رغم مرور زمن طويل إلا أن الموسيقى الأرمنية حافظت على طابعها الحزين الذي يميزها عن بقية الأنماط الموسيقية التي اعتدنا على سماعها في الوطن العربي.
اندمج الأرمن في الدول العربية التي هاجروا إليها منذ زمن طويل، فلا تستطيع أن تُميِّز بين شخص أرمني وآخر عربي ممن ينتمون في الأصل إلى هذه البلاد، إلا عبر الكنية التي تنتهي عند الأرمن بـ "يان".
رغم هذا الاندماج السلس فإنهم امتلكوا قدرةً عجيبة على عدم الذوبان في تلك المجتمعات، رغم قلة عددهم، على عكس الأقليات الأخرى.
فما زالوا يتكلَّمون فيما بينهم بلغتهم الأم، ولم ينقطعوا عن جذور بلدهم.
الموسيقى الأرمنيّة
تتركز الجاليات الأرمنية التي استوطنت في الوطن العربي في سوريا ومصر ولبنان والعراق والأردن وفلسطين.
وفي سوريا وحدها يعيش نحو 100 ألف أرمني، يتمركز معظمهم في حلب، بالإضافة إلى دمشق واللاذقية والقامشلي.
تأثرت الموسيقى الأرمنية بالموسيقى السوريّة والموسيقى اليونانية- البيزنطية.
كما تأثرت من بعد البيزنطية بالموسيقى التركية، التي كانت لها بصماتها الواضحة في شعوب الشرق الأدنى.
وتعود جذور الموسيقى الأرمنية إِلى نحو 3000 سنة، ويعود تاريخ النقوش في بعض المواضع الأثرية إِلى الألف الأولى قبل الميلاد.
إذ اكتشفت في هذه الحقبة بعض الآلات الموسيقية كالناي ذي الخمسة ثقوب المصنوع من الذهب، والصنوج المصنوعة من البرونز.
واتخذت الموسيقى عند الأرمن، ما بين القرنين الثالث والرابع ق.م، صبغتها الخاصة من الملاحم المغنّاة التي تعود إِلى القرن السادس ق.م.
تاريخ الموسيقى الأرمنية
أدى استقرار الدولة، زمن الملك ديكران الثاني العظيم (95-55ق.م)، دوراً مهمّاً في نشوء الموسيقى الأرمنية الوطنيّة، التي تطوَّرت خلالها الأناشيد والقصائد.
ونشأت فِرَقٌ موسيقية من سَدَنَةِ المعابد والمرتِّلين، ومن المنشدين القوَّالين الذين أسهموا في رفد الموسيقى والغناء بإِبداعاتهم.
ويعد العصر الهليني بداية حقيقية للموسيقى والغناء في أرمينيا.
بدأ الغناء الأرمني، وهو أحادي الصوت بإنشاد الملاحم على أنغام الآلات الموسيقية.
وحسب موقع معكم الإلكتروني، كان الزجّال أو المنشد يذكر مع القصيدة التي ينشدها النغم الذي سوف ينشد عليه الشعر.
كما يعيّن أحياناً الآلة الموسيقية المرافقة، وكانت الأناشيد تلقى في الأعراس والمآتم.
وبعد انتشار المسيحية، ظهرت الموسيقى الدينية واختلفت في أدائها وألحانها عن الموسيقى الشعبية.
وكانت "المزامير" في البدء هي نصوص الترانيم الطقسية، ثم بُدئ بتأليف القصائد الدينية المستوحاة من المزامير ومن حاجات الأرمن الروحية.
وتتسم الألحان الأرمنية بنبرة حزينة تصور معاناة الشعب الأرمني في مسيرته التاريخية.
السلالم الموسيقية الأرمنية
السلالم الموسيقية الأرمنية مبنية على ترابط سلاسل الأجناس (البعد ذو الأربع) والعقود (البعد ذو الخمس).
وشأنها في ذلك شأن ما كان لدى اليونانيين قديماً.
فالموسيقى الأرمنية، كالبيزنطية والفارسية والعربية والتركية، هي موسيقى "ميكروتونية"، أي أنها تعتمد في تركيبها على الجزء الصغير من البعد الطنيني.
وفيها سلالم شرقية تتصف باستعمال الفاصلة الثنائية المزيدة، كما هو الشأن في الموسيقى بوجه عام.
ومازال الأمر كذلك في الكثير من الموسيقى الشعبية الأرمنية المركزة على السلم الطبيعي لا المعدل.
الآلات الموسيقية الأرمنية
تشير المصادر التاريخية عن الموسيقى، بين القرنين العاشر والخامس عشر، إِلى تطوُّر فنِّ صناعة الآلات الموسيقيّة مثل القيثارة الرباعيّة الأوتار والثُّمانية الأوتار.
والمُسْتَحدثة كآلة السَّنْطِير والقانون والأُرْغَانُونْ، كما تطوَّرَتْ مفاهيم العزف وتأليف القِطَعِ الموسيقيّة.
وظهر نَمَطٌ من الغناء والموسيقى عُرِفَ في القرنين السابع عشر والثامن عشر بفنِّ "العشق" بفضل مؤسسة كوتشاغ نهابيد.
وقد انتشر هذا الفنّ مع الأرمن في بلدان المهجر والمُغْتَرَب، وسادت موسيقى آلة السَّاز التي انتشرت بفضلها ألحان شعبيّة أرمنية قديمة يؤدّيها العازف الملحِّن.
الذي كان في كثير من الأحيان مؤلِّفاً لقصائده المغنّاة أو أحد رواة الشعر الملحميّ الغنائيّ.
وحاول الشمّاس كريكور كَابَاسَاكَلْيان إِعادة تشكيل الأوزان الموسيقيّة والألحان القديمة المُعَقَّدة بكتاباتها وعلاماتها.
وذلك بهدف استحداث أبجديّة موسيقيّة جديدة تشمل كلّ المقامات الموسيقية والألحان القديمة، من دمج التدوين الموسيقي الأرمني الشرقي والبيزنطي.
وهو وإِنْ لم ينجح في ذلك، فإِنّه تمكن من وضع لبنة الأساس لعلم الأوزان الموسيقيّة الأرمنيّة الحديثة.
موسيقى التراتيل الدينية
الموسيقى الأرمنية لديها تاريخ طويل، والتراتيل (شاراكان) أي الصلوات، والموسيقى الدينية هي أرمنية بحتة، ولا تقدر بثمن من الناحية الفنية.
ويعد كوميداس وهو الملحن الأرمني الأكثر شهرة، وهو مؤلف (الخاز)، الشكل الأرمني للنوتة الموسيقية حالياً.
وقد كتب أيضاً الأغاني الدينية والوطنية قبل أن يصاب بمرض نفسي.
وتعني كلمة "كوسان" و"أشوغ" بالأرمنية المغنين في القصور الملكية في أرمينيا، الذين تناقلوا الأغاني من جيل الى جيل، والبعض منها دارجة حتى يومنا هذا، وخاصة أعمال صاياط نوفا والمغني آشود وشيرام جيفان.
بدأت في القرن التاسع عشر مرحلة جديدة في الموسيقى الأرمنية عندما كتب الملحن جوخاجيان أول أوبرا أرمنية بعنوان (أرشاك الثاني).
وتعد أوبرا "أنوش"، من تأليف أرمين ديكرانيان، واحدةً من أشهر الأوبرات وأكثرها شعبية، وهي تعتمد على أساس الأغاني والرقصات الشعبية التقليدية.
والقصة والنص مبنية على أساس قصيدة "أنوش" لهوفانيس تومانيان، حيث تمزج بسلاسة بين الكلاسيكية والألحان الشعبية الأرمنية.
ويعد آرام خاتشادوريان بالتأكيد الملحن الأرمني الأشهر لدى الجمهور الأجنبي، وهو مؤلف باليه "سبارتاكوس" و"غايانيه".
وقام بتأليف "رقصة السيوف" المعروفة لدى الجميع خارج أرمينيا.
بول بغدادليان أشهر المغنين الأرمن في العصر الحديث
يعدُّ بول بغدادليان Paul Baghdadlian من أشهر مغني الموسيقى الأرمنية الحديثة في الوقت الحالي، وهو أرمني سوري ويحمل الجنسية الأميركية.
وُلد في حلب، سوريا، عام 1953، واشتهر في السبعينات من القرن العشرين، خصوصاً بعد انتقاله إلى بيروت، لبنان عام 1974.
عُرف بأغانيه الرومانسية الجميلة التي أشعلت آلاف قصص الحب بين أبناء الجيل الشاب من المهجر الأرمني في الشرق الأوسط، كما في أميركا وأوروبا.
وهاجر إلى الولايات المتحدة بسبب الحرب اللبنانية في عام 1977.
وجال أرمينيا وأغلبية مراكز الانتشار الأرمني في العالم، ليقدّم حفلات موسيقية ناجحة.
بول بغدادليان كان محبوباً لدى المستمعين العرب، بسبب أدائه للعديد من الأغاني باللغة العربية، وله أغنية خاصة "Im Arab Yeghpayr" ("أخي العربي").
من أشهر أغانيه أيضاً تلك التي طرحها في الأسواق سنة 2000 "Tou Im Ashkharnes"، التي تعني "أنت عالمي".
لم يعرف كثيراً في أرمينيا، ولكن بقي في نظر أبناء المهجر أكثر مغنٍّ محبوب، ويمكن للمرء سماع أغانيه طوال الوقت.
توفي بول بغدادليان سنة 2011، في 28 يونيو/حزيران.
لينا شماميان
كما تعد المطربة لينا شماميان أيضاً إحدى رموز الموسيقى لدى الأرمن، على الرغم من غنائها باللغة العربية، مع وجود أغان قليلة باللغة الأرمنية.
ووُلدت لينا في مدينة دمشق، بتاريخ 27 يونيو/حزيران 1980، وتلقَّت فيها تعليمها الابتدائيّ والمتوسط والثانوي.
تخرّجت في كليّة التجارة بجامعة دمشق عام 2002.
وفي نفس العام انتسبت إلى المعهد العالي للموسيقى بدمشق، وتخرجت فيه مغنّيةً كلاسيكيةً عام 2007.
تأثرت لينا بالأسلوب الكلاسيكي وموسيقى الجاز والموسيقى الشرقية والأرمنية، لينعكس كخلاصة خاصة في طابعها الغنائي.
وتعد الفنانة السورية شاماميان أول فنانة من المنطقة العربية التي أعادت إحياء موسيقى "وات رينبو" وعرفتها على الجمهور العربي.
تقوم لينا بكتابة الأغاني والإنتاج والعزف على الآلات الموسيقية، صدرت لها أربعة ألبومات غنائية.
بالإضافة إلى عدة أغانٍ باللغة الأرمنية، أشهرها أغنيتا Sareri Hovin Mernem وHalali Janlal.
الموسيقى الأرمنية مزيج من موسيقى حملوها معهم من بلادهم، وموسيقى شعبية محلية اكتسبوها من الشعوب التي عاشوا فيها.
إلا أن أبرز ما يميزها هو طابعها الحزين، الذي يميزها عن بقية الأنماط الموسيقية الموجودة في الوطن العربي.