حبس العالم أنفاسه بعد العثور على تابوت الإسكندرية العائد تاريخه إلى ما قبل 2000 عام، انتشرت التكهنات حول ما إذا كان التابوت يحتوي على جثمان الإسكندر الأكبر، الذي ظلَّ لغز وفاته وقبره مجهولاً حتى اليوم، ولكن كيف اختفى القبر، وأين، ولماذا لم يصبح قبر الإسكندر مزاراً عالمياً يليق بتاريخه وبشخصية مثله؟
الإسكندر الأكبر مؤسس الإسكندرية.. ذو الأصل المقدوني يُعتَبَر من أشهر وأعظم قادة العالم القديم، ولولا وفاته التي أتت مباغتة في عمر 32 عاماً لكان تمكَّن مِن حكم العالم بأسره كما يقول المؤرخون
موت الإسكندر شكَّل لغزاً كبيراً حتى اليوم. يقول البعض إنه كان بسبب حُمَّى غريبة، ويُرجع البعض أنها أتت في إثر مرض عُضال في الكبد، إثر شُرب الخمر، أو تسمُّم من أحد راغبي السيطرة على الحُكم، أو تيفوئيد أصابه أثناء سيره مع جيشه في آسيا، وتحديداً في بابل القديمة.
عقب وفاة الإسكندر كان مكان الاحتفاظ بجثمانه محلّ نقاش بين أشخاص ثلاثة من المقربين إليه آنذاك
(برديكاس) أحد قادة جيوشه، الذي ساعده في مسيرته ضد بلاد فارس القديمة، والوصي على فيليب أرهدايوس، أخيه غير الشقيق ومحدود الذكاء.
(بطليموس الأول: سوتر) أحد قادة جيوشه، الذي تولّى جزءاً من إمبراطوريته في مصر، والذي سُمي باسمه أحد أهم شوارع الإسكندرية.
(سيليوكس الأول: نيكاتور)، أحد القادة الذين تولوا جزءاً من إمبراطورية الإسكندر في الشرق.
كان من المفترض أن يكون مكان دفن الإسكند معروفاً للجميع؛ بل ويظل مزاراً عالمياً، لما كان له من مكانة تاريخية، لكن ما حدث عكس ذلك.
عقب وفاته ظهر توجهان بشأن دفنه
التوجه الأول يتلخّص في أن جُثمانه كان من المفترض أن ينتقل لمقر إقامة أسرته أو مملكته في مقدونيا، وبالتحديد في Vergina في شمالي اليونان، التي كانت تضم مدافن الأسر المقدونية الحاكمة، أو الـ Argead dynasty.
التوجه الثاني كان نقله إلى واحة سيوة (مدينة مصرية) قبالة معبد الإله زيوس (كبير الآلهة اليونانيين)، وذلك بسبب زيارة الإسكندر له حين كان في مصر، واستقبال الكهنة له بحفاوة، وإطلاق لقب ابن زيوس عليه، فأوصى الإسكندري بدفنه في سيوة بعد مماته.
مال (برديكاس) إلى الخيار الأول وهو دفن الجثمان باليونان في مدافن العائلة، وبالفعل تحركت قافلة لنقل جثمان الإسكندر، لكنه وأثناء سير القافلة اعترضها بطليموس في الطريق، وتحديداً في سوريا؛ ليأخذ الجثمان ويثبت أحقيته في الحكم.
ذكر بوسينياس، أحد الرحّالة والمؤرخين القدامى بالإضافة لسجلّات تاريخية تُدعى بالـParian Chronicle، تحكي تاريخ اليونان من الفترة من 1582 قبل الميلاد إلى 299 قبل الميلاد، ذكر أن (بطليموس) سرق الجثمان وتوجَّه به إلى ممفيس (مدينة الجيزة حالياً)، ومقر الحكومة آنذاك، واستقرَّ في المدينة المصرية ما يقرب من 30 عاماً في تابوت ذهبي صُمم خصيصاً على مقاس جسد الإسكندر ليحوي جثته، لكنه نقل مجدداً إلى الإسكندرية في تابوت زجاجي.
من ممفيس إلى الإسكندرية
في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد، أو بداية القرن الثالث قبل الميلاد بِناءً على رأي العرَّافات في معبد السرابيوم (في الإسكندرية)، نقل الجُثمان إلى الإسكندرية في 280 قبل الميلاد.
ليأتي (بطليموس فلوباتير) ويقوم بنقله إلى الضريح الذي سُمّي Soma، أو Sema، بمعنى "جُثمان" أو "جُثّة" باليونانية.
في العام 274 قبل الميلاد كان الجُثمان قد استقرَّ في مكانه بالإسكندرية، ولكن لم يُعرف له موقع محدد حتى الآن.
اختفاء تدريجي
لكن الوثائق التاريخية ذكرت أن يوليوس قيصر كان قد زار الإسكندر سنة 48 قبل الميلاد، أثناء زيارته لمصر، وأن كليوباترا كانت بحاجة إلى تموين حربها ضد جايوس ثورينوس، أو (أوكتافيوس)، ففتحت مقبرة الإسكندر وأخذت ما فيها من قطع ذهبية للغرض ذاته، ما يعني أن مكان المقبرة كان معروفاً لوقت محدد، ثُم لم يعد معروفاً.
ذكر المؤرخ المعاصر لبداية الإمبراطورية الرومانية سوتونيوس، أن مقبرة الإسكندر نُهبت جزئياً على يد الإمبراطور الروماني كاليغولا، الذي اشتهر بأنه عيَّن حصانه وزيراً له، وعرف عنه أنه كان مهووساً، سرق كاليغولا درع الإسكندر ومقتنياته الثمينة.
وفي العام 199 ميلادياً تولَّى الإمبراطور الروماني (سيبتيموس سيڤيروس) الإمبراطور وزار الإسكندرية، وأمر بإحكام غلق المقبرة وختم أبوابها لمنع نهبها مرة ثانية.
بعد قرار (سيبتيموس) تولَّى الحكم ابنه الأكبر (كاراكلا) في 215 ميلادية، واستولى على بعض المُتعلّقات الشخصية للإسكندر من المقبرة، المؤرّخ (چون أوف أنتيوك) قال إن (كاراكلا) نهب رداء الإسكندر مع خاتمه وحزامه واحتفظ بها.
مع مرور الوقت وتمسك الحكام بالسلطة وغياب الوعي بدأت المقبرة في التلاشي
ذكر بعض المؤرخين أنهم رأوا ضريح الإسكندر على فترات متباعدة، من بينهم حسن بن محمد الوزان الفاسي، أو كما يُطلق عليه (ليو الإفريقي) (في الفترة من 1494 إلى تقريباً 1554)، قال إنّه زار الإسكندرية وهو شاب، ولاحظ وجود مبنى تصميمه يشبه الضريح، يأتي إليه زوار من مناطق بعيدة ليطلبوا البركة، ثم چورچ سانديز، الرحّالة والمُستعمر الإنكليزي الذي زار الإسكندرية في 1611، وقال إنّه رأى مبنى يُشبه الضريح يُقال إن به جُثمان الإسكندر الأكبر.
محاولات فاشلة
في العصر الحديث تم القيام بحوالي 140 عملية بحث رسمية مُنظّمة من قِبل المجلس الأعلى للآثار، باءت جميعها بالفشل.. كانت البداية مع (محمود حمدي الفلكي) الذي ربط بين الظواهر الفلكية والشواهد والمعالم الأثرية، وكان أول عالم يقوم بدراسة تخطيطية للإسكندرية، يسجّل فيها معالم المدينة القديمة، وينقّب في حفائرها وآثارها، ويتحدث عن موقع سورها القديم، وقصورها ومتاحفها ومكتبتها القديمة.
(الفلكي) حدد خريطة الإسكندرية، وذكر في كتاباته أنه متاكد من وجود الضريح وسط الإسكندرية، وبالتحديد في تقاطع منطقة ڤيا كانوبيكا، أو Canopic Way.
ڤيا كانوبيكا حالياً طريق الحرّية (كورنيش الإسكندرية).
في العام 1850 ذكر المترجم كان أمبروزي سكيليتسي، أنه اكتشف غُرفة سريّة مقفلة تحت مسجد النبي دانيال، يعتبر من أقدم مساجد مصر (موجود داخل منطقة ڤيا كانوبيكا)، وادَّعى أنها تخص الإسكندر.
نظر سكيليتسي خلال شقوق الجدران والخشب، وقال إن خلف الجدران يوجد جثمان محنط على رأسه تاج من الذهب، ومحفوظ في تابوت من الكريستال، وحوله مخطوطات من البردي، ملقاة على الأرض.
ضريح مشتبه
ولكن بالكشف عنها تبيّن أنها جثة النبي دانيال، الذي سمي على اسمه الشارع والمسجد.
استمرت المحاولات التي كان آخرها عام 2014، حين تم اكتشاف مقبرة ضخمة تعود لعهد الإسكندر الأكبر في أمفيبوليس في اليونان، قيل إنها المقبرة التي كانت لاستقبال الإسكندر قبل أن يغير بطليموس عليها، ويغير الخطة، وهنا اقترح بعض الأثريين أن الإمبراطور كاراكالا كان مولعاً بالإسكندر، ولذلك أخذ جثمانه إلى اليونان لدفنه، لكنه يظل احتمالاً ضعيفاً.
وظل الإسكندر بعد وفاته لغزاً وأسطورة، تماماً مثلما كان في حياته، خاض حروباً على مدار 15 عاماً دون أن يتلقَّى فيها هزيمة واحدة، وأطلق اسمه على أكثر من 70 مدينة بالعالم، ولا يزال سبب وفاته من أكبر الألغاز في تاريخ العالم القديم.
واقرأ أيضاً..
فتحوا التابوت الغامض.. ما وجده خبراء الآثار المصريين ليس للإسكندر الأكبر، وهذه أول صور من الداخل