في روايات أغاثا كريستي، يموت الضحايا خارج المشهد، ولا يوجد وصف تصويري وعنيف لمشاهد الموت.
شبكة BBC قررت أن تنتقل برواياتها إلى مستوى ثانٍ من التجسيد، فأدخلت الألفاظ النابية والمخدرات والمشاهد العنيفة في مسلسل مقتبس عن إحدى أشهر روايات الكاتبة.
إذ حولت كاتبة السيناريو البريطانية سارة فيلبس رواية أغاثا كريستي And Then There Were None إلى نص عمل تلفزيوني قبل عامين، وأعادت BBC عرضه قبل أيام مثيرة الجدل نفسه رغم النجاح الكبير للعمل.
هذا التدخل الدرامي قسم الرأي البريطاني، البعض اعتبره إضافة واقعية من اللغة المتداولة حالياً؛ والبعض الآخر رفض كلياً تقديم هكذا محتوى على شاشة BBC العريقة والعبث بأسلوب الكاتبة، معتبرين أن لغتها المهذبة هي من أهم أسباب انتشارها.
The relatively recent, really rather entertaining BBC adaptation of And Then There Were None is being repeated on BBC Four. Set your recording device of choice for 3am. @BBCFOUR #BBCFour #AndThenThereWereNone pic.twitter.com/541X9o0o5g
— Sabotage Films (@SabotageFilms) March 25, 2018
يعتبرون BBC قناة كل مواطن
ويؤثر الرأي العام البريطاني كثيراً على إنتاج قنوات BBC، بل قد يمنع عروضها إذا ما خالفت الذوق العام. فرواتب العاملين في الشبكة، وحتى صانعي المسلسلات التي تنتجها، تُخصم من جيب دافعي الضرائب البريطانيين، والذين يمارسون دورهم في قبول ورفض ما يعرض عبر شاشاتها.
وشكل التدخل المعاصر على الرواية الشهيرة مغامرة من القناة – إن صح التعبير -، فالرواية نفسها أثارت الجدل في السابق بسبب عنوانها فتغير أكثر من مرة. وقبل اختيار عنوان And Then There Were None، كان العنوان الأول الذي ظهر في العام 1939 هو "Ten Little Niggers – عشرة زنوج صغار". اعترضت الولايات المتحدة على تلك التمسية لما تحتويه من تعبير مهين بحق الأميركيين من أصول إفريقية. تغير العنوان إلى "Ten Little Indians – عشر هنود صغار"-. ومع مرور الوقت (سمه تقدماً)، راود الأميركيين شعور بعدم الارتياح حيال الاسم، ومن ثم غيروه إلى "And Then There Were None – ثم لم يبق أحد".
لذلك غضبوا من استخدام اللغة النابية
اختيار هذا العنوان ينبع من طريقة سرد الجرائم المتتالية، إذ يقتبس الإيقاع على قصيدة أجنبية قديمة يرددها الأطفال اسمها Ten Little Indians أو "عشرة هنود صغار". وهي تروي طريقة سقوط هندي تلو الآخر بطريقة شعرية منظومة حتى لم يتبق منهم أحد، ومن هنا جاء عنوان الرواية.
ويبدو أن تغيير العنوان لم يكن كافياً لإسكات الأصوات المعارضة، إذ تعرض المسلسل لعاصفة نقد قوية على موقع تويتر بسبب الألفاظ البذيئة في الحوار.
Worse!! Such a shame as it could/should have been wonderful…..even the normally excellent Bill Nighy can't redeem it. No comparison at all the brilliant #AndThenThereWereNone. Poor Agatha Christie must be turning in her grave.
— Ann Baldwin (@TwinkleToes5304) April 8, 2018
وبالنسبة لقارئ آغاثا كريستي المخلص، يخالف هذا الأمر النمط الذي سارت عليه رواياتها. فهل يمكن لأحد أن يتخيل أن تقول الآنسة ماربل "إنه الكاهن اللعين أليس كذلك"؟
لكن البعض اعتبر لغة الشوارع واقعاً
أستاذ الأدب الإنكليزي المعاصر بجامعة UCL جون ساثرلاند اعتبر في مقال على صحيفة The Guardian، أن كل المجتمعات تميل بطبيعتها إلى الرقابة على الأعمال الفنية والأدبية بدرجات متفاوتة، وتحت مسميات مختلفة.
وقال، "ثمة اعتقاد بأن الرقابة -سواء كانت رقابة ذاتية، أو حكومية، أو مجتمعية، يمكن أن ترفع من قيمة الفن". طرح الكاتب الروائي الإنكليزي كينغسلي أميس ذات مرة سؤالاً عمّا إذا كانت رواية "Pride and Prejudice – كبرياء وتحامل" – لتكون أفضل لو كانت إليزابيث بينيت قادرةً على القول لدارسي أن يغرب عن وجهها بوقاحة – كما فعلت تينا آرغيل، التي أدت دورها الممثلة كريستال كلارك في العمل المقتبس من رواية كريستي.
يجب ساثرلاند التساؤل بـ "ربما". فالرجال، برأيه، عندما يتصرفون بأريحية بين بعضهم البعض، يتكلمون دائماً بهذه الطريقة.
وطالب بتحرير لغة الشارع من كل القيود
وخلال نفس فترة كتابة رواية Pride and Prejudice، عندما كتبت إحدى حبيبات لورد بايرون روايةً عنه انتقاماً منه، قلل هو من شأن الرواية باعتبارها مجرد "إفشاء لأسرار جنسية".
ورحب ساثرلاند بمبادرة فيلبس لإعطاء المساحة للغة البذيئة على شاشة التلفاز. واستشهد بمسلسل Downton Abbey، الذي لاقى نجاحاً جماهيرياً عالمياً. إذ يشير دليل الآباء في موقع IMDB إلى مسلسل "Downton Abbey" إلى أنه برنامج "يحتوي على استخدام طفيف للغة البذيئة المتوسطة -مثل كلمة عاهرة- في الإشارة إلى النساء الفاسدات". بالطبع ينبغي حماية الأطفال من سماع تلك الألفاظ، ولكن من وجهة نظر درامية، يكون المسلسل أكثر واقعية لو ضم لغة بذيئة سواء من أفواه الطبقة الراقية أو الدنيا، على حد تعبيره.
ثم طرح سؤالاً عن حصر استخدام اللغة النابية في مسلسل Coronation Street لدى الطبقات الدنيا دون سواها. وأتم قائلاً، "أرى أن يُحرر الشارع من القيود، باستخدام لغة الشارع".