منذ بداية التاريخ خاض الإنسان معارك وحروباً لا تُحصى، لأسباب مختلفة ومتعددة، وليحقق فيها الفوز لجأ إلى حيل ووسائل متنوعة جداً، كانت الحيوانات إحداها.
وإلى جانب الحصان، ذلك الحيوان التقليدي الذي رافق الإنسان في معاركه على مر التاريخ، فقد تم استخدام حيوانات أخرى كان لها الفضل في عدة انتصارات، وهذا ما سنتعرف عليه في هذا التقرير.
1- الفيلة
أحد أقوى الحيوانات التي لجأ الإنسان إلى استخدامها في الحروب، والتي ضمنت لأصحابها انتصارات ساحقة تلو الأخرى، بفضل قوتها الهائلة التي تستطيع قتل الإنسان ببضع دعسات، أو بحمله مستخدمة خراطيمها قبل الإلقاء به لمسافة بعيدة، وبسبب جلدها السميك أيضاً الذي يصعب اختراقه أو جرحه بسهولة، بالإضافة إلى شكلها الضخم والمرعب لجيش العدو، إذ كان يكفي مفاجأته بعدد كبير منها، ليشيع الذعر والارتباك في نفوس الجنود وأحصنتهم.
ويُعتبر الآسيويون، والهنود تحديداً، أول من روّض الفيلة في التاريخ، وقد انحصر استخدامها الحربي في آسيا لقرون، قبل أن ينتقل إلى الجيوش الأوروبية، ونذكر قصة الملك الإغريقي الإسكندر الأكبر عندما قرر غزو بلاد الفرس، إذ تم التصدي لجيشه بخمسة عشر فيلاً، ورغم أنه لم ينهزم في المعركة إلا أن تلك الفيلة كانت قادرة على إرباك جنوده وخيولهم تماماً، وهو الأمر الذي أثار إعجاب الملك فاستولى على تلك الفيلة، قبل أن يقوم بضم أعداد كبيرة منها لاحقاً إلى جيشه.
ولعل أشهر الحروب التي شاركت فيها الفيلة كانت الحروب البونيقية التي دارت بين روما وقرطاج، وامتدت من سنة 264 قبل الميلاد إلى سنة 146 قبل الميلاد حيث قاد هانيبال، في واقعة شهيرة، جيشاً يتكون من مائة ألف جندي، و37 أو 38 فيلاً مدرباً على القتال، عبر جبال الألب لمهاجمة الرومان، وعلى الرغم من أن عدداً كبيراً من الفيلة لم يتمكن من مقاومة البرد القاسي وفارق الحياة، إلا أن مهمة الجيش تمت بنجاح.
وبتطور الأساليب والأسلحة الحربية، ومع ظهور نقاط ضعف متعددة للفيلة، تم التخلي عن استعمالها لأغراض القتال شيئاً فشيئاً، وتم الاكتفاء باستخدامها لحمل الأسلحة الثقيلة في المناطق الوعرة، ومع دخولها ضمن قائمة الأنواع المهددة بالانقراض، تم توقيف الاستعمال الحربي لها نهائياً.
2- الخنازير والجِمال
في العصور القديمة، لجأ الإنسان إلى شحوم الخنازير واستعملها في المعارك لكونها مادة شديدة الاشتعال، وقد استُعملت الخنازير الحية أيضاً، لكن ليس في أغراض القتال، وإنما من أجل إرهاب الفيلة.
في الواقع، وعلى الرغم من قوة الفيلة، إلا أن الجيوش توصلت إلى حيل غير مكلفة من أجل هزيمتها، بدلاً من اقتناء مجموعة من الأفيال، والتي كانت مكلفة جداً حينها.
إذ كانت الحيلة وحشية جداً، إذ يقوم الجنود بطلاء الجمال أو الخنازير بمواد شديدة الاشتعال ثم يُضرمون النار في أجسادها لتقوم الحيوانات المسكينة بالجري في اتجاه الفيلة التي تُصاب بالذعر فترتبك وتهرب.
وتمكّن الإنسان من خلال هذه الحيلة من إرهاب الفيلة ودفعها إلى الهرب، وقتل جنود الجيش الذي يستخدمها من شدة الارتباك، قبل أن يتدخل جيش العدو للقضاء على ما تبقى من الجنود الأحياء، بل والاستحواذ على تلك الفيلة وضمها إلى صفوفهم.
كانت هذه الحيلة أسهل من مواجهة هذه الحيوانات الضخمة وقتلها، وقد شكلت أحد نقاط ضعف الفيلة.
أما أهم الوقائع التاريخية التي استخدمت فيها هذه الطريقة فكان منها من واقعة غزو الامبراطور "بيروس الأول" لروما في القرن الثالث قبل الميلاد بجيش ضم عدداً كبيراً من الفيلة وجدت في انتظارها عدداً كبيراً من الخنازير المشتعلة.
وفي واقعة غزو قائد الجيش التركي-المنغولي "تيمور لانغ" لمدينة دلهي الهندية في سنة 1398، أضرم الجيش النار في الجمال الحية للهدف نفسه.
3- الخِراف
تم استخدام الخِراف في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وعلى عكس أغلب الحيوانات التي تم ذكرها، كان استعمالهم يتم بهدف الحفاظ على حياة الإنسان وليس قتله، وفي سبيل هذا الهدف تمت التضحية بالمئات من الخِراف.
إذ كانت مهمة الكباش تتمثل تحديداً في جعل طرق الجنود آمنة من الألغام، حيث كان يتم نقل العشرات من هذه الحيوانات إلى المناطق الملغومة، وتركها تمشي في هذه المناطق لتنفجر فيها تلك الألغام، وتفقد مفعولها، ويزول الخطر الذي تشكّله على حياة الجنود فيكملون طريقهم بأمان.
4- الكلاب
المعروف أن الكلاب أصدقاء أوفياء للإنسان، إلا أن هذا الأخير لم يكن دائم الوفاء لهذه الحيوانات، وقد استخدمها بطرق محزنة جداً، نتحدث هنا عن الحرب العالمية الثانية، حين قام الجيش الروسي بتجويع الكلاب لأيام ثم وضع طعامها أسفل الدبابات.
كانت هذه العملية مجرد تمهيد للمرحلة التالية من الخطة، التي تقتضي أن يقوم الجيش بتجويع الكلاب، ثم يركّب قنابل موقوتة على ظهرها، ويوجهها نحو الدبابات الألمانية وهي تتوقّع وجود الطعام أسفلها، كما تم تعويدها. وهكذا بعد ثوان من وصولها إلى الدبابة تنفجر القنبلة الموضوعة على ظهرها.
وعلى الرغم من نجاح هذه العملية في تفجير أكثر من 300 دبابة ألمانية، فقد تم التخلي عنها، ليس رحمةً بالكلاب، وإنما بسبب الخسارات التي تكبدها الجيش الروسي بعد أن كان عدد كبير من الكلاب يتجه نحو الدبابات الروسية التي يألفها بدلاً من التوجه إلى دبابات العدو.