برتراند راسل.. متعة اكتشاف الذات

إن الأسرة هي المكان الأول الذي ينبغي أن يُعانَ فيه المرء على اكتشاف ذاته، ومعنى هذا أن على الأسرة أن تمتلك وعياً تربوياً راقياً، وجلداً في التعامل مع الطفل، يتيح له أن يجرب ذاته في حقول متعددة حتى يصل إلى شيء يرتضيه سكة يسلك منها إلى المستقبل!

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/16 الساعة 05:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/16 الساعة 05:30 بتوقيت غرينتش

بطاقة شخصية:

برتراند راسل، أديب وفيلسوف وعالم رياضيات وناشط سياسي، بريطاني من عائلة نبيلة، كان جده رئيساً للوزراء في انغلترة، درس في كامبريج، وألف كتباً كثيرة، في النقد الاجتماعي، والسياسة، وفي فلسفة العلوم بالعموم والرياضيات بالخصوص، وكان أشهر كتبه بلا منازع: "تاريخ الفلسفة الغربية" كان اشتراكياً، ومناهضاً للحرب، وآل به الأمر أن صار من رموز المعارضة حتى إنه سُجن لمدة. حاز جائزة نوبل للآداب، وعمر طويلا، وتوفي عام ١٩٧٠ عن سبعة وتسعين عاماً..

متعة اكتشاف الذات:

"وفي سن الحادية عشرة بدأت دراسة هندسة إقليدس، وكان أخي يقوم بتدريسها لي. وكان ذلك من أهم أحداث حياتي، وقد بهرني كأنه الحب الأول. لم أكن أتخيل أن في الحياة شيئاً أكثر إمتاعاً. وبعد أن تعلمت الاستدلال الخامس قال لي أخي إنه من الأجزاء التي يجمع الآخرون على صعوبتها. ولكني لم أجد صعوبة تذكر. وهذه هي المرة الأولى التي تحققت فيها من أنني على شيء من الذكاء. ومنذ هذه اللحظة حتى انتهائي أنا وهوايتهد من تأليف "أصول الرياضيات"، وكنت حينئذ في الثامنة والثلاثين، كانت الرياضيات هي شغفي الأول ومنبع سعادتي الرئيسي". (راسل، سيرتي الذاتية ١/ ٤٤)

يلفت النظر في السطور الماضيات عدةُ أشياء، منها:


الاكتشاف المبكر:

لقد أتيح للصبي برتراند في مرحلة مبكرة من حياته أن يجرب ويتذوق شيئاً يمكن أن يشكل له متعة، ويكون له فيه حظ من الانسجام وإسهام في العطاء. وهذا فارقٌ كبيرٌ بينه وبين كثيرين لا يختلفون عنه في الذكاء ولا الشخصية على امتداد الزمان والمكان. ولكنه الاكتشاف المبكر للذات، يكتسب معه صاحبه ميزةً يصعب على الآخرين مجاراته فيها: إنها ميزة الإشراقة المبكرة، ميزة أن يحدد الإنسان طريقه ويبتدئ رحلته قبل أن يعي غيره أن ثمة طريقاً ورحلة.

الأسرة والظروف:

إن الأسرة هي المكان الأول الذي ينبغي أن يُعانَ فيه المرء على اكتشاف ذاته، ومعنى هذا أن على الأسرة أن تمتلك وعياً تربوياً راقياً، وجلداً في التعامل مع الطفل، يتيح له أن يجرب ذاته في حقول متعددة حتى يصل إلى شيء يرتضيه سكة يسلك منها إلى المستقبل! ولهذه الأسرة الواعية مؤهلات، من أهمها فيما يبدو: الوعي والمعرفة، والسعة المادية، وتوافر الوقت الذي يسمح بمنح الطفل ما يكفي من العناية والرعاية الكثيفة، إضافة إلى توفر الإرادة لدى الأسرة بتوفير الرعاية للطفل حتى يشب مسلحاً بما يؤهله ليكون إنساناً عظيماً. وحين تعاني الأسرة من ضيق ذات اليد؛ تتفتح عليها أبواب العناء، فيزداد احتمال انشغال الوالدين عن الرعاية الكثيفة للأبناء، تلك الرعاية التي تقتضي مالاً، ووقتاً، وثقافة، يقل احتمال وجودها لدى الفقراء ويرتفع لدى ميسوري الحال.

ولقد كانت عائلة برتراند راسل من العائلات النبيلة في انغلترا، وكانت قد توافرت فيها الثروة والثقافة وإرادة التربية الكثيفة للأبناء. فكان الدعم يحوط برتراند من الجدة، والإخوة، والمعلم الذي تستجلبه العائله لصبيها مقابل أجر معلوم…
معرفة الإمكانات الذاتية:

يكون لله عز وجل عناية ببعض الناس تتفتح معها عين بصيرتهم على ما يمتلكون من مزايا وقدرات. وقد كان راسل من أولئك الذين عرفوا منذ الطفولة بعض مزاياهم التي يتفوقون بها على الآخرين. وكم من متفوقٍ ذبل لأنه لم يكن يعلم عن موهبته شيئاً، أو كان يعلم بها ولكن لم ييسر له من يقول له ما تعنيه تلك الموهبة.

الأخ الأكبر يلهمك:


رُزق برتراند راسل بأخ أكبر منه كان حصيفاً نبيهاً، وكان محباً لأخيه حريصاً على إفادته وتعليمه وتوجيهه، وهذه لعمرك نعمةٌ لا يعدلها شيء. وقد كان من جميل التوفيق وعجيبه أن التقى الأخوان في محبة الرياضيات، فكان الأخ الأكبر يجد المتعة في تعليمها، والأصغر يستمتع بتعلمها. وكم أعرف وتعرف من أبناء بيت واحد، كان لبعضهم من الاهتمامات الجادة ما لا يتيسر لإخوته أن ينجذبوا إليه أو يجدوا فيه متعة، إما لاختلاف الأهواء والميول، وإما لفشله في "تسويق" ميوله لدى إخوته، أو لعجزهم عن تجاوز طوق البيئة الذي أفلح هو في تجاوزه، أو لظروف أخرى.

كانت هذه شخصيتنا الأولى.. ،بعد أسبوع لنا ميعاد مع شخصية أخرى، وملمح ملهم آخر..

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد