في مواجهة الإنترنت والحصار، طرح شباب غزاويون مبادرة لإنعاش القراءة بطريقة تناسب ظروف القطاع الاقتصادية والإنسانية لسكان القطاع.
المبادرة تسمى "أثر الكتب المقروءة" وهي عبارة عّن مكتبات متنقلة لمواجهة الخمول الذي أصاب القراءة جراء ارتفاع أسعار الكتب وانتشار الإنترنت، لكن عملية إعادة الاعتبار للكتاب في ظل هذه الظروف لم تكن بالأمر اليسير.
المبادرة أطلقها فريق "أثر" الشبابي المكون من 35 عضواً من كلا الجنسين ومن تخصصات جامعية مختلفة ما بين التربية والصيدلة والطب والصحافة وغيرها، جمعهم حب القراءة والحرص على تواجدها في كل مكان.
واتفق هذا الفريق على جمع الكتب المستعملة والتي وصل عددها لـ10 آلاف كتاب مستعمل ومهمش، ثم صنفوها تحت 2500 عنوان مختلف في كافة المجالات الثقافية والسياسية والعلمية وحتى قصص الأطفال وغيرها لكي يستفيد منها المواطن.
كيف نشأت الفكرة؟
تقول هالة أبو لبدة من فريق "أثر" لـ"عربي بوست": الفكرة طرحت بيننا وتم الاتفاق على تنفيذها منذ شهر أبريل/نيسان 2017، بعد أن اجتمع عشاق القراءة وهواة جمع وعرض الكتب لوضع خطوات التنفيذ".
وأضافت: "واجهتنا الكثير من الصعوبات من أجل تنفيذها، ولكن على الرغم من ذلك استطعنا أن نجمع هذه الكمية الهائلة من الكتب والتي بلغ عددها 10 آلاف كتاب من خلال التواصل الاجتماعي مع الأصدقاء والمتابعين".
وتضيف قائلة: "أحيينا الكتب المستعملة التي تضع في الرفوف ويأكلها غبار الإهمال، لكي تتم الاستفادة منها والتشجيع على القراءة، فالكثير من المواطنين لا يستطيعون شراء الكتب، لذا نحن ساهمنا من خلال هذه المبادرة بإتاحة الكتب للجميع بأسعار رمزية بسيطة والتي لا تتعدى الدولار الواحد، ولجميع فئات المجتمع بمختلف مجالات اهتمامهم".
لمسة جمالية
ومن الزوايا التي اهتموا بها محاولة إضافة لمسة جمالية للكتب من خلال استخدام نسيج أرجواني لصنع فواصل الكتب بطريقة جمالية تجذب القراء وهواة شراء الكتب واقتنائها بمكاتبهم المنزلية.
وقالت ريم أبو لبدة عن هذا الأمر: "من الممتع أن يكون للقراءة كماليات تناسب أذواق القراء فعند الانتهاء من جزء في الكتاب يحتاج القارئ لفاصل لكي يضعه بين الصفحات، ومن هنا أضفنا فواصل للكتب باستخدام نسيج أرجواني مميز الأمر الذي قوبل باستحسان القرّاء".
استضافة الكتاب والأدباء من الوطن العربي
وكان هناك نشاط مهم جداً نجح منظمو "الأثر" في تنظيمه، إذ استضافوا كتاباً وأدباء من الوطن العربي وفلسطين بعضهم عبر سكايب وهم: سليم البيك وهو كاتب فلسطيني لمناقشة روايته "تذكرتان إلى صفورية"، وسعود السنعوسي وهو كاتب كويتي لروايتيه "ساق البامبو– فئران أمي حصة"، وأيضاً الفلسطيني زياد خداش عن رواية "خطأ النادل"، ومحمد عبد الباري، وجنى الحسن اللبنانية التي تعيش في أميركا عن رواية "طابق 99".
وحضر "عربي بوست" لقاء الكاتب الكويتي سعود السنعوسي عبر سكايب والذي تحدث خلاله عن روايته "ساق البامبو" التي تتناول قضية العنصرية في المجتمع العربي من خلال قصة ابن رجل كويتي من أم فلبينية.
وقال الكاتب: "إنه كان يمارس العنصرية وهو صغير السن ورأى أنها شيء سيئ جداً لذا حاول محاربتها عند الكبر بكتابته هذه الرواية، كما قال أن تمثيل الرواية كمسلسل أعجب مشاهدي الدراما ولكنه خيب آمال القراء لكونه قلل من قيمة الرواية وهدفها".
وأضاف قائلاً: "تمت ترجمة الرواية إلى اللغة الإنكليزية، إذ ربما تلامس قضية العنصرية بين المكسيك والأميركان في الولايات المتحدة، ولكن الفئة المقصودة من الرواية هي الوطن العربي وما يعانيه من العنصرية".
وعلق على نهاية الرواية التي لم تكن سعيدة حيث عاد الشاب إلى الفلبين ولم ينضم لعائلته الكويتية قائلاً: "الرواية تتحدث عن عائلة عريقة في الكويت، لا تريد ضم ابنها لها خوفاً من أن يقلل قيمتها بين العائلات الأخرى وهذا أمر صعب في المجتمع العربي الذي يتعامل بعنصرية كبيرة في العلاقات".
وتناول الكاتب رواية "فئران أمي حصة"، مشيراً إلى أنها لم تنشر وهو لا يعلم السبب في ذلك، ولكن ينشغل الآن في كتابة رواية اجتماعية قصيرة مبتكرة بعيداً عن القضايا الطائفية والعنصرية وذلك لشعوره بتعب شديد في كتابته لرواية "فئران أمي حصة"، والتي استغرقت ثلاث سنوات في الكتابة، وأنهى حديثه بوصيته للجميع قائلاً "اقرأ ثم اقرأ ثم اقرأ".
رأي الجمهور
وشهد الأثر حضوراً لافتاً وإقبالاً كبيرين على الكتب من قبل هواة القراءة من بين الحضور طالبات جامعة.
وكان لـ"عربي بوست" حديث مع الطالبة روان المدهون من الجامعة الإسلامية بغزة، والتي كانت تبحث عن مرادها من بين عشرات الكتب التي رُصّت على رفوف المكتبات المتنقلة التي افتتحها، قائلة: "أنا سعيدة جداً لوجود فكرة المكتبات المتنقلة جديدة، وسعرها في متناول الجميع، مقارنة بالكتب الموجودة في المكتبات العامة، والتي يكون سعرها غالي الثمن ولا يستطيع الكل شراءها، ما يضطرهم للجوء إلى قراءتها على (لسوفت كوبي)، مؤكدة أن وجود خصم على شراء هذه الكتب مبادرة جميلة خاصة أن أغلبها كتب جديدة".
مشيرةً إلى أن فكرة المكتبات المتنقلة جميلة، إذ إنها تذهب للقارئ، وتوفر وقتاً عليه، وتجعل طريقة العرض أقرب ومتاحة.
ويقدّر ثمن الكتاب الواحد في المكتبات المحلية التجارية في غزة ما بين 30 إلى 60 دولاراً، في حين لا يتعدى سعر الكتاب على البسطات الشعبية المنتشرة على الطرقات بغزة 5 دولارات.
المؤسسات لم تهتم
وفي ظل الوضع الاقتصادي الصعب تكون الأفكار الشبابية معرضة لصعوبات كبيرة هذا ما قالته آلاء أحمد عن العراقيل والمشكلات التي واجهت الأثر.
وأضافت: "واجهنا مشاكل كبيرة ومعوقات كبيرة، بداية بالمؤسسات التي من المفترض أن ترعى فعالية مثل فعالية معرض الكتاب، كوزارة الثقافة التي لم تتبنَّ الفكرة بعد انتظار طويل من قبلنا".
وتابعت: "كذلك بلدية غزة التي توجهنا لها بكتب رسمي، وبعد انتظار لأشهر لم يُقرأ الكتاب ولم نلقَ منهم أي ترحيب أو دعم لفكرة المعرض، لم يستقبلنا أحد إلا مطعم قرطبة ممثلاً بمديره نعيم الرملاوي الذي شجع الفكرة كثيراً، وسوف تتم إقامة المكتبة المتنقلة بالمطعم لتكون قريبة من الجميع وفي متناول الطالبات".
تجدر الإشارة إلى أنه بحكم الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة فإن المواطنين لم يشهدوا إقامة أي معرض ثقافي للكتب المقروءة منذ عام 2012 حين أقيم آخر معرض ثقافي بمنتجع الشاليهات غرب مدينة غزة.