تُعدّ العمارة فناًَ من الفنون المؤثرة في كل العصور، ونرى ذلك جليّاً في إسبانيا القرن الثالث عشر خلال حكم ملوك النصريين وقد ازدهرت بأجمل الأبنية المعمارية في ذلك العصر، وعلى رأسها قصر الحمراء.
يزدان هذا الأثر التاريخي العظيم، الذي استغرق بناؤه 150 سنة، بالنقوش البديعة التي يزيد عددها على 10 آلاف نقش.
ليست هذه النقوش الرائعة أبياتاً من الشعر البليغ كما كان يُعتقد،؛ بل هي آياتٌ من القرآن الكريم.
سجلت هذه النقوش تاريخ سلاطين بني نصر ومآثرهم وغزواتهم، ولا سيّما شعارهم "لا غالب إلّا الله"، لذلك يرى العديد من الدارسين أن هذه هي أكثر الفترات التي سجلت تاريخ حكامها.
هذه هي استنتاجات خوان كاستيّا براثاليس الباحث والخبير في الدراسات العربية، والذي يقود فريقاً مكوناً من 10 باحثين استطاعوا تصنيف هذا العدد من النقوش من خلال حصرها وترجمتها ومقارنتها بنقوش مماثلة، ثم تصويرها ورسم كل منها بالاستعانة بأدوات من الخشب والجص والحجارة.
قال كاستيا إنه "كان من الصعب العثور على مساحة خالية من النقوش، بما فيها المقرنصات (من عناصر العمارة الإسلامية)".
وأضاف: "قضيت ساعاتٍ طويلة في التدقيق في الأسقف بحثاً عن النقوش باستخدام المنظار".
عكس نظيرتها في القصور والكاتدرائيات الأوروبية، ابتعدت الزخرفة العربية عن الأشكال البشرية والحيوانية؛ لهذا لجأ المهندسون المعماريون إلى رسم ونحت الأشكال الهندسية وأشكال النباتات بأيديهم على الرغم من عدم وجود الفنون التشكيلية المتطورة في هذا العصر.
وأضاف كاستيّا: "لم تحتوِ النقوش في قصر الحمراء على أبيات الشعر؛ بل على الاقتباسات من الآيات القرآنية؛ لأن الاعتزاز بالهوية كان واحداً من الأهداف الرئيسية لهذه التصميمات والزخارف".
كذلك، هناك الكثير من عبارات التعظيم والتمجيد لله؛ مثل (الحمد لله)، (الله أكبر)، بالإضافة إلى عبارات قصيرة (مكونة من كلمة أو كلمتين) عن السعادة والفخر والبركة وتمجيد الملوك والسلاطين.
بالإضافة إلى النصوص الدينية، كانت هناك بعض أبيات الشعر العربي وبعض الأقوال المأثورة لأدباء هذا العصر.
يُعد العمل الذي أنجزه كاستيّا وفريقه إتماماً لمهمة بدأت منذ 5 قرون.
بعد سقوط الأندلس وحكم الملوك الكاثوليك، تحولت قلعة الحمراء إلى مزار سياحي، وهنا بدأ الفضول لمعرفة معاني النقوش والكتابات.
لم تكن عملية الترجمة شاملة، فقد تركز الاهتمام على ترجمة الأبيات الشعرية أكثر من غيرها من النقوش والزخارف الصغيرة.
بدأت المحاولات الأولى للترجمة على يد ألونسو دي كاستيو في عام 1564.
يقوم الآن كاستيّا وفريقه بالعمل ولكن لهدف مختلف، وهو إتمام عمل لم يكتمل.
أكمل كاستيّا: "لم أكتفِ بالنقوش الظاهرة للعيان؛ بل قمت بالبحث في كل مكان، وقلبت كل حجر كي أكتشف المزيد".
وتابع: "استطعت إيجاد المزيد من النقوش في أقبية وغرف تحت الأرض وتحت درجات السلالم وفي مواضع لم يتم لمْسها منذ قرون".
وبسؤاله عما إذا كانت هناك علاقة بين محتوى النقوش الكتابية وموضعها، أجاب كاستيّا بأن كل سلطان حاول أن يترك بصمته في هذا القصر، حيث تم تصميم الأماكن وفقاً للنقوش المختارة.
جُمعت كل النقوش في مجموعة من 8 كتب بعنوان Epigraphic Corpus of the Alhambra متوافرة باللغتين الإسبانية والإنكليزية ومرفق معها أقراص DVD توفر صوراً ومعلومات عن كل نقش على حدة، مع شرح كل ما يتعلق به مثل موقعه وترجمة معناه.
حاز هذا العمل جائزة اتحاد الناشرين الأكاديميين في إسبانيا كأفضل عمل قومي متاح بالصيغة الرقمية.
وأعرب الناشر والرئيس المسؤول عن قصر الحمراء، رينالدو فرناندز، عن أمله إتاحة العمل خلال النصف الأول من العام المقبل بعنوان "أسرار قصر الحمراء".
– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة "EL PAÍS" الإسبانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.