من الخريطة المأمونية وحتى الإدريسي.. كيف تطوَّرت الخرائط في الحضارة الإسلامية؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/09 الساعة 07:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/09 الساعة 07:46 بتوقيت غرينتش

لم يعرف العرب قبل الإسلام رسم الخرائط، لكنهم رغم ذلك كانوا يهتدون بحركتهم في صحراء الجزيرة الواسعة، ورحلتي الشام صيفاً واليمن شتاءً بالشمس والقمر والنجوم.

كما أنهم أيضاً راقبوا مطلع ومغيب نجوم معينة لتحديد فصول السنة.

الخرائط ليست علماً فقط


ومع ظهور الإسلام واتساع رقعته خارج الجزيرة العربية، التفت علماء المسلمين إلى أهمية رسم الخرائط، ودراسة الظواهر الجغرافية، وذلك لعدة أسباب، وهي:

1- الجانب الديني، حيث ارتبطت بعض الفروض الإسلامية بضبط الوقت والمواقيت مثل الصلاة والصيام والحج، وتحديد اتجاه القبلة.

2- الجانب الاقتصادي، ويرجع ذلك إلى التوسع في إقامة الطرق نتيجة اتساع رقعة الدولة، إلى جانب زيادة حركة التجارة بين الدول، براً وبحراً.

3- الجانب السياسي والإداري، الذي فرض نظاماً جديداً في جمع الضرائب والخراج، وذلك استلزم معرفة دقيقة للتجمعات السكانية، والأنشطة الزراعية والتجارية والصناعية لكل بلد، من أجل تحديد قيمة الضرائب، نقدياً أو عينياً.

أنواع الخرائط في الحضارة الإسلامية


شهدت الخرائط تقدماً ملحوظاً مع اتساع رقعة الدولة الإسلامية، فضلاً عن ازدهار حركة التجارة التي كان يلزمها خرائط توضيحية من أجل سهولة الحركة، براً وبحراً، وعرفت الخرائط عند العلماء المسلمين بأكثر من اسم، منها الصورة، المصوّر الجغرافي، والرسم، ولوح الرسم، ولوح الترسيم.

وقد اعتمدت كل الكتب الجغرافية على الخرائط، فهي كانت تبدأ برسم الخريطة، ثم يتبعها شرح لما فيها، ولم تخرج الخرائط عن أربعة أنواع، هي:

1- خريطة توضيحية: وهي ليس لها علاقة بالرسوم الجغرافية، بل مجرد رسوم توضيحية لتقريب الصورة إلى أذهان القراء.

2- خريطة جغرافية: وهي تجمع بين الفلك والجغرافيا ورسم خطوط الطول ودوائر العرض الوهمية.

3- الخريطة المعروفة بصورة الأرض: وهي قائمة على الرحلات والمشاهدة الصحيحة، لذلك تعد من أدق وأصح الخرائط العربية من حيث الناحية العلمية والعملية.

4- خريطة الإدريسي: وبداية تطوير فن الكارتوجرافي "رسم الخرائط وصنعها".

الخريطة المأمونية


تعتبر الصورة أو الخريطة المأمونية من أشهر خرائط المسلمين، وذلك لأنها ملونة، ووضعها قرابة نحو تسعة وستين عالماً متخصصاً، وعلى رأسهم الرياضي الفلكي محمد بن موسى الخوارزمي"164/232ه"، في عهد الخليفة العباسي المأمون، ووضعها الخوارزمي في كتابه "صورة الأرض" ودون فيه محيط الأرض وأثبت كرويتها، بالإضافة إلى وضعه لجداول فلكية وجغرافية، وقسم العالم إلى سبعة أقاليم.


20 إقليماً في أول خريطة إسلامية


عندما ألف أبو القاسم محمد بن إبراهيم الكرخي المعروف بالإصطخري، كتابه "المسالك والممالك" بين عامي 318/321ه، وضع فيه أول خريطة توضيحية للعالم الإسلامي، واتسمت بأنه اكتفى بذكر موقع كل إقليم.

وأظهرت الخريطة التي رسمها أنه قسم العالم الإسلامي إلى 20 إقليماً، وابتدأ بالجزيرة العربية فجعلها إقليماً، لأن فيها الكعبة ومكة أم القرى، وجعلها واسطة هذه الأقاليم.


أول أطلس إسلامي


اهتم أحمد بن سهل، المعروف بأبي زيد البلخي"235/322ه" بأن يضع كتاباً يضم كافة صور العالم، من حدود الصين شرقاً إلى البحر المحيط أو المحيط الأطلسي غرباً، وسمي كتابه بـ"صور الأقاليم" ويعد أول أطلس عرفه العالم، حيث ضم خريطة للعالم، وأخرى لجزيرة العرب والمحيط الهندي وخرائط للمغرب، وأيضاً اثنتي عشرة خريطة عن شرق العالم الإسلامي.


وعلى خطى البلخي، سار أبو القاسم بن حوقل النصيبي، صاحب كتاب"صورة الأرض" الصادر 479ه، وفيه اعتمد على الرحلات والمشاهدة، ومثله محمد بن أحمد المقدسي، صاحب كتاب "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" المؤلف بين عامي 375/380ه.


خرائط الإدريسي


ظلت فكرة الخريطة الإقليمية سائدة في القرنين الرابع والخامس الهجريين، حتى ظهر أبو عبد الله محمد بن محمد الإدريسي"493/560ه"، الذي طور في علم وفن رسم الخرائط، حيث اعتمد خط نصف النهار وخط الاستواء، وضبط درجات أطوال البلدان وعرضها، التي ما زالت تستخدم حتى الآن.

كما صنع مجسماً للأرض على شكل كرة لملك صقلية النورماندي روجر الثاني، وكانت من الفضة ورسم عليها اليابسة بالذهب، وذكر في كتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" أن الأرض مكورة، على شكل بيضاوي، وأنها مقسمة بواسطة خط الاستواء إلى قسمين متساويين، شمالي وجنوبي، فضلاً عن تقسيم الأرض إلى سبعة أقاليم مناخية على شكل أحزمة مستطيلة أفقية تبدأ من خط الاستواء، وقال إن النصف الشمالي والجنوبي لهذا الخط متساويان، وأضاف أن القطب الشمالي غير صالح للعيش فيه.



خريطة بيري رئيس


في عام 1929م، اكتشف السيد خليل أدهم مدير متاحف إستانبول، خريطة موقعة من بيري بن الحجي محمد رئيس البحار العثماني الشهير، وهي عبارة عن خريطة ملونة ومرسومة بعناية على جلد غزال، وهي تظهر تفاصيل سواحل إسبانيا وجبل طارق، وعلى الجانب الآخر من الخريطة تظهر سواحل الأميركتين وجزرهما.

كما أن هناك خريطة أخرى له بتاريخ 1528م، لم يبق منها سوى السدس، يظهر فيها المحيط الأطلسي، والعالم الجديد من فنزويلا إلى نيوفاوندلاند، إضافة إلى الطرف الجنوبي من جرينلاند.