صدر كتاب "شمس العرب تسطع على الغرب" في العام 1960 بألمانيا، وكان موجهاً للقارئ والباحث الغربي.
فقد كان المعروف في الغرب في ذلك الوقت، أنه لم يكن للحضارة العربية والإسلامية دور في تطور العلوم والحضارة الإنسانية، مُدعين أن دور العرب والمسلمين لم يتجاوز دور ساعي البريد في نقل العلوم من الحضارات السابقة وتمريرها إلى الغرب.
فنجد بعض العلماء، مثل كارل ساجان في كتابة "عالم تسكنه الشياطين"، ينسب الصفر إلى الحضارة الهندية. وقد أحدث ظهور هذا الكتاب ضجة إعلامية، وشهد في عامه الأول جدالات ونقاشات في الصحف والمجلات، لم يعرفها كتاب غيره في ألمانيا.
تُرجم هذا الكتاب إلى أكثر من لغة، وصدرت له بالعربية ترجمتان، الأولى للدكتور حسين علي تحت عنوان "شمس الله تشرق على الغرب؛ فضل العرب على أوروبا"، والثانية للأستاذ فاروق بيضون وكمال الدسوقي في العام 1964 بعنوان "شمس العرب تسطع على الغرب"، وهي الترجمة الأشهر والأكثر انتشاراً، وطبعتها دور نشر مختلفة، وهي دار صادر، ودار الجيل، ودار الآفاق الجديدة في بيروت.
تقول زيغريد في مقدمة كتابها، "أردت أن أكرم العبقرية العربية، وأن أتيح لمواطنيّ – الألمان – فرصة العودة إلى تكريمها، كما أردت أن أفي العرب ديناً استحقّ منذ زمنٍ بعيد".
ما يميز هذا الكتاب، هو الحيادية والموضوعية، وثِقل الكاتبة علمياً؛ فزيغريد هونكه (1913 – 1999) مستشرقة ألمانية، نالت الدكتوراه في العام 1960، ودرست علم أصول الأديان، ومقارنة الأديان، والفلسفة، وعلم النفس، والصحافة. ولها ما يربو عن 15 كتاباً، أشهرها "الله ليس كذلك"، والكتاب الذي نتناوله الآن "شمس العرب تسطع على الغرب".
تلقي زيغريد في كتابها الضوء على تأثير الحضارة الإسلامية في القيم الغربية؛ فلم تقتصر فقط على توضيح دور المسلمين العلمي والحضاري، لكن أيضاً دورهم في ترسيخ القيم الأخلاقية، وأسس البحث العلمي، ودحض الخرافات.
فحين كان الغرب يتعامل مع مرض الجذام على أنه غضب السماء أو عقاب الله، فكان يعزل المرضى حتى يموتون، تعامل العرب معه ومع الطاعون على أنه مرض له أسباب وشرعوا في علاجه.
وبأسلوب رائع تعقد زيغريد مقارنة بين المستشفيات في الشرق والغرب آنذاك، وتوضح اهتمام المسلمين بالعناية بالمرضى، والنظافة، وحتى اختيار أماكن المستشفيات، ومراعاة الحالة النفسية للمريض. فكان المرضى يتلقون العلاج مجاناً في المستشفيات، أغنياء وفقراء، وكان يصرف لهم مبلغ مالي بعد إتمام العلاج.
ثم يستعرض الكتاب كثيراً من علماء العرب ومنجزاتهم، فيأخذنا في رحلة شيقة وممتعة، لنتعرف على تطور الأرقام، ونَصحب العالم الفلكي الشهير (موسى بن شاكر وأولاده الثلاثة) في مرصده الفلكي، وتصف هونكه الرازي بأنه أحد أعظم أطباء الإنسانية، وقد ترك 230 مجلداً ضخماً وترجمات ومخطوطات صغيرة، ونبغ أيضاً في الفلسفة والفيزياء وعلوم الدين.
ثم تنتقل بعد ذلك إلى اهتمام العرب والمسلمين بالعلم والكتب والترجمة والقيم الأخلاقية، مثل مواقف صلاح الدين بعد انتصاره على الصليبيين، ولا تنسى زيغريد دور العرب في الشعر والموسيقى والإتيكيت.
وتعرض زيغريد نِقاط التقاء الحضارة العربية الإسلامية في صقلية والأندلس والحروب الصليبية، وتشرح دور هذا الالتقاء في نقل العلوم والمعارف لأوروبا، ومن ثَم بداية النهضة الحديثة.
ختمت زيغريد كتابها بالحديث عن عرب الأندلس، وقارنت بين العالم العربي والغربي، وضم الكتاب أربعة ملاحق، اشتملت على عدد من الكلمات الألمانية المأخوذة عن العربية والفارسية، وجدولاً بأسماء الكواكب العربية الأصل، ومجموعة من الصور، مثل (الحمامات العربية، والعملات المستخدمة، ابن رشد في لوحات الفنانين وغيرها).
لكن قد يضيق القارئ العربي بكثرة الحواشي، المشتملة على سيرة أعلام هو يعرفهم مسبقاً، كذلك تصنيف الكتاب يجعل من الصعب الرجوع لمعلومة بعينها في داخله، إلا أن الكتاب نجح بشكل كبير في تقديم نظرة مختلفة عن الحضارة العربية الإسلامية، ليس للقارئ الغربي فقط، ولكن للقارئ العربي أيضاً.