تريد أن تفهم ما هي “الثورة المضادة”؟ اقرأ عن ثورات أميركا وفرنسا

هل سمعت بأولئك الذين يحاولون عمل ثورة ضد الثورة؟ هناك أمثلة تاريخية تساعدك على فهم هذه التجربة، وربما تستطيع مقارنتها مع أحداث جرت بالبلاد العربية في الأعوام الأخيرة.

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/07 الساعة 14:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/07 الساعة 14:41 بتوقيت غرينتش

هل سمعت بأولئك الذين يحاولون عمل ثورة ضد الثورة؟ هناك أمثلة تاريخية تساعدك على فهم هذه التجربة، وربما تستطيع مقارنتها مع أحداث جرت بالبلاد العربية في الأعوام الأخيرة.

وُلدت فكرة "الثورة المضادة" خلال أحداث الثورة الفرنسية، بتحالف ملوك أوروبا ضد نظام الثورة الجديد ودعمهم حركات التمرد المؤيدة لاستعادة الملكية على الأراضي الفرنسية.

وعُرفت "الثورة المضادة" أيضاً في أحداث الثورة الصينية، وأحداث الثورة البلشفية الروسية، والحرب الأهلية الإسبانية، ويقدم لك هذا الموضوع نموذجين للثورة المضادة.

"قصة مدينتين" هل تحكي فكرة الثورة المضادة؟

أسوأ الأزمان وأحسنها

"كان أحسن الأزمان، وكان أسوأ الأزمان. كان عصر الحكمة، وكان عصر الحماقة. كان عهد الإيمان، وكان عهد الجحود. كان زمن النور، وكان زمن الظلمة. كان ربيع الأمل، وكان شتاء القنوط".

تحكي افتتاحية الرواية هذا التناقض الهائل في مسيرة الثورة وصراعاتها، من خلال قصة الطبيب الفرنسي مانيت، وسجنه مدة 18 عاماً في الباستيل بباريس، وإطلاق سراحه في لندن مع ابنته لوسي التي لم يلتقها من قبل، وكذلك قصة زواج لوسي والتصادم بين زوجها والأشخاص الذين تسببوا في سجن والدها. وكذلك أحداث الثورة من خلال مشاهدات بائعي النبيذ في ضواحي باريس الفقيرة.

استُدعي الدكتور مانيت لإنقاذ فلاح شاب وأخته بعد أن جُرحا جراء وحشية اثنين من أعيان فرنسا النبلاء، اللذين اكتشفا أن الطبيب يعرف ما فعلاه بالفلاح، فيرسلان الطبيب للسجن 18 عاماً؛ لضمان صمته.

وحين يخرج الطبيب أخيراً يذهب لإنكلترا ليستعيد صحته وعافيته، ويلتقي هناك شارل ابنَ النبيل الذي تسبب في سجنه والذي كان مغرماً بلوسي ابنة الطبيب ومرافقته في لندن.

في الوقت ذاته، تتطور أحداث الثورة الفرنسية وتصل لحقبة الإرهاب بعد الثورة، ويذهب الزوجان لفرنسا لإنقاذ شخص حاكمته الثورة وسجنته بتعمة العمالة للنبلاء، وهناك يجد شارل نفسه قيد الاعتقال والمحاكمة، لكن حبيب لوسي القديم يفديه بنفسه ويموت نيابة عنه.

يمكن اعتبار رواية "قصة مدينتين-A Tale of Two Cities" الشهيرة، التي كتبها تشارلز ديكنز عام 1859، وتدور أحداثها في لندن، إنكلترا وباريس، خلال أحداث الثورة الفرنسية، روايةً عن الثورة والثورة المضادة.

الوجه المظلم للثورات وحكم الإرهاب

تؤرخ الرواية لفترة قيام الثورة الفرنسية على الملكية، لكنها تكشف عن الوجه المظلم للثورات والثورات المضادة؛ عندما تستخدم مفاهيم العدالة والحرية كقناع للانتقام وأعمال وحشية ضد الإنسانية؛ فالممارسات الوحشية التي مارسها الثوار الفرنسيون ضد الأرستقراطيين في السنوات الأولى للثورة، من نهب وقتل وإبادة والهجوم على قصور النبلاء، أدت إلى سلسلة من الفترات العنيفة بين الثوار أنفسهم، خاصة خلال عهد الإرهاب (5 سبتمبر/أيلول 1793-28 يوليو/تموز 1794)؛ بسبب الصراع بين الفصائل السياسية المتناحرة وأحكام الإعدام الجماعية للآلاف ممن وُصفوا بأنهم "أعداء الثورة" .

إذاً ما هي الثورة المضادة الفرنسية؟

تعرف الثورة المضادة الفرنسية، بالصدام العسكري مع حلفاء النظام الملكي الذي أطاحت به الثورة، خصوصاً النمسا وبروسيا وحلفائهما، خاصة بعد تصريحات الثوار عن "ضرورة تصدير الثورة لجميع أنحاء أوروبا".

تمكن الجيش الفرنسي الثوري من الانتصار على الجيش البروسي في معركة فالمي، وتوالت الانتصارات الثورية على بلجيكا وهولندا في خريف 1792؛ كما هزمت الجيوش الفرنسية النمسا بمعركة جاميز في 6 نوفمبر/تشرين الثاني، واحتلت على أثرها معظم أراضي هولندا؛ ما دفع بريطانيا والجمهورية الهولندية لإعلان الحرب على فرنسا.

وبعد إعدام الملك في يناير/كانون الثاني 1793، انضمت إسبانيا ومعظم دول أوروبا الأخرى إلى الحرب ضد فرنسا، فبدأت القوات الفرنسية تواجه الهزائم على جميع الجبهات تقريباً، واشتعلت في الوقت ذاته حركات تمرد وثورات داخلية بفرنسا ضد الثورة ونظامها ودعماً للملكية، لكن القوات الفرنسية قمعت التمردات الداخلية، كما أوقفت زحف الحلفاء الأوربيين، حتى انتصرت أخيراً في صيف 1794، ووقَّعت بلدان أوروبية -بينها بروسيا وإسبانيا- اتفاقات سلام مع فرنسا الثورية، في حين رفضت بريطانيا والنمسا ذلك.

الكتاب الثاني

ثورة 1776 المضادة: مقاومة العبيد وأصول الولايات المتحدة الأميركية

كانت الساعة العاشرة من صباح يوم 22 يونيو/حزيران 1772، بقاعة المحكمة في لندن. عندما أصدر رئيس المحكمة اللورد مانسفيلد، الذي كان أول أسكتلندي يعمل قاضياً، بحماسة غير معهودة، حكماً قضائياً يمنع العبودية، وهي المأساة التي عانى الكثير من الناس العودة إليها، على الأقل ستكون ممنوعة في إنكلترا.

وبعد بضع ليال، تجمّع مجموعة من الأفارقة الذين يصل عددهم إلى مئات؛ احتفالاً بالقرار.

حينما حارب "أحرار أميركا" لاستعباد الآخرين

في الوقت ذاته، كان سكان الجانب الآخر من المحيط غير مبتهجين، ولا سيما بولاية فرجينيا، على سواحل أميركا الشرقية، التي كانت ولا تزال حتى ذلك الحين تابعة للتاج البريطاني قبل "الثورة الأميركية".

و"الثورة الأميركية"  1776 هي الحرب التي وقعت في أواخر القرن الـ18 بين المستوطنين الجدد بالأراضي الأميركية الجديدة والسلطات البريطانية؛ بسبب الضرائب والقوانين المجحفة، وأدت إلى استقلال دولة الولايات المتحدة عن الإمبراطورية البريطانية.

لكن الأفارقة الذين عاشوا في المستعمرات الجديدة آنذاك لم يروا هذه الحرب بهذه الصورة البطولية، فقد انحازوا إلى جانب بريطانيا، التي أرادت تحرير العبيد، في حين حارب المستعمرون الجدد لإبقاء نظام العبودية بالأراضي الجديدة.

وفي هذا الكتاب الرائد، يبيّن جيرالد هورن أنه قبل 1776، كانت المشاعر المناهضة للعبودية تتعمق في جميع أنحاء بريطانيا وبمنطقة الكاريبي، وكان الأفارقة المتمردون في ثورة حقيقية على مُلاكهم.

وبالنسبة للمستعمرِين الأوروبيِّين بأميركا، كان التهديد الرئيسي لأمنهم هو الغزو الأجنبي جنباً إلى جنب مع انتفاضة العبيد الداخلية. لقد كان فرض لندن إلغاء العبودية في جميع أنحاء المستعمرات تهديداً حقيقياً لهم، وهو احتمال يخشى الآباء المؤسسون لأميركا من أن يؤدي إلى تمرد العبيد في أراضيهم الجديدة، ولإحباط ثورة العبيد قرروا الذهاب إلى الحرب!

لكن القصة لا تبدأ هنا..

قبل ذلك بكثير وبالتحديد في عام 1676، أفاد أحد اللندنيين للسلطات بـ"المأساة الدامية الموجَّهة ضد رعايا جلالة الملك" على يد "الزنوج الوثنيين"، وقيل إن مؤامرة للقتل الجماعي للرعايا البريطانيين البيض يجري تدبيرها. ولحسن الحظ، فإن المؤامرة "تمت، ولكن هذا الدم كان غير كافٍ لغسل الخوف من ثورة الزنوج والأفارقة والسود ضد الحاكمين البيض".

وبعد أكثر من 3 عقود، تكررت حادثة شبيهة في وقت مبكر من صباح يوم 6 أبريل/نيسان 1712، عندما أضاءت الحرائق سماء مانهاتن. وبدا أن عشرات من الأفارقة، مسلحين ببنادق وأسطوانات وسكاكين وأسلحة أخرى، اقتحموا مبنىً أرضياً وأضرموا النار فيه، ونصبوا كميناً للمستوطنين، الذين هرعوا لإخماد الحريق وقتلوهم.

يمتلأ الكتاب بقصص شبيهة عن هجمات وانتفاضات العبيد السود ضد المستعمرين البيض، الذين كانوا في حرب مع الحكم البريطاني، وكانت بريطانيا بالوقت ذاته تساند -أو هكذا يبدو- حريتهم.

هكذا إذاً كانت "الثورة الأميركية" ضد الحكم البريطاني، والثورة المضادة عليها، أي مقاومة العبيد للمستعمرين البيض الذين يقاومون بدورهم الحكم البريطاني للمستعمرات الجديدة.


واقرأ أيضاً..

كيف تعمل الثورات المضادة؟ وكيف ينخدع الثوار؟

رسالة مشفرة لتهريب آخر الملوك إبان الثورة الفرنسية تعرض للبيع، لكن لحظة! هل كانت خطة هروب أم رسالة حب بين الملكة وعشيقها؟

علامات:
تحميل المزيد