عندما يتفوق التلميذ على الأستاذ

(إن الحب الطفولي يسير على مبدأ "إنني أحب؛ لأنني محبوب"، أما الحب النرجسي فإنه يسير على مبدأ "إنني أحبك؛ لأنني أحتاج إليك"، أما الحب الناضِج فيقول: "إنني أحتاج إليك؛ لأنني أحبك") إريك فروم.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/21 الساعة 02:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/21 الساعة 02:38 بتوقيت غرينتش

(إن الحب الطفولي يسير على مبدأ "إنني أحب؛ لأنني محبوب"، أما الحب النرجسي فإنه يسير على مبدأ "إنني أحبك؛ لأنني أحتاج إليك"، أما الحب الناضِج فيقول: "إنني أحتاج إليك؛ لأنني أحبك") إريك فروم.

يُعد إريك فروم واحداً من أبرز المحللين النفسيين المجددين في القرن الماضي، وُلد في مدينة فرانكفورت بألمانيا، ونال درجة الدكتوراه من جامعة هايدلبرغ، وهو من أشهر من صحّحوا المنهج الفرويدي، وفي كتابة "فن الحب "تناول إريك مفهوماً شائعاً بين العوام ألا وهو "الحب" باعتباره مصطلحاً معقداً وشائكاً يصعب تحليله أو الوصول إلى إجابات نهائية بشأنه، ودائماً ما يُثير التساؤلات سواء للعامة أو المتخصصين.

وتوصل فروم إلى نتيجة مفادها أن" الحب هو جواب عن مشكلة الوجود الإنساني، ولا يقصد بهذا الحب، الحب الأفلاطوني العذري، ولا الحب التي تقوده الشهوة أو الرغبة الجنسية، ولكنه الحب الذي يجعلنا نتخلص من الوحدة ونقهر الانفصال الذي يجعلنا نحقق الاندماج مع شخص آخر، فهذا يمثل طوق النجاة والرغبة الأكبر لدى الإنسان، وهو بمثابة جوهر العواطف الإنسانية، والغاية المُثلى التي يمكن أن يستمر بها تطور الجنس البشري وتماسكه.

لم يكن لمثل هذه التحليلات وجود عند أستاذ إريك فروم نفسه (سيجموند فرويد)؛ حيث ما وصل إليه فرويد أنه لا وجود للحب بالأساس، بل ما هو موجود هو رغبة جنسية أضلت طريقها فاختفت وراء ما يسمى "الحب"، فكل ما يحدث في هذه العملية هو مقدمات للجنس ليس إلا.

ولكن لو كان الحب، كما يزعم فرويد، ليس إلا وسيلة للحصول على الإشباع الجنسي، لما سمعنا ورأينا المئات من قصص الحب التي تستمر على الرغم من عدم تضمنها علاقة جنسية في الأصل، كاشتياق الزوجة لزوجها خارج البلاد وتذكرها وحنينها الجارف له، فهناك مثل شعبي مشهور يقول:" الغياب يزيد القلب ولعاً"، فضلاً عن الزيجات اللواتي يرفضن الزواج عند وفاة أزواجهن كطريقة للوفاء والحب الأبدي.

كثير من النساء على سبيل المثال لا يصلن للنشوة الجنسية لفترات طويلة، ومع ذلك يبقين مع أزواجهن سعداء، فعندما نفقد الوصال مع أحبابنا قد نفقد ذواتنا، ولكننا لا نفقد المحبة، بل قد تتجلى لنا صنوف متغايرة من صور المحبة في الغياب، قد لا تظهر في حالة الوصال.

يشير إريك فروم إلى أن أي نظرية عن الحب يجب أن تبدأ من نظرية عن الإنسان، ولذلك فشرط ضروري للمعرفة الكاملة في فعل الحب تلك المعرفة السيكولوجية التي تجعلنا نفهم الآخر، كي أراه بشكل موضوعي، وأدحض الأوهام التي تكونت عنه، فمعرفة الإنسان بموضوعية يجعلني أحدد ماهيته دونما تشويه أو زيف.

انتقد إريك فروم هذا الخطأ التي وقع فيها سيجموند فرويد؛ حيث يقول إن" الفعل الجنسي بدون حب لا يقيم جسوراً على الإطلاق، فوق الهوة بين كائنين إنسانيين إلا لبضع لحظات"، فالحب هو العملية الكاملة المُكتملة التي تتضمن الجنس بالطبع، ولكنه يمثل شيئاً واحداً من مجموعة أشياء، الحب يعني الاهتمام والمسؤولية والاحترام، ولا يعني التبعية أو الهيمنة أو التملك، ويضيف إريك فروم أن نقده لنظرية فرويد لا يكمن في الإفراط المبالغ من أستاذه على التركيز على الجنس، بل يكمن في فشله في فهم الجنس فهماً عميقاً بما يكفي.

أود التنويه إلى أن هذا الحديث لا يهدف إلى التحقير والتوبيخ من العملية الجنسية في إطارها السليم والشرعي، ولكن الجنس ليس كل شيء، أو كل ما يريده الزوج من زوجته، أو المحب من حبيبته، وحتى لو كان لوناً من الحب فهؤلاء المحبون يكونون في حاجه دائماً إلى ألوان أخرى لا تؤدي بالضرورة إلى الجماع، لكنها تشعرهم بالألفة والمودة.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد