إنهم أحد أكثر الشعوب والقبائل المتعطشة للدماء في التاريخ، ومن أشرس شعوب الأرض، من فرط وحشيتهم قيل إنهم إذا نزلوا أرض معركة لم تكد الشمس تُرى من كثافة تراشق سهامهم المدببة بالبرونز، ولكن تاريخهم يكشف ما هو أبشع.
من هم السكوثيون؟
إنهم قبائل السكوثيون (محاربو سيبيريا القدامى)، الذين كانوا من على ظهور جيادهم، الأسرع من البرق، يطلقون سهامهم التي ترتعد لها فرائص الأعداء، ثم يقفزون أرضاً مستلِّين فؤوسهم ليُعمِلوها في رقاب وجماجم أعدائهم، فيجزونهم ويشطرونهم نصفين حتى الحوض.
ولا يقف البطش عند هذا الحد، فبعدما يبيدون الرجال عن بكرة أبيهم يعود السكوثيون مرة أخرى للنيل من النساء هذه المرة، فيذبحونهن مع الخيل والأحصنة قبل أن يشربوا من دم القتلى.
ستفاجئك أصول هذه القبائل المتوحشة
السكوثيون هم قبائل إيرانية، ويُعتقد أن لغتهم تنتمي إلى الشطر الشرقي لمجموعة اللغات الإيرانية الكبيرة، وهي المجموعة التي يُعتقد أنها نشأت في آسيا الوسطى وليس إيران.
أي إن أولاد العمومة الأقرب لهم والذين ما زالوا موجودين حالياً، هم الشعب الإيراني، ورغم ذلك لم تنجُ حتى الإمبراطورية الفارسية من أسلحتهم.
ويعتبرون من القبائل المنسيّة عموماً، وهو الأمر المستغرب نسبةً إلى المساحات الشاسعة التي حكموها والقرون الـ7 التي عاشوا فيها، وفقاً لصحيفة Daily Mail البريطانيّة.
فمن عام 900 وحتى عام 200 قبل الميلاد، هامت هذه الشعوب البدوية المتجولة عبر القفار الشاسعة والسهول العشبية المنبسطة جنوب روسيا.
ومع حلول عام 600 قبل الميلاد، شكَّل هؤلاء لأنفسهم سلالة ملكية، حيث سمي رؤساء القبائل ملوكاً (أو بازيليوس كما في اليونانية)، وتوارث هؤلاء الملوك من الآباء إلى الأبناء خلال القرنين الـ5 والـ4 قبل الميلاد.
ويرقد رفات هؤلاء الملوك في مقابر عبارة عن تلال وأكوام ضخمة تضم أجساد الموتى مع أسلحة وعتاد الحرب من سيوف وفؤوس وزينة مذهَّبة لأغماد السيوف وكنانات السهام.
نساؤهم كنّ مصدر إلهام أسطورة مقاتلات الأمازون
ويقال إن السكوثيات هن مصدر إلهام أسطورة مقاتلات الأمازون الشرسات في الميثولوجيا والأساطير الإغريقية، حيث كانت تلك المخلوقات الأسطورية على درجة من الوحشية حتى إنهن قطعن أحد النهدين؛ لسهولة رمي السهام والرماح.
يشربون دماء أعدائهم
أما عن كيف وصلت لنا أخبارهم، فمعظم ما نعرفه عنهم- إلى جانب الكشوفات المدهشة التي تعرض في المتحف البريطاني- يرجع الفضل فيه إلى هيرودوت، المؤرخ الإغريقي الذي عاش في القرن الـ5 قبل الميلاد ويكنَّى بأبي التاريخ.
ففي مؤلفه التاريخي "On The Scythians-عن السكوثيين"، كشف هيرودوت أسراراً مدهشة عن القبيلة المحاربة وولعها بطقوس الذبح؛ فقد كتب هيرودوت: "يشرب السكوثي دم أول رجل يغلبه، ثم يحمل إلى ملكه رؤوس كل مَن قتلهم".
كذلك، ثمة أدلة على أنهم كانوا يسلخون فروة رأس بعض ضحاياهم بعد القتل.
ثم بعد هذه المذابح الشنيعة، يسترخي السكوثيون بشرب قصعات خشبية مليئة بحليب الفرس المخمر أو النبيذ المصبوب في أوانٍ ذهبية وفضية؛ وكذلك كانوا يحرقون نبت القنب على الجمرات الملتهبة؛ لكي يتخدروا بأدخنته المتصاعدة ويشعروا بالزهو.
مصير من يفشل في القتل!
وحسب هيرودوت، فقد كان حاكم منطقة سكيثيا في كل عام يجهز قِدراً ضخماً من النبيذ، فإن أفلح محاربٌ في قتل عدو نال قدحاً ضخماً منه، وأما إن قتل أكثر من عدو واحد نال قدحين.
أما إن كان نصيبه من القتلى خاوي الوفاض، فلم تكن العقوبة مجرد الحرمان من كؤوس الراح؛ بل كذلك النبذ بعيداً عن وليمة النصر بعد المعركة، "وهو عار كبير".
وكان السكوثيون دائماً وأبداً في حالة حرب مع جيرانهم على أطراف مملكتهم المتحركة متنقلة الحدود، فقد قاتلوا قبيلة تسمى "الكيمريين" أو "السيمريين" Cimmerians على أطراف البحر الأسود، كذلك احتلوا ميديا وإيران وقتلوا شعوبها إرباً إرباً.
معاركهم مع المصريين
وفي القرن الـ7، تعارك السكوثيون مع المصريين الأقوياء، الذين ارتعد ملكهم هلعاً؛ فدُفع لهم الإتاوات الضخمة، وكذلك توغلوا في أراضي تركيا الحديثة وفي سهوب القوقاز (أي روسيا وجورجيا وأرمينيا في الزمن الحاضر).
وكان النصر حليف هذه الفتوحات الحربية التي هي أشبه بهجوم عسكري صاعق، والسبب هو هوس السكوثيين الحربي بالأسلحة والخيل، فقد دمج السكوثيون هذين العنصرين فنتج سلاح فتاكٌ هو السهام والرماح المدببة البرونزية المنطلقة كالبرق من على صهوة الجياد.
ولم تكن الأسلحة تشكل فرقاً كبيراً للسكوثيين، فهم يرحبون بكل سلاح طالما يقتل ويذبح.
وكتب هيرودوت: "إنهم جنود خيَّالة ومشاة، ورماةُ رمح ورماةُ سهام، ومن عادتهم حمل فؤوس للحرب، وكانوا دوماً يستخدمون الذهب والبرونز، فكل الأطراف المدببة لرماحهم وسهامهم وفؤوسهم هي من البرونز".
سر الرعشة التي تحدثها سهامهم
وكانت سهامهم بالذات تجعل الرعشة تسري في الأبدان، فقد كانت ثلاثية النصل؛ بغية إلحاق أكبر أذى وإصابة ممكنة، كما كانت رؤوس السهام ضخمة، ما يعني التسبب في جروح خطيرة غائرة لا تُستخرج بسهولة.
واعتنى السكوثيون أيما اعتناء بسهامهم وحتى بالكنانات التي تُحفظ فيها السهام، فكانت كلها تُدفن مع صاحبها.
ويقول مؤرخ إغريقي من القرن الـ3 قبل الميلاد، إن السكوثيين كانوا قبل النوم يُلقون نظرة على كنانة كل منهم؛ بغية تقدير حصاد اليوم من سفك وقتل موفَّق أم لا، فإذا شعروا بالرضا وضعوا حجراً أبيض داخل الكنانة.
أما إن كان يومهم تعيساً لم تهرق فيه دماء، فكانوا يضعون حجراً أسود داخلها.
وعندما وافت أحد السكوثيين المنيَّةُ، كانوا يُحصون تلك الحجارة البيضاء والسوداء داخل كنانته، فإن غلب البياضُ السوادَ يُمجَّد المتوفى وينال المدائح والثناء.
لماذا فشل الفرس في هزيمتهم؟
ولأنهم كانوا بدواً رُحّلاً، فقد كان السكوثيون بارعين مراوغين كالثعالب على أرض المعركة، لا تدري من أين برزوا لك ولا من أين هبطوا عليك؛ بل حتى حينما كانوا ينسحبون انسحاباً تكتيكياً لم يكن بوسع مخلوق اللحاق بهم.
وفي وصف ذلك، كتب هيرودوت الإغريقي عن المحاولات اليائسة لملك الفرس داريوش الأول في مطاردتهم والنيل منهم بإحدى معارك البحر الأسود عام 513 قبل الميلاد، لكن عبثاً باء بالفشل.
فعلى أعنة خيولهم الرشيقة، انطلق السكوثيون من كل حدب وصوب يعيثون فساداً وخراباً في المراعي وآبار المياه فيما ينفذون انسحابهم، أما داريوش فقبعت قواته كسيرة تعاني شحّ الطعام والماء.
وكان السكوثيون ما إن يحرزوا نصراً أو يتكبدوا هزيمة نادرة، في هذه الحالة يطلقون العنان لأحصنتهم فتركض بهم برشاقة على طول السهول العشبية الروسية المنبسطة التي كانوا يحفظون تضاريسها عن ظهر قلب، فيما كانت هذه السهول متاهة يضيع فيها الأعداء بسهولة؛ لمساحتها الشاسعة المتشابهة.
وطبقاً لأحد النصوص العسكرية البيزنطية من القرن الـ6 قبل الميلاد، فقد كان السكوثيون "يفضلون المعارك ذات المدى والمسافة الطويلة (كي تكون الغلبة لسهامهم ورماحهم)، كما كانوا يفضلون الكمائن ومحاصرة الأعداء والتظاهر التمثيلي بالانسحاب ومن ثم الكر والعودة المفاجئة".
وأما حينما يجد السكيثيون أنفسهم في معركة ذات مدىً ومسافة قريبة وجهاً لوجه مع العدو، فكانوا وحوشاً ضارية؛ يستلّون خناجر قصيرة تُعرف باسم "الأكيناكه"، فضلاً عن مُدىً وسكاكين وفؤوس حربية للفتك بالعدو والتمثيل به.
وكانوا يزخرفون أسلحتهم ويعتنون بها؛ لدرجة لم تقف عند مجرد دفنها مع جسد المحارب؛ بل وصل تمجيد السلاح لحدّ صنع التماثيل الصخرية والهياكل لهذه الأسلحة.
وكان من أسلحتهم المفضلة، فأس "الساجارِس" المدببة التي توجد في المعرض الجديد، مثال مزركش ومزخرف عليه يبث الرعدة في الناظرين.
حتى الخيول
وقد اكتُشفت في المقابر كذلك، الهياكل العظمية للجياد التي لقيت حتفها بضربة قاتلة من تلك الفأس ذات الرأس المدبب وسط الجبهة، وشوهدت أحصنة بعدة جروح في المكان نفسه، الأمر الذي يشي بحُمى القتل التي تملَّكت السكوثيين في وطيس المعركة.
لكن، لا تظنن أن هياكل عظام البشر سلمت أو كانت أفضل حالاً؛ ففي مقبرة جنوب سيبيريا اكتُشفت دزينة هياكل عظمية، جميعها موسومة بجراح الفأس المدببة "الساجارس" تتوسط الجبهة، ثلاثة أرباعها تعود لرجال، والبقية لنسوة لم يسْلمن من شر تلك القِتلة.
وقد أمعن السكوثيون في وحشيتهم، فكانوا يستخدمون فؤوس المعارك أيضاً لجزّ الرقاب؛ ومن ثم إعمال الرماح على طول الجثث لتمزِّق كل ما بطريقها حتى الحوض.
كذلك، وُجدت السهام المدببة بالبرونز مزروعة في كل ناحية من أجساد الضحايا، فهناك هياكل استقرت بها السهام في الرأس وبالعمود الفقري وفي الحنجرة وبالحوض وفي الأذرع، وكذلك الأرجل والكواحل.