مراجعة رواية “سليمان” القانوني لــ أوكاي ترياقي أوغلو

انظر إلى درجة التوكّل التي وصل إليها يا وهيمي، مما جعل الخوفَ لا يقترب منه؛ لأنَّ الله المتوكَّل عليه يكفيه!"

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/24 الساعة 02:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/24 الساعة 02:41 بتوقيت غرينتش

تُشكّل هذه الرواية السلسلةَ الثالثةَ والأخيرة من مجموع السلسلة التي تبدأ برواية "السلطان"، فيما كتبنا عن ثانيها: "القانوني.. السيف لا يقيم العدل" هنا.
فيتابع الكاتب أوكاي ترياقي أوغلو ما بدأه في وصف الخلافة العثمانية وخلفائها ويعطي مهمة السرد للجاسوس وهيمي أورهون جلبي، فيكتب إلى الديوان السلطاني، للسلطان سليم الثاني، تسعةَ دفاتر توزعت على صفحات الرواية الثلاثمائة والأربعة والثلاثين، تتضمن إفادته بالأحداث التي تحدث في الدولة العَليّة.

فيتحدث وهيمي الذئب العجوز عن مغامراته وصراعاته مع جواسيس أوربوا الذين يُسمُّون منظَّمتهم بـ"الصليب الحديدي"، مقابل منظمة "الهلال الحديدي" التي ينتمي إليها وهيمي.

وعن الصراع مع الدولة الصفوية تحدّثت الرواية عن رغبة الدولة العثمانية في إجلاس (إلكاس ميرزا) السنّي على عرش (طهماسب) في إيران، وبذلك يربط الدولة الصفوية بالدولة العثمانية (1)

ويسهب الكاتب في الحديث عن صراع النفوذ داخل الدولة، بسبب تسرّب العناصر الأجنبية داخل مساماتها، يقول وهيمي:

"عندما أتصور الوضع بشكل عام اليوم، أُدرِكُ كم تعبتُ من العمل على تحييد تكتلّات الضغط على سليمان خان من حوله دون أن أجرَح أحداً.
التحالف القويّ الذي أسسته السلطانة حُرَّم ورستم باشا والسلطانة مهريماه من جهة، ومجموعة إبراهيم باشا قبل إعدامه وولي العهد مصطفى خان والسلطانة ماهي دوران وأنا من جهةٍ أخرى، نعم لم أُحب إبراهيم باشا، وحضَرتُ إعدامَه، ولكن هذا فرضته تلك الأيام" (2).
وقد أدّى صراع النفوذ هذا إلى إعدام مصطفى خان ابن سليمان القانوني بعد تحريض السلطانة حُرّم على قتله (حسب الرواية).

بيد أنّه يمكنني أن أقول بلا خوفٍ إن الكاتب أغرق في الغموض وانعدام القصة أحياناً، وفي طول الوصف أحياناً أخرى، وقد عبّر عن هذه الهلاميّة؛ إذ يقول:
وتحَوّلَ بضعَةُ أشخاص مارّين من هناك إلى هيولا مبهمة المعالم (3).

مع ذلك لا تخلو الرواية من الوصف التاريخي الجميل لحديث القانوني سليمان عن شجاعة الصحابي أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- إذ يقول وهيمي:
كان سليمان خان يتحدّث بصوت يرتجف أحياناً عن مشاركة الصحابي الجليل بحصار إسطنبول، وجرأته بأن أوصى بدفنه في أقرب نقطة من السور، ويعيد القصة كثيراً على الرغم من أنّه كان شيخاً في العقد الثامن من عمره.
كانت روحه تفقد توازنها في تلك الأوقات، كصياد سمك جرفته أمواج تيارات البوسفور المتخبّطة، على الرغم من أنّه لا يُحبُّ الثرثرة، فقد كان في تلك الأوقات لا يتكلّم بشفتيه ولسانه فقط بل بروحه أيضاً.
كان يركّز عينيه على عيني لكي لا أفوّت أية نقطة ويهمس قائلاً:
((كان بعيداً آلاف الكيلومترات عن وطنه، ودُفن وحيداً في ديار لا يعرفها نهائياً .
انظر إلى درجة التوكّل التي وصل إليها يا وهيمي، مما جعل الخوفَ لا يقترب منه؛ لأنَّ الله المتوكَّل عليه يكفيه!" (4).
ومن إبداع الكاتب بالوصف قولُه:
ونظرتُ إلى الغيوم الكحليّة المطرّزةِ أطرافها بالضوء (5).
كما لا تخلو الرواية من الحِكَم كقول وهيمي عن إيمان وعدالة سليمان خان عندما سأل وهيمي المفتيَ:
إذا لفّ النملُ الشجرةَ فهل هناك حرَجٌ من قتلها؟
وهذا كان جوابكم يا حضرة الأفندي المفتي:
عند المثول بين يدي الحقّ غدا سيُحاسبُ النملُ سليمانَ
لا أعتقدُ أنّ هناك مثالاً أجملَ من هذا يُعبّر عن إيمان سليمان خان (6).
ولم تخلُ الرواية من المعلومات المفيدة على قلتها مثل:
لقد بحث الكندي والفارابي بتأثير الموسيقى إيجابياً على السلامة النفسية منذ القرنين الثاني والثالث الهجري.
… قال الفارابيّ إنّ مقامَ الرصَد يمنح النفس الصفاءَ، ومقامَ الصَبا يمنحها الجرأة
(7).

ولقد وصف وهيمي شيخوختَه وعَمَلَ الدهر والسكاكين به وبجسده فأمسى بأذن واحدة وعينٍ وكرةٍ زجاجية بجانبها، ووصف شيخوخة القانوني سليمان فيما ختم أوكاي ترياقي أوغلو روايته برثاء القانوني بقصيدة كتبها الشاعر باقي يقول فيها:
"أشرقت الشمس، ألا يستيقظُ حاكُمُ العالم؟
ألا يخرجُ من خيمته الواسعة كالسماء ويظهر؟
تعلّقت أعيننا على الطريق ولم يأتِ خبر
لم يأت خبرٌ من عتبة السلطان ملجأ الدولة
شحَب لون خديه وجفَّت شفتاه
ينام كأنّه وردة فُصِلت عن مائها
تختبئ الشمس سلطانة السماء وراء الغيم حيناً
ولكنّها تتصبب عرقاً من الخَجَل عندما تذكرك
دعائي على كل طفلٍ وشيخٍ لم يبكك
ولتَجرِ دموع شيخ الشباب همَّاً إن لم يبكك
لِتحترقْ الشّمس بنارها على فراقك
ولِتتشحْ بسواد الغيم متلوّية بهمّ حزنك
سيبكي دماً كل من يتذكّر مواهبَكَ
سيبقى سيفكَ مسلولاً في وجه الشّر
لِتتحطّمِ الأقلامُ ولتتمزّق الأوراق همّاً
وليمزق العالمُ أثوابه… حزناً عليك" (8).

المصدر: رواية سليمان، أوكاي ترياقي أوغلو ترجمة عبد القادر عبداللي
(1) الرواية: ص 18.
( 2) ص 27.
(3) ص 38.
(4) ص 14.
(5) ص 31.
(6) ص 247.
(7) ص 101.
(8) ص 334.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد