تمنع طائفة إيطالية تتَّبع نظاماً غذائياً غريباً أعضاءها من الضحك واستخدام الإنترنت ولبس التنّورات القصيرة.
يقول أعضاء بقوا في الطائفة -التي تتبع حمية الماكروبايوتيك الغذائية- لمدة 20 عاماً إنّه يتم التلاعب بالأفراد المنضمين إليها عبر إلزامهم بقواعد زادت من فقرهم، وأفقدتهم حرِّيتهم.
الطائفة وفق صحيفة الغارديان البريطانية صُمِّم نظامها الذائي بعناية على يد ماريو بيانيسي، وهو رجلُ أعمالٍ بارز، يُحتفَى به حول العالم باعتباره مُعلِّماً روحياً لنظام الأغذية الماكروبايوتيك (موازنة النظام الغذائي على نحوٍ يتبع مبادئ البوذية).
وبيانيسي، 73 عاماً، هو أحد 4 أشخاص تتهمهم السلطات بالتعامل مع أشخاصٍ معاملة العبودية بالتحكُّم في نظامهم الغذائي على نحوٍ صارم، ومنعهم من التواصل مع العالم الخارجي، وتركهم يقبعون في الفقر بإجبارهم على العمل مجاناً أو مقابل رواتب زهيدة.
المجموعة كُشِفَت على يد الشرطة، الأسبوع الماضي، في إثر تحقيقٍ بدأ في عام 2013 عندما أخبرت امرأةٌ شابة، وكان وزنها قد تدهور حتى وصل 35 كيلوغراماً، الشرطة أنَّ بيانسي قد وعدها أن تشفي حمية "Ma-Pi" التي يروِّج لها مرضها.
ولم يُعلِّق بيانيسي على الادعاءات المُوجَّهة له وفق الغارديان. وقال مانويل فورميكا، المحامي الذي يُمَثِّل الأربعة المتهمين جميعاً: "هذا أمرٌ غير مُقنِع وسيفعل المتهمون كل ما بوسعهم للدفاع عن مصداقيتهم".
وكان 6 أشخاص قد قدَّموا شكاوى رسمية، فيما تقدَّم اثنان آخران للشرطة على مدار الأسبوع الفائت. ويشتبه كارلو بينتو، وهو المُحقِّق المسؤول عن القضية، أنَّه قد يكون هناك "المئات غيرهم" ممَّن لا يزالون "تحت تأثير الطائفة".
ما النظام الذي تتَّبعه الطائفة للشفاء؟
المُتقدِّمون بالشكاوى زعموا أنَّها سيطرت عليهم من خلال نظامٍ غذائي ادعى توفيره معجزات شفائية لفيروساتٍ وأمراض مثل مرض نقص المناعة المُكتَسَبة (الإيدز)، والسرطان، وداء السكري. ويُزعَم أنَّ القواعد تضمَّنت منع النساء من ارتداء التنورات القصيرة، ومن وضع المكياج، ومن الاغتسال أثناء دورتهن الشهرية. وقيل إنَّ عاداتٍ أخرى غريبة تضمَّنَت لزوم النهوض من الفراش من الجانب الأيمن، وقص الشعر والأظافر في أي يومٍ من أيام الأسبوع، ما عدا الثلاثاء والخميس.
كذلك يُزعَم أنَّ الناس كانوا ممنوعين من الضحك كثيراً، واستخدام الإنترنت، والذهاب إلى الصالات الرياضية، بينما قيل للرجال إنَّ زوجاتهم اللاتي تركنهم هم بمثابة العاهرات.
وقالت فاندا سيكونديو، التي دخلت الجماعة عام 1989 بعد حضورها أحد أول مُخيَّمات العطلات الخاصة بهم: "تشكَّلت القوانين تلك مع مرور الوقت".
وأضافت حسب صحيفة الغارديان: "كان بيانيسي ذا شخصيةٍ جذَّابة. كان المرضى يطلبون مساعدته فيما يتعلَّق بالطعام. ثم بدأنا بطلب نصيحته في كل جوانب حياتنا، ومع الوقت، فقدنا نحن السلطة واكتسب هو المزيد منها. اعتقدنا أنَّنا غير قادرين على إدارة حياتنا بأنفسنا".
اقتدى بفيلسوف ياباني
وبيانيسي هو ألباني الأصل، وقيل إنَّه هو من اكتشف نظام الماكروبايوتيك الغذائي، واقتدى فيه بتعاليم الفيلسوف الياباني جورس أوهساوا، بعد أنَّ أُصِيبَ بالمرض خلال خدمته العسكرية.
وبعد أن رأى تأثيراً إيجابياً على جسمه، افتتح بيانيسي "عيادته" الأولى في سفورزاكوستا، وهي قريةٌ صغيرة بالقرب من بلدة ماتشيراتا بمنطقة ماركي الإيطالية، في ثمانينيات القرن الماضي.
كان السكَّان المحليون، الذين أشاروا لبيانسي مازحين بلقب "الطبيب المشعوذ"، يذهبون إليه للاستشارة. ويُزعَم أنَّه قال لتابعيه إنَّ الطب التقليدي لا ينفع وإنَّ الأطباء الحقيقيين قتلة.
بدأت إمبراطورية بيانيسي واسمها UPM، التي تتكوَّن من شبكةٍ من 85 مركزٍاً ومطعماً لأطعمة نظام المايكروبايوتيك عبر إيطاليا، بالتقدُّم بمزاعم جريئة في بداية التسعينيات، وهو وقتٌ كان الكثيرون فيه، وخاصةً هؤلاء ممَّن شُخِّصوا بفيروس الإيدز، يحضرون ندواته أملاً في إيجاد العلاج.
واكتسب بيانيسي نفوذاً من خلال التودُّد لمن حوله، بإعطاء هدايا للمسؤولين المحليين وتقديم وجباتٍ مجانية لضبَّاط الشرطة، حسب ما زُعِم.
وقال غيلبرت كاسابوري، وقد كان طباخاً داخل الطائفة قبل أن يتركها في عام 2011: "كان يقول إنَّه من أجل أن تكون البلدة آمنة يجب على الشرطة أن تأكل جيداً، وأن يكون ذهنها صافياً".
وتعتقد الشرطة أنَّ هذا كان تكتيكاً يتبعه بيانيسي، وهوَ يواجه أيضاً اتهاماتٍ بالتهرب الضريبي، لتجنُّب الشيكات المالية.
تلقَّى نظام Ma-Pi الغذائي دعماً من قبل مجلَّاتٍ علمية. وحاز بيانيسي لقب مواطن شرفي من 12 بلدة في إيطاليا وحول العالم. والتقى بالبابا فرانسيس عام 2016 مع زوجته الثانية، لوريدانا فولبي، وهيَ الأخرى خاضعة للتحقيق. وأثار اللقاء سخط تابعي الجماعة، ممَّن زعموا أنَّ بيانيسي لطالما انتقد الكنيسة والبابا بشدة.
لكنَّ شعبيته كانت قويةً إلى درجة أنَّ الناس في ماتشيراتا يعانون من أجل تصديق ما كُشِفَ عنه. ويزور الكثيرون مطعم الماكروبايوتيك المحلِّي، الذي يقدِّم وجباتٍ رخيصة وصحية.
هل هناك مبالغة بسوئها؟
وقال ماركو ريبيتشي، وهو صحفي تأمَّل كون بيانيسي شخصية يُحتَمَل كونها مشابهة لقصة "جيكل وهايد"، في مقالٍ كتبه للصحيفة المحلية الإلكترونية، كروناتشي ماسيراتيسي: "أعرف العديد ممَّن يعملون في تِلك المطاعم ولا يجري استغلالهم". وقال: "قد يكون في ذلك مبالغةٌ، لكنَّ هذا رأيي فقط".
وقال ريبيتشي إنَّه من المُحتَمَل أنَّه قد كانت توجد "طبقات" داخل الحركة، إذ كان يجري استغلال البعض والبعض الآخر لا.
ويهدف نظام الماكروبايوتيك الغذائي إلى تجنُّب الأطعمة التي تحتوي على السموم، وهو قائمٌ بالكامل على الحبوب، والخضراوات، والبقول.
وقالت فاندا سيكوندينو: "في البداية كان النظام الغذائي هوَ ذاته الذي علَّمه جورج أوهساوا، ثم أصبح مختلفاً كلياً".
انتقلت فاندا، وهي في الأصل من منطقة كامبانيا الإيطالية، إلى ماتشيراتا لتصبح أقرب من الحركة. وفي خلال أشهر كانت قد تركت دراستها وقلَّلت من تواصلها مع عائلتها.
كانت فاندا تعاني من فقر الدم والقلق المرضي، وقالت إنَّ المجموعة أعطتها في البدء "الكثير من الحب والاهتمام. كنت في السادسة والعشرين من عمري فقط، وكانت علاقتي بعائلتي مُفكَّكة، ولم يكن لدي سوى القليل من الإيمان بذاتي".
التقت فاندا بزوجها ماورو غاربوغليا، وهوَ مصابٌ بورمٍ حميد في المخ، داخل المجموعة. وقال بينتو إنَّ أتباع الجماعة كانوا مخلصين لـ"معلمهم"، لدرجة أنَّهم تبرَّعوا بالمال للطائفة وعملوا بالمجان في مراكزها ومطاعمها، معتقدين أنَّهم بذلك يسهمون في المجتمع.
أدارت فاندا وغاربوغليا أحد تلك المطاعم، واستثمرا فيه نحو 160 ألف يورو (197 ألف دولار). قالت الشرطة إنَّ العملية كانت تجري كمطاعم الامتياز التجاري، لكن في الحقيقة الأتباع استثمروا فيها بينما استولى المتَّهمون على معظم الأرباح. كذلك كان أتباع الجماعة مُلزمين بشراء المنتجات الزراعية من مراكز UPM فقط، وبدفع المال مقابل حضور ورشات الطائفة ومُخيَّمات العطلات.
تركت فاندا، وزوجها، وابناها الطائفة في عام 2012، عقب سلسلةٍ من الأحداث جعلتهم يدركون أخيراً أنَّ الأمور "لم تكن على صواب".