أصبح للتواصل بالرسائل عبر الأجهزة الرقمية لغة خاصة، من الهواتف الذكية وحتى تطبيقات Android,iOS وتطورت مع الوقت من الاختصارات لتضم الوجوه الصفراء المبتسمة التي تختصر الحديث والضحك وحتى الحزن.
والإيموجي هو مصطلح ياباني الأصل، ويعني الصور الرمزية أو الوجوه الضاحكة، وبدأ استخدامها في اليابان للرسائل القصيرة وصفحات الإنترنت، وصارت تستخدم بكثافة بفضل الإنترنت وتطبيقات التراسل الإلكتروني.
ويقول البروفيسور فيف من جامعة Bangor في بريطانيا ، والذي بحث في سرعة تطور الرموز التعبيرية، إنها أصبحت اللغة الأسرع نمواً في المملكة المتحدة، وبسرعة مذهلة لا تشبه أسلافها القديمة مثل الهيروغليفية المصورة القديمة.
فبدلاً من توسيع المفردات صرنا حسب قوله نلجأ للاختزال عبر الرموز التعبيرية، الإيموجي، تماماً مثل اللغة الهيروغليفية التي كانت تستخدم كتابة رمزية وحروفاً تصويرية تشبه في فكرتها الإيموجي.
وذكرت إنستغرام مؤخراً أن 48% من النص المستخدم على منصة وسائل الإعلام الاجتماعية هو إموجيس، التي صارت لغة عالمية سريعة التطور والتفاعل.
في دراسة حديثة أجرتها Talk Talk موبايل، اعترف 72% من الذين تتراوح أعمارهم بين 18-25 عاماً أنهم وجدوا أنه من الأسهل للتعبير عن مشاعرهم الرموز التعبيرية بدلاً من النص، اعتقاداً منهم أن استخدامها مع بعضهم البعض في كثير من الأحيان أكثر متعة.
وتعتبر الكتابة الهيروغليفية (الهيروغليفية هي نظام الكتابة للغة مصر القديمة وليست لغة بذاتها) نمط كتابة رسمياً، نشأ عند الفراعنة لتسجيل الأحداث والتواريخ والأرقام على الألواح الحجرية والخشبية والجدران.
وهي نظام كتابة وفن زخرفي في الوقت ذاته لطبيعتها التصويرية، ويعد الخط الهيروغليفي أحد آباء كل نظم الكتابة اللاحقة، إذ بنى الساميون على بعض رموزه نظاماً أبجدياً لتسجيل أصوات لغتهم، وتنشأ بعد ذلك الكتابة الصوتية (تحويل الأصوات المنطوقة إلى حروف مكتوبة)، ومنها الكتابات اليونانية والقبطية القديمة.
هل نتقدم للأمام أم نعود للخلف؟
وبحسب الدراسة المذكورة فإن هناك تشابهاً بين الرموز التعبيرية (الإيموجي) ويبن اللغة الهيروغليفية المصرية القديمة، وكانت مصر القديمة حضارة عظيمة وخلقت ثقافة صورية ومعمارية مذهلة وفنوناً وأساطير رائعة، لكن هناك سلبيات حينما يتعلق الأمر بالكتابة والثقافة الأدبية.
فلم ينجح الفراعنة في تطوير ثقافة أدبية أكثر مرونة، وتركوا ذلك للإغريق في المقابل، استفاد الإغريق مما تعلموه من الفينقيين وأبجدية بحر إيجة المجردة غير التصويرية، وامتلكوا لذلك قدرات تعبيرية مذهلة، كانت الأبجدية اليونانية أكثر إنتاجية من تلك الصور المصرية الجميلة، وهذا ربما يكون السبب وراء عدم وجود الإلياذة المصرية القديمة أو الأوديسا اليونانية.
بعبارة أخرى، هناك حدود لما يمكنك قوله بالصور، سواء كانت رموزاً تعبيرية (إيموجي) أو لغات صورية قديمة مثل الهيروغليفية، الكلمة المكتوبة هي أكثر قابلية للتشكل والتكيف والتعبير عن المعنى.
ولهذا السبب تقدمت اليونان في الآداب على مصر، وكان شكسبير أكثر وضوحاً وتعبيراً من كتابات حضارة الأزتيك مثلاً. كانت الحضارات الأميركية القديمة تستخدم الرموز البصرية مثل المصريين القدماء، وكذلك كانت لغة المايا المنحوتة الجميلة، لكن هذه الكتابة المصورّة لم تتطور في قدراتها التعبيرية لتتناول الدراما المأساوية مثلاً! فهناك حقاً أدلة قوية على أن الكلمة المكتوبة المجرّدة ضرورية لدفع الأفكار والشعور والتعبير عن المعاني والحجج لأعلى مستوياتها مقارنة بغيرها.
لغة عالمية أم ثقافة فقيرة؟
يقال إن المراهقين في اليابان هم من بدأوا باستخدام الرموز التعبيرية، ومنها تطورت حتى بلغت أكثر من 800 إيموجي تستخدم في كل أنحاء العالم، حتى صار البعض يعتبرها لغة جديدة تتجاوز الحواجز الثقافية، تستطيع الإيموجي نقل المعنى عبر ثقافات وخلفيات مختلفة، وحتى بدون لغة مشتركة، لكنها تفتقر للكثير من وظائف اللغة الأساسية، فلا توجد قواعد وتسلسل يسمح باستخدام اللغة لنقل كلام طويل ومعنى مركب.
تعتبر اللغة جزءا أساسياً من الثقافة، ولكن كيف يمكن أن تؤثر الرموز التعبيرية على الثقافة؟
نحن لا نعرف كيف يمكن أن تؤثر الإيموجي في الثقافات المختلفة بعد، لكنها بالتأكيد تغير الطريقة التي يتواصل من خلالها الناس، لأن الناس صاروا يتواصلون بشكل أسرع وأقصر، ومع تطور التكنولوجيا صرنا نستخدم بشكل متزايد الرسائل النصية، والإيموجي تساعدنا كثيراً بإثراء النص، وملء الفجوة التعبيرية، وإضفاء المشاعر الإنسانية على الكلام المقروء.
الرموز التعبيرية بالتأكيد تشجع الكسل، وتزيد من الأخطاء الكتابية، ومع كثرة استخدام الرموز التعبيرية يصعب استخدام جمل متماسكة كاملة وخالية من الأخطاء، وبالتأكيد لا يمكن استخدام الرموز التعبيرية في كل السياقات، فمثلاً لا يمكن أن تحتوي ورقة أكاديمية على إيموجي!
يتم تطوير اللغة عبر استخدام الناس لها، ويقترح خبير في اللغة أن يقوم اتحاد الكود الموحد، الذي يضم عشر شركات كبرى مثل جوجل وياهو وآبل ومايكروسوفت وغيرها، بعمل سجل للرموز التعبيرية، حتى يمكن تطوير استخدام الإيموجي وتحسين فهمها والتعامل معها.