يبحثون عنه لأيام ويبيعونه أغلى من اليورانيوم.. هذا الطعام النادر تجدونه في سوريا بين ألغام داعش وطائرات أمريكا

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/06 الساعة 13:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/06 الساعة 14:41 بتوقيت غرينتش

اعتاد السوري إبراهيم حسين على الذهاب إلى الصحراء مع عائلته كل ربيع. كانوا يصطحبون معهم خيمة ويقضون صباحهم ومساءهم بحثاً عن الكمأ الناضج، داكن اللون، بصلي الشكل. قد يكون شكله غريباً بعض الشيء لمن لا يعرفه، لكن ندرته وأهميته الغذائية تجعله في مصاف أغلى الأطعمة في العالم.

يتجمع حسين مع عائلته ليلاً حول حلقة نار لشيّ ما جمعوه والاستمتاع بهذا الطعام النادر. فلذة الكمأ لا تأتي فقط من نكهته، بل من رحلة البحث عنه.

هذا التقليد السوري الربيعي، ينتهي كل سنة في شهر مايو/أيار مع بدء ارتفاع الحرارة، لكن هذا الموسم، لم يستطع حسين الوصول إلى الكمأ للعام الثاني على التوالي.

 

 

يتخوفون من الألغام وداعش وطائرات أميركا

حيث يوجد الكمأ، ينتشر الآن مقاتلون من تنظيم داعش وغيره، وقد يكون هناك ألغام تركها المتقاتلون، ولن تفرّق طائرات المراقبة بدون طيار، والتابعة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، بين جامعي الكمأ والمقاتلين بأنواعهم.
ومنذ العام الماضي، أي حين انتقل القتال شرقاً، لم يتمكن جامعو الكمأ من الوصول إليه، وبات الفطر النادر واللذيذ حكراً فقط على الأغنياء، الذين يدفعون ثمنه مئات الدولارات مقابل فوائده المتنوعة من تعزيز النظر إلى التنشيط الجنسي!
وبعدما كانت الصحراء فارغة ومقصداً للتراث المتناقل عبر أجيال، تحولت إلى جبهات. تنقل صحيفة Wall Street Jounal عن السوري إبراهيم (29 عاماً) والساكن في الريف بالقرب من مدينة دير الزور الشرقية، كيف فرَّقت الحرب بينه وبين التقليد القديم. "أشعر بضيقٍ في صدري لأنَّني لم أتمكن من الذهاب هذا العام ولا العام السابق".

ويعرفون أن سعره تخطى الـ 800 دولار

ويعد فطر الكمأ الصحراوي طعاماً شهياً في سوريا والخليج والمغرب، بل وحتى كعلامة على الثراء اعتماداً على عدد المرات التي تتناوله العائلة، لكنَّ الحرب جعلت منه فطراً نادراً ومكلفاً للغاية.
إذ كانت تبلغ التكلفة المعتادة لنصف رطل (0.23 كيلوغرام تقريباً) من الكمأ الصحرواي حوالي 200 ليرة سورية (4 دولارات تقريباً)، بينما صار ذلك الآن في دمشق يُكلِّف أكثر من 100 ضعف.

لكنهم يخاطرون بحياتهم لأجله

البحث عن الكمأ وحصاد قيمته الثمينة امتد إلى إسرائيل، حيث أعلن باحثون مطلع شهر مارس/آذار 2018 أنهم نجحوا في زراعة الكمأ الصحراوي تجارياً.
وصل سعره في السوق إلى 120 دولاراً للرطل الواحد، أي أقل بقليل من الفضة وأربع مرات أكثر من اليورانيوم! وتنوي إسرائيل تصديره إلى إيطاليا وفرنسا، حيث يباع الكمأ الأوروبي الملقب بالألماس الأسود بآلاف الدولارات.
ولكن في دمشق، قال أحد أصحاب المتاجر "إن جامعي الكمأ يضعون أنفسهم في خطر للبحث عنه، وهذا سبب آخر لارتفاع سعره. إذ قد يعتقد الجيش أنَّنا نزرع ألغاماً أثناء جمعنا له، ومن ثَمَّ يُطلق علينا النار".
وحتى الشتاء الجاف نسبياً هذا العام في سوريا لم يساعد، فالكمأ الصحراوي يحتاج العواصف المطيرة لينمو.
أما بالنسبة للسوريين في غرب البلاد، فإنَّ التكلفة الباهظة تعني على الأرجح الاستغناء عن شراء الكمأ. لكن الكثيرين في المنطقة الصحراوية في البلاد، التي تمتد من الشرق إلى محافظات الوسط، يندبون فقدان تقليد ثقافي محلي أثير.

ويستمتعون بعذاب العثور عليه

ومن جانبه قال سعيد سيف (35 عاماً): "كان موسم جمع الكمأ شأناً هاماً لسكان هذه المنطقة قبل الحرب، كان الأمر بمثابة احتفال. إذ اعتدنا على مغادرة المدن في مجموعات من خمسة أو ستة أفراد والتوجه إلى الصحراء مُصطحبين خيمةً ومولداً كهربائياً وغيرها من المؤن".
وثمة أغنية لأحد المغنين المحليين تتناول هذه العملية، وتقول كلماتها ما معناه: "أتظاهر بالذهاب وجمع الكمأ، لكنَّني هنا لأرى حبيبي".
وبينما يدخله أهل المدن في الوصفات مع الأرز واللحوم، يستمتع قاطفوه بأكله طازجاً إما مشوياً أو مسلوقاً.

والنازحون من دير الزور يحتاجون إليه أكثر

غلاء سعره جعل بعض أسر دير الزور تعتمد على بيع الكمأ لتغطية نفقاتهم بعد تفاقم الوضع الأمني والاقتصادي.
لكن سعيداً، الذي فر من مسقط رأسه في الصحراء الشرقية من محافظة حمص قبل سنوات، ويعيش الآن في مخيم الركبان قرب الحدود الأردنية، لم يتمكن من التوقف عن ممارسة هذا الطقس الربيعي.
يستفيد سعيد من موقع المخيم في جنوب شرق سوريا، ويستغل الأمن الذي يوفره موقعه قرب قاعدة عسكرية أميركية، ليبحث كما اعتاد عن الكمأ.
ولأنَّه يعيش داخل مخيمٍ تقيُّده مسافة معينة يمكنه التجول فيها بأمان، لم يأخذ حسين خيمته معه. خرج بمفرده على مدى ثلاثة أيام وجمع حوالي 1.4 كيلوغرام تقريباً من الكمأ، وهي كمية أقل كثيراً من الكمية التي اعتادت عائلته على جمعها في المواسم السابقة (453.6 كيلوغرام تقريباً) من الكمأ.
ومع ذلك، استمتع حسين بما جمعه. سلق الكمية في الماء المُملَّح وتشاركها مع أصدقائه، وشربوا ماءها بعد تناولها، ثم قال: "كل ما هو نادر ومحدود له نكهة خاصة".

علامات:
تحميل المزيد