حين تقول محركات البحث الإلكترونية عن رواية ما، إن بطليها يعانيان أخطر أمراض العصر "السرطان"؛ فلا شك في أن شعوراً سينتابك بأنك بصدد رواية قد تدفعك إلى الاكتئاب، أو أنك أمام عمل أدبي يقترب من التراجيديا أو المأساة، فتبحث في الصفحات الأولى من الرواية عن الكلمات والجمل المأساوية التي تليق بمعاناة الأبطال، وربما تهرب من القراءة مؤثِراً سلامة المزاج والقلب.
لكن رواية "ما تخبِّئه لنا النجوم"، للكاتب الأميركي جون غرين، جاءت مغايرة للتوقعات السابقة فقد رصدت معاناة مريضين بالسرطان، لكنها جاءت رغم ذلك مفعمة بالأمل.
عنوان الرواية الأصلي هو "الخطأ في نجومنا-The Fault in Our Stars"، واستوحى أجواءها من عمله مرشداً روحياً بعد تخرجه، 5 أشهر في مستشفى للأطفال، معظم نزلائه مصابون بأمراض تهدد حياتهم.
تلك الرواية التي ترجمها أنطوان باسيل وصدرت ترجمتها العربية عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، تم تحويلها إلى فيلم سينمائي في عام 2014، من إخراج الأميركي جوش بون، بطولة كل من الممثلة الأميركية شايلين وودلي، ومواطنها المغني والممثل أنسيل إلغورت.
بطلا الرواية شاب وفتاة مصابان بالسرطان، جمع بينهما الكاتب ليدخل بنا إلى الجانب النفسي والحياة اليومية لكل منهما، وكيف سيواجهان الحياة، وما هي نظرتهما للمستقبل القريب جداً وفقاً لتوقعات الأطباء التي تتسم بالسلبية أكثر من الإيجابية.
هازل فتاة تبلغ من العمر 17 عاماً، تعاني سرطاناً بالرئة ألزمها في سن مبكرة أن تعتاد العوائق وتتعلم كيف تصاحبها؛ كجهاز التنفس "مستوعب الأكسجين" الذي تحمله معها أينما ذهبت، وأنابيب الكانيولا التي أصبحت جزءاً من طقوس حياتها .
غاس، أو أغسطس واترز كما اعتادت هازل أن تناديه، شاب في الـ17 من عمره، مصاب بسرطان العظام الذي أفقده إحدى ساقيه، ومهدَّد بفقد عضو آخر من أعضاء جسده في المستقبل، وتلك أصعب أعراض المرض ومعاناته: أن تتعايش مع فكرة أن يهاجمك المرض مرة أخرى في المستقبل بعد أن تظن أنك تماثلت للشفاء.
الحب صانع المعجزات والأمل
كان اللقاء الأول بين غاس وهازل في إحدى مجموعات الدعم النفسي التي تُعقد أسبوعياً، وتضم مجموعة ممن يحاربون مرض السرطان وممن تعافوا منه وتغلبوا عليه؛ يروى كل من الحاضرين تجربته؛ ليجد كل منهم الدعم والقوة فى تجارب الغير.
لكن علاقة هازل وغاس اتخذت بعداً آخر حين جمع بينهما شغف واحد بكتاب "محنة عظيمة"، ذلك الكتاب الذي ترك كاتبه نهايته غير محددة، ما جعل هازل وغاس يذهبان إلى أمستردام للقاء الكاتب للإجابة عن تساؤلاتهما.
وفي تلك الرحلة، تجمع بينهما قصة حب بسيطة ومختلفة التأثير على كل منهما، فقد جعلت العلاقة من هازل، التي ظنت أنها ستكون أول من يفارق الحياة؛ فتاة صاحبة هدف لا بد أن تعيش من أجله، تؤمن بأنها أوفر حظاً من غيرها حتى ممن لا يعيشون تجربتها الصحية نفسها.
أما غاس، فأصبحت لديه حبيبة تُشعره بأن له إرادة قوية حين يحاول تحقيق أحلامها البسيطة ومشاركتها إياها، فقد وجد كل منهما في الآخر ميداناً مختلفاً للنضال من غير ميدان محاربة المرض.
الشفقة التي تحاصر المريض
أهم ما يميز علاقة هازل وغاس في الرواية، هو مناقشاتهما المستمرة حول واقعهما وحياتهما، تلك المناقشات التي رصد الكاتب من خلالها معاناة المريض الحقيقية، التي تكمن في الألم الذي تسببه نظرات التعاطف والشفقة من الآخرين، ومبادرة الغير لتقديم المساعدة في أي وقت، وفي أحيان أخرى قد تقتله كلمات الدعم التي يرددها المحيطون من دون مناسبة.
تلك التصرفات التي نظن أنها إيجابية ونكتشف مع الرواية أن لها تأثيراً سلبياً على المريض؛ فهي تشعره بالاختلاف وأنه في حاجة دائمة للناس من حوله.
غريزة الرغبة في الخلود
رصدت الرواية نوعين مختلفين من المواجهة وقوة التحمل التي تشكل نوعين من الثقافة من خلال دور عائلة المريض؛ ففي حين بدا والدا هازل متعايشين مع الأمر الواقع للدرجة التي جعلتهما يدرسان كيفية مساعدة وتوعية الآخرين ممن يعيشون مشكلة مرض ابنتهما، بينما كان والدا غاس ينتظران قرار القدر بشأن ولدهما باستسلام تام.
كما لفت الكاتب الانتباه إلى موضوع مهم يشغل كل إنسان، وهو البقاء أو الخلود. أو بالمعنى الأدق: كيف يترك ذكرى وبصمة في الحياة تبقى بعد رحيله، تلك الرغبة التي يعمل الأصحاء طيلة حياتهم من أجل تحقيقها، فما بالنا بمن تشغله فكرة النجاة، وهو النهاية القريبة لحياته، ولم يتجاوز طور المراهقة؟!
القلب القادر على الحب هو المعجزة
أهم ما يميز الرواية أنها متناغمة من كل جوانبها؛ فملامح الأبطال بسيطة وكذلك الأحداث وأسلوب سردها السلس رغم صعوبة تجربة الأبطال، الأمر الذي يُشعرك في كثير من الأحيان وأنت تقرأ الرواية بأنك بصدد قصة قصيرة رغم عدد صفحاتها الـ335 صفحة.
في آخر صفحات الرواية، لم يأت الكاتب بنهاية خارقة للأحداث؛ بل جاءت النهاية مناسبِة لحياة الأبطال وواقعية وفقاً لتنبؤات الأطباء وما يفرضه الأمر الواقع، وقد أعطى ذلك للرواية مصداقية أكبر، لكن الكاتب وضعنا أمام حقيقة واحدة كان يبحث عنها طيلة الأحداث، وهي أنك حين تملك قلباً يعرف كيف يحب وما يستطيع أن يفعله من أجل سعادة من يحبهم، فأنت باقٍ إلى الأبد حتى ولو أصبحت مجرد حكاية، فمن المحتمل أن يقرأها أحد في يوم من الأيام.
علاج الذكريات الموجعة بالكتابة
جون غرينز، مؤلف أميركي لخيال الشباب والكبار، وصاحب مدونة مرئية على اليوتيوب. فاز بجائزة البرينتز عام 2006 عن روايته الأولى "البحث عن ألاسكا".
اشترت شركة بارامونت حقوق تحويل الرواية إلى فيلم في عام 2005، والذي قام أيضاً بتعيين جوش سكوارتز ككاتب سيناريو ومخرج. وبعد سنوات، قال غرين إن سيناريو الفيلم أعجبه، ولكن يبدو أن بارامونت لم تعد مهتمة.
مثل رواية "ما تخبرنا به النجوم"، كانت روايته الأولى "البحث عن ألاسكا" تسعى لصنع الأمل من أجواء محبطة. كانت تحكي عن تهديدات يعيشها المراهقون، واعتداءات نفسية يمارسها التلاميذ الأقوى والأسوأ أخلاقاً. وحكى غرين فيما بعد، أنه خضع لمثل هذه التحرشات خلال دراسته الإعدادية والثانوية، وأنها حوّلتها جحيماً.
الرواية: "ما تخبئه لنا النجوم-The Fault in Our Stars"
الكاتب: توم غرين
المترجم: أنطوان باسيل
عدد صفحات الرواية: 335