ما هو أصل الإنسان وكيف يمكننا التأكد من ذلك.. هذان السؤالان لايزالان يشغلان عقل البشرية منذ مئات السنين. نظرية التطور الشهيرة حاولت منح إجابة، إلى إن ما توصلت إليه ربما عارضه بعض رجال الدين.
يقول عالِم الوراثة ثيودوسيوس دوبجانسكي: "لا يوجد شيء في علوم الأحياء منطقي إلا إذا نظرت إليه في ضوء نظرية التطور".
فتاريخ الأرض تخبرنا عنه الحفريات، ويخبرنا التحليل الجيني بتاريخ تلك الحفرية، والتأريخ الكربوني (Carbon dating) نعرف به عُمر المواد العضوية مثل الخشب والجلود، تاريخ من عاشوا قبلنا مدوّن في سجِل الحفريات التي تحكي قصة التطور وقصة الأرض، تخبرنا من أين جئنا، وكيف تغيَّرنا ببطء شديد على مدار ملايين السنين، وكيف أصبحنا على هيئتنا الحالية، لنعرف حينها إلى أين نحن ذاهبين.
والسؤال هنا: هل كان هناك بشر قبل الإنسان المعاصر؟ وكيف كانوا يعيشون؟ وكيف كانت أشكالهم؟ وكيف استطاع العلماء تصوُّر هذا الشكل؟ هنا يمكنك التعرُّف على كيفية تصوّر العلم لإجابات تلك الأسئلة.
ما السبب في يقيننا بحدوث التطور البشري؟
تبصّر العالم الشهير تشارلز دارون بأن كل الفصائل والكائنات الحية، بدءاً من القوارض مروراً بطائر الفلامنجو، وحتى نبات الصبار، ترتبط ببعض بشكل ما، فهي إما إخوة، أو أبناء عمومة أو أقارب بعيدة، كلهم في شجرة الحياة. ولفهم تطور أي نوع كائن حيّ، يجب دراسة أسلافه.
في الحقيقة هناك تقارب جيني بيننا وبين الشمبانزي وقردة البونوبو، يصل لـ 99%، الشيء الذي يؤكد أننا نملك سلفاً مشتركاً.
الحفريات التي وجدها العلماء والمكتشفون في 6000 بقعة في العالم، من هياكل أو أجزاء منها، حتى الأسنان، عرفنا منها كيف استطاع الإنسان القديم التكيّف بالمشي على قدمين، وكيف استطاع العيش في بيئات حارة أو استوائية أو باردة، الفرق بين الحجم والصفات الجسدية بين الذكر والأنثى.
ومن المهم معرفة أن التطور البشري لم يسِر في خط مستقيم، بل في خطوط متنوعة نحو الإنسان الحديث، فقد كشفت الحفريات أن شجرة تطور الإنسان لها فروع وجذور أعمق بكثير مما كنا نعتقد قبل عقدين من الزمن.
تصورات مبنية على حفريات.. كيف كان شكل سلفنا الأول؟
لم نر صورهم، لكن أجزاء ضئيلة من عظامهم وُجدت في باطن الأرض لتدل عليهم. أشباه البشر أو الـHominins، هو مصطلح يُشير إلى قبيلة تحت فصيلة الإنسانيات أو الـHominoidea، نحن لا نعرف كل شيء عن أسلاف البشر، لكن علماء الحفريات ومستحدثات البشر ما زالوا يعملون لملء بعض الفراغات اللازمة لفهم تاريخ الإنسان.
يقول العالم الشهير كارل ساجان: "منذ أن وُجد نوعنا كنا في 99.9% من الوقت صيادين هائمين على وجوهنا بحثاً عن الطعام، متجولين بين مروج السافانا والاستبس. لم يكن هناك حرس حدود، أو مسؤول جمارك، فالحدود في كل مكان، وكنا مقيدين فحسب باليابسة والمحيط والسماء".
هذه الأرض التي نعيش عليها عمرها 4.54 بليون عام، قصة تطور الإنسان بدأت قبل حوالي 7 ملايين عام، عندما انحرف عمود نسب تطوره في طريق آخر مغاير للشمبانزي، إلى 20 نوعاً من فصيلة الإنسانيات، كل فصيلة تميَّزت بوجود صفات شبيهة بالإنسان فيزيائياً، وسلوكياً، انقرضوا جميعهم، وانحدر من فصيلة منهم الإنسان الحالي.
وينقسم الـHominins إلى ثلاث مجموعات رئيسية.
أشباه البشر الأوائل.. خليط من شكل القردة والشكل البشري
اكتشف الإنسان الحديث سلفه الأول "إنسان الساحل التشادي"، أقدم أنواع شجرة الجنس البشري، في يوليو/تموز 2001، في ساحل تشاد، وقد عاش قبل 6-7 ملايين عام.
كان يشبه كثيراً القردة العليا، شكله يمثل خليطاً من شكل القردة والشكل البشري، يمتلك تجويفاً دماغياً صغيراً حوالي 350 سنتيمتراً مكعباً، بنفس حجم دماغ الشمبانزي، وتميَّز بوجود نتوءات في الحواجب، شبيهة في السُّمك بالتي يمتلكها ذكر الغوريلا، وأنياب صغيرة وحادة تستخدم للأكل لا للصيد أو المعارك، وثنائي الحركة أي يمشي على قدمين.
في عام 2000، وجد عالم مستحدثات البشر، الذي ظلَّ 30 عاماً يبحث عن الحفريات في تلال لوجين في كينيا، المنطقة التي أُطلق عليها مهد الحضارة البشرية، وجد جزءاً من عظام الفخذ ترجع إلى الإنسان الأول، ووجد جزءاً من عظم العضد.
ولأنه اكتُشف في عام 2000 أُطلق عليه إنسان الألفية، ثم أخذ اسم "أورورين توجنسيس"، وتعني باللغة المحلية الإنسان الأصلي، وعاش في الفترة منذ 6 إلى 6.2 مليون عام.
الأوسترالوبيشين أو القردة الجنوبية.. يتسلق الأشجار للأكل والحماية
يرجع عمره إلى 4 ملايين عام، وعلى الرغم من أنه كان ثنائي الحركة فإنه كان يتسلق الأشجار للأكل والحماية، واكتُشف أول فصيل من الأوسترالوبيشين في عام 1924 في جنوب إفريقيا.
استمرت جهود الباحثين في العثور على المزيد من الحفريات في كل المواقع وسط وجنوب إفريقيا، التي أرشدتنا إلى أن الأوسترالوبيشين كانوا جنساً ناجحاً جداً، لأنهم استمروا في العيش قرابة 3 ملايين عام.
وأشهر أنواع الأوسترالوبيثيكوس هم الأوسترالوبيثيكوس آفارينيسيس، التي عاشت قبل 2.9 لـ3.6 مليون عام، والأوسترالوبيثيكوس الإفريقي، الذي عاش قبل 2 إلى 3.2 مليون عام، في جنوب إفريقيا كانوا أميل لشكل القردة، وتدل عظام الحوض والساق على أنهم كانوا يمشون على الأقدام، أو من ثنائي الحركة مثل الإنسان، ويبلغ حجم الدماغ حوالي 390 إلى 515 سنتيمتراً مكعباً.
وكان يتميز بالازدواج الجنسي، أي أن جسم الذكر يختلف عن الأنثى اختلافاً ملحوظاً بخلاف الأعضاء التناسلية، على خلاف الأسلاف الأوائل، وبناء على حجم الأنياب، فيُعتقد أن الطعام الذي كانوا يتغذون عليه جامد، لأنه يحتاج قوة مضغ أعلى.
جنس الهومو Homo.. عمره 2.3 مليون عام وانحدر منه الجنس الحالي
وُجِد هذا الجنس في وسط إفريقيا، ويرجع عمره إلى 2.3 مليون عام. العينات التي وجدها العلماء بيَّنت أن حجم المخ أكبر من الأوسترالوبيثيكوس، وحجم الأضراس الطاحنة أصغر، وذلك يُشير لتغير نوعيّة الغذاء.
أما أقدم عضو في هذه المجموعة فهو الهوموهابيليس (H.habilis) ويُعرَف بالإنسان الماهر أو الحاذق، الذي عاش قبل 1.4- 2.3 مليون عام.
وُجدت حفرياته لأول مرة في عام 1961 في شمالي تنزانيا، وصنَع الإنسان الماهر الأدوات الحجرية البسيطة التي صنعها من عظام الحيوانات، ومنها جاءت تسميته.
أما الهومواريكتيس (H.erectus) أو الإنسان المنتصب، فكان يفتقد القدرة على تسلق الأشجار مثل الأوسترالوبيثيكوس. وحجم مخه كان زائداً، وحجم أسنانه الصغير يعكس الغذاء هيّن المضغ.
قبل 700 ألف عام أو ربما أقل قليلاً، انحدر إنسان هايدلبرغ (H. heidelbergensis) من الهومواركتوس، الذي يتشابه معه كثيراً في نسب الجسد، وحجم مخ قريب لنا، وقبل 400 ألف سنة عرف الإنسان اختراع النار، وهو ما غيَّر وجه الحياة جذرياً، وعَرف الطهي بالنار. وتبعاً لفرضية ريتشارد رانجام أستاذ الرئيسات، فإن الطهي هو من جعلنا بشراً.
أما إنسان نياندرتال (H.Neanderthals) فقد عاش في أوروبا، وتميّز بهيئة ضخمة، وحجم مخ قريب لنا.
الحفريات والحمض النووي يرجحون أن جنسنا البشري الحالي هو الهوموسابيان (H.sapien) ومن المحتمل أننا ننحدر من هايدلبرج.
ويحكي التاريخ أنه منذ 200 ألف عام استوطن الهوموسابيان إفريقيا، ولوحظ أن الهيكل العظمي للإنسان الحديث أخف بكثير من أسلافه الأوائل، وحجم مخه كبير جداً 1400 سنتيمتر مكعب، وهو ما يرجح رانجام، صاحب فرضية الطهي، أن سببه أكل الطعام مطبوخاً، فقد قلّ الجهد المبذول والطاقة في المضغ، ووفرها للمخ، الأمر الذي أدى إلى زيادة حجم المخ بشكل كبير.
أدوات الصيد التي وجدها علماء الآثار هي التي استخدمها إنساننا لكي يزدهر عيشه في إفريقيا، بعد 100 عام تقريباً، تفرّق وهاجر إلى "أوراسيا" وتوسّع إلى أميركا وأستراليا.
لا تَعتقد أن التطور شيء حَدث في الماضي، لأن هذا ضد نظرية التطور في حد ذاتها، أنت ترى التطور بعينيك، في فيروس الإنفلونزا الذي تأخذ مصله، ثم تجده لا يجدي لأن الفيروس يتحوّر، نحن ما زلنا في حالة تغيير، مثال بسيط: المناطق التي يشيع بها فيروس الإيدز تحل طفرة جينية الأمر، وستشيع بالتبعية لتزيد من المقاومة ضد الفيروس، لأن الانتقاء الطبيعي مُتقلّب ولا يتوقف.