967، التي كان في وقتها عيناً على تحركات المجاهدين.
ظل ينقل لهم المعلومات حتى انتصار أكتوبر/تشرين الأول 1973، وعقب تحرير سيناء عام 1979 غادر سليمان، ليلتحق بقوات الاحتلال المنسحبة
وفقاً لاتفاقية السلام، ويقرر حينها أن يسكن بالأراضي التي تحتلها إسرائيل، فيستقر به المقام بمنطقة رهط في صحراء النقب ويحصل على الجنسية الإسرائيلية، بعد أن أصبح هدفاً للتصفية من أبناء القبائل.
وفى النقب أنجب "سليمان" ولده "عودة"، الذى ورث منه الجاسوسية والعمالة مع الجنسية الإسرائيلية. وُلد عودة سليمان ترابين في يوليو/تموز 1981.
وبعد أن كبر الجاسوس الابن، تسلل إلى سيناء، وهناك كان يتردد على شقيقته المتزوجة والمقيمة بالعريش، وكان يعمل في تهريب المخدرات من إسرائيل إلى مصر، بموافقة سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
منحت إسرائيل سليمان ترابين وأبناءه الجنسية الإسرائيلية، والتحق الأبناء، وبينهم عودة، بالمدارس الإسرائيلية. وبعد سنوات
بدأ عودة يمارس مهام تجسسية على غرار ما كان يفعل أبوه سابقاً، معتمداً على العلاقات الممتدة مع أبناء عمومته وأفراد قبيلته الكبيرة، خصوصاً أن اثنتين من شقيقاته كانتا متزوجتين في سيناء المصرية.
استمر في التهريب سنوات طويلة، حتى تم تجنيده من قبل الموساد، ليكمل فصلاً من الجاسوسية التي اشتهر بها والده، ويتسلل إلى سيناء ويلتقي زوج أخته، الذي يحاول تجنيده هو الآخر لصالح الموساد، فما كان منه إلا أن أبلغ عنه.
تلقي السلطات المصرية القبض على عودة بعد التحريات، وتحاكمه بتهمة الجاسوسية، ويقضي 15 عاماً في السجون المصرية، ليخرج بعدها في صفقة تبادل للأسرى.
ينقل معلومات عسكرية
وجهت السلطات المصرية لـ "عودة" تهمة التجسس ونقل معلومات عسكرية مصرية للعدو، إذ كان يرصد المواقع العسكرية والجنود وعددهم، وينقل المعلومات عبر جهاز اتصال كان بحوزته.
أمد "الموساد" الإسرائيلي "عودة" بمبلغ كبير من الدولارات، اتضح لاحقاً أنها دولارات مزيفة كان يجند العملاء بها
لتجنيد العديد من العملاء لصالح الكيان، كان يتسلم منهم الأموال الحقيقية ويعطي من يجندهم أوراقاً غير حقيقية.
محاولات مضنية لإطلاق سراحه..
منذ توقيف ترابين والسلطات الإسرائيلية تحاول إطلاق سراحه في صفقات تبادل الأسرى التي تجري عادة بين دول وأخرى
إلا أنه أُفرج عنه بعدما قضى مدة حكمه وهي 15 عاماً، إذ حاكمته مصر بصفة أنه يحمل الجنسية المصرية، في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تطالب بتسليمه باعتباره مواطناً لديها.
لم تترك إسرائيل باباً إلا وطرقته من أجل عودة رجلها، الذي سقط في قبضة أجهزة الأمن المصرية على الحدود، في مارس/آذار 2010، بعث أيوب قرا
البرلماني ونائب وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي، برسالة إلى ياسر رضا، سفير مصر الأسبق في تل أبيب، يطالب فيها بالتدخل للسماح للقنصلية الإسرائيلية بزيارة عودة ترابين المحتجز في السجون المصرية.
ولم تسفر هذه المحاولات عن شيء، وهو ما دفع محامي ترابين بالتصريح بأنه مستغرِب من تجاهل الرئيس المخلوع مبارك الرسائل التي ترسلها والدة "عودة" لزيارته.
يناير 2012.. المحاولات مستمرة مع المجلس العسكري
رغم فشلها في عهد مبارك، استمرت تل أبيب بقوة في مساعيها لاستعادة الجاسوس؛ وفي 23 يناير/كانون الثاني 2012، دعا قرا المشيرَ محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة وقتها، إلى الإفراج عن ترابين.
يوليو 2012.. محاولة مع الإخوان
"اعفُ عنه بمناسبة شهر رمضان".. هذه الجملة كانت ضمن خطاب أرسله الموكلون عن الجاسوس إلى الرئيس المعزول، محمد مرسي
في يوليو/تموز 2012، بعد أيام من فوزه في الانتخابات وقتها، للمطالبة بالإفراج عن "ترابين" أو إجراء محاكمة له، "مهددين" أيضاً القاهرة بالمطالبة بتعويض 100 مليون دولار، بسبب ما سموه "اعتقاله".
أغسطس 2012.. صفقة لم تتم
لم تجدِ مناشدة الإخوان نفعاً كالمحاولات التي سبقتها، تحدثت إسرائيل عن صفقة في الأفق لإطلاق سراح 83 سجيناً مصرياً مقابل ترابين، وزار مسؤول أمن إسرائيلي كبير القاهرة، وفقاً للإذاعة العبرية، وبحث مع نظرائه المصريين القضايا الأمنية محل الاهتمام المشترك، إلا أن صفقة التبادل المحتملة لم تتم.
أبريل 2013.. وزير خارجية أمريكا يتدخل بنفسه
فشل الصفقة دفع إسرائيل إلى استخدام أحد أقوى الكروت في يديها، وهو جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، الذي أثار قضية "ترابين"، خلال زيارته مصر في أبريل/نيسان 2013، وطلب إنهاء هذا الملف، وهو ما تزامن مع رسالة بعث بها عدد من السجناء المصريين، وفقاً لصحيفة "معاريف"، لوزير الخارجية المصري وقتها محمد كامل عمرو، ناشدوه فيها العمل على عقد صفقة لإطلاق سراحهم مقابل الإفراج عن "ترابين".
وفي 24 أبريل/نيسان 2013، بدأ "ترابين" إضراباً عن الطعام؛ احتجاجاً على "عدم إتاحة الفرصة له للمثول أمام محكمة قانونية وعادلة"، على حد تعبيره، وهو الأمر الذي لم يجد نفعاً.
ترابين لنتنياهو: أنقذني
في ظل الفشل الإسرائيلي المستمر منذ أعوام في الإفراج عن ترابين، ظهرت حالة اليأس وبدأ الجاسوس في الانقلاب على مرسليه ومجنديه. وفي خطاب لنتنياهو، قال ترابين: "لقد نسيتني يا سيادة رئيس الوزراء، إذا كنت يهودياً أو درزياً كنتم حاربتم من أجلي".
وفي 2015، تم الإفراج عن ترابين قبل 5 أشهر فقط من انتهاء محكوميته.