جرب أن تبحث في جوجل عن "بورتريهات كلاسيكية"، وستجد أناساً تبدو على وجوههم الجدية الشديدة، وأحياناً الضيق وقلما ستجدهم مبتسمين، فبالرغم من بدء التقاط الصور الفوتوغرافية في أوائل القرن التاسع عشر، إلا أن الابتسامة في الصور لم تنتشر إلا بعد ذلك بقرن من الزمان!
لا يعني ذلك بالضرورة أن الحياة كانت تعيسة آنذاك، إنما لأن تكنولوجيا التصوير التي ظهرت في ذلك الوقت لم تكن بالتطور الذي يتيح لها أن ترصد مختلف جوانب الحياة وتوثقها، ولكن ما الأسباب وراء غياب الابتسامة في الصور؟
تنوَّعت التكهنات والنظريات ما بين الآتي:
1- رفضوا الابتسام لبشاعة أسنانهم
لم تكن أدوات تنظيف الأسنان منتشرة بين الطبقات الاجتماعية الوسطى والفقيرة في تلك الفترة الزمنية، مما أدى لتشوّه أسنانهم وأحياناً سقوطها، فرفضوا أن يظهروا بمظهر سيئ أثناء تخليد ذكراهم من خلال تلك الصور.
انقسمت الآراء حول ذلك السبب، إذ رفضت فكرة أن الأسنان السيئة يمكن أن تكون سبباً محتملاً لغياب الابتسامة مبكراً؛ لأن ذلك كان شيئاً شائعاً فلم يكن يُلاحظ بالضرورة في ذلك الوقت، أو حتى يُنقص من جمال الشخص.
يختلف مع ذلك الرأي أنجس ترومبل، مدير المعرض الوطني للصور في العاصمة الأسترالية كانبرا، ومؤلف كتاب "نبذة تاريخية عن الابتسامة"، الذي يشير إلى أن التطور في الاهتمام بالأسنان اقترن ببداية ظهور الابتسامات في الصور الفوتوغرافية، وحجة أن الأسنان السيئة كانت طبيعية وشائعة لا تعني أنها كانت محبوبة لدى أصحابها.
2- تكنولوجيا التصوير لم تكن متطورة
التفسير الثاني لغياب الابتسامة في صور القرن التاسع عشر هو أن الكاميرات كانت تستغرق وقتاً طويلاً لالتقاط الصورة في ذلك الوقت، ما يضطر من يجلس أمام الكاميرا إلى اتخاذ وضع مريح؛ لأنه لم يكن يستطيع الابتسام لفترة طويلة حتى الانتهاء من التقاط الصورة.
توضح ذلك تود غوستافسون، أمينة قسم التكنولوجيا في متحف "جورج إيستمان" بولاية نيويورك الأميركية قائلة: "إن هذا صحيح جزئياً، فإذا نظرنا إلى أساليب التصوير القديمة، سنجد أن وقت التعرض للكاميرا كان طويلاً، لذلك من الطبيعي أن يختار الشخص الذي تُلتقط له الصورة وضعاً مريحاً".
لكن غوستافسون عادت لتخفف من أهمية ذلك السبب، معلنةً أنه تمت المبالغة في وضع التكنولوجيا كعامل مقيد للابتسامة؛ فبحلول خمسينيات وستينيات القرن التاسع عشر كان من الممكن التقاط صور فوتوغرافية في بضع ثوانٍ فقط من بدء وقت التعرض للكاميرا، وفي العقود التالية كان ذلك الوقت يقل تدريجياً، ومع ذلك لم تشع الابتسامة في الصور إلا بعد ذلك الوقت بكثير.
فيما شكَّكت كريستينا كوتشيميدوف المتخصصة في ثقافة الاتصال بين البشر في كلية سبرينغ هيل الأميركية، في مسؤولية التكنولوجيا عن غياب الابتسامة في الصور، وذلك في مقالها المتعلق بتاريخ الابتسامة في الصور الفوتوغرافية، بحسب تقرير صحيفة Washington Post الأميركية.
وأكدت فيه أن فكرة الابتسام للكاميرا تأتي من عالمنا الحالي، إذ يبدو من الطبيعي أن يحدث ذلك بشكل تلقائي، ورغم أن الابتسام بشكل عام يعد أمراً فطرياً إلا أن الابتسام أمام الكاميرا ليس بالضرورة استجابة غريزية.
3- لم تكن الابتسامة مظهراً لائقاً
يُرجع بعض الخبراء في تاريخ التصوير السبب الأعمق وراء عدم وجود الابتسامات في الصور القديمة، إلى أن التصوير تأثَّر بالعادات الموجودة مسبقاً في رسم البورتريه، وهو شكل من أشكال الفن التي كانت تعدُّ الابتسامة شيئاً غير لائق.
وعلى الرغم من أن القديسين قد ظهروا بابتسامات خافتة، فإن الابتسامات الأوسع كانت مرتبطة بالجنون والسُّكر، وبناء على ذلك صنع المصورون المحترفون في استوديوهات التصوير بيئة أنيقة، ووجهوا المُصوَّرين لإنتاج تعبيرات الوجه الجادة التي كانت مألوفة وشائعة آنذاك.
لم يمنع ذلك من ظهور الابتسامة في بعض الصور النادرة، منها صورة اثنين من الضباط المشاركين في الحرب المكسيكية الأميركية عام 1847، وصورة أخرى للاعبي بوكر عام 1853، بها رجل مبتسم يركز على أوراقه.
وصورة ثالثة لملاكم أميركي إفريقي مُنتصر يرفع يديه مبتسماً عام 1860، ورغم ذلك فهذه الصور لم يلتقطها مصورون محترفون يلتزمون بالذوق العام السائد آنذاك، لذلك فهي تختلف تماماً عن الصور الرسمية لأبناء الطبقات العليا.
4- الفهم العام عن الابتسامة
اعتقادنا الحالي عن دلالة الابتسامة هو السعادة والنكتة والدفء، لكن على ما يبدو لم يكن المعنى نفسه في القرن التاسع عشر، ففي أوروبا كانت إحدى الحقائق الراسخة أن المبتسمين بشكل واضح هم الفقراء والفاسقون والسذج، ومن في حالة سُكر، الأمر الذي يُفسِّر لنا عدم رؤية ابتسامات الشخصيات المعروفة آنذاك.
على سبيل المثال نجد الرئيس الأميركي الـ16 أبراهام لينكولن، الذي عُرف بشخصيته الفكاهية يظهر دائماً في الصور بالتعبيرات الجادة للغاية التي اختارها لجلسات التصوير الرسمية الخاصة به.
كما ظهر المؤلف الساخر مارك توين في شكلٍّ جاد دوماً، وكان يرى أن الصورة الفوتوغرافية وثيقة مهمة، ولا يوجد شيء أسوأ من تقديم ابتسامة سخيفة ثابتة للأبد إلى الأجيال القادمة.
لكن بحلول عام 1920 لم تعد الابتسامة في الصور من الأمور المستهجنة أو غير المحببة، فقد انتشر امتلاك الكاميرا بين عامة الناس الذين اهتموا بالتصوير، والتقاط لحظاتهم المميزة والفريدة في أبهى وأسعد صورهم.