لا شك أن الكتابة من أسمى طرق التعبير عن الذات، عدا أنها تخلق تواطؤاً فريداً من نوعه بين الكاتب والقارئ. خلال دراستي للصحافة، قمت ببعض التدريبات في جرائد مغربية وكتبت العديد من المقالات حول مواضيع متنوعة، كنت أجد سحراً خاصاً في الجلوس أمام الحاسوب ونثر أوراقي حوله، تلك الأوراق التي دونت فيها النقاط الأساسية التي سأتناولها في المقال، لكن ومع انتقالي للعمل كمراسلة تلفزيونية، انقطعت عن الكتابة بشكلها التقليدي بحكم أن الصحافة التلفزيونية تعتمد على نصوص مقتضبة، تترك للصورة مجالاً أرحب للتعبير عن الموضوع.
أثر عملي وانشغالي بالدراسة الجامعية على علاقتي بالكتابة رغم حبي لها واستمتاعي بها، رغم أنني محبة للقراءة، فالشائع أن من يقرأ كثيراً لا يجد صعوبة في الكتابة، وأنه من كان قارئاً جيداً، جاءت كتاباته سلسة عذبة بسبب التراكمات التي خلفتها قراءة الكتب في أسلوبه ورصيديه المعرفي واللغوي. إذن، ما السر وراء هذا الرهاب كلما هممت بالتفكير في الكتابة؟ إذ يبدو الأمر أقرب إلى مهمة مستحيلة و تحاصرني المخاوف من كل جانب.
الأرجح أن السبب وراء هذه المخاوف يرجع إلى تفوق و نبوغ الكتّاب الذين أقرأ لهم، فهم كتّاب عظماء وموهوبون كرضوى عاشور، وغسان كنفاني، وجبران خليل جبران، ومارون عبود، وعباس محمود العقاد، ونجيب محفوظ، وأنيس منصور، وغادة السمان وكثيرين غيرهم، وبالتالي، أضحت الكتابة أو هكذا أحس على الأقل، مسؤولية جسيمة أمام هذه القامات التي كتبت في التاريخ والسياسة والفلسفة والدين، وألهمت أجيالاً لاحقة من الكتّاب.
أتساءل مع وجود عدد كبير من المدونين والمدونات العرب الموهوبين عن القيمة المضافة لكتاباتي، وكيف يمكنني إضافة شيء لهذا المشهد الجميل الواعد، من ناحية المواضيع المطروحة وأسلوب الكتابة، وغيرها من التفاصيل التي من شأنها أن تجنبني الانزلاق إلى مجموعة ثانية من المدونين والمدونات، لا يربطها بعالم الكتابة شيء تقريباً.
لا أدري إن كان أرنست هيمينغواي أم مارك توين صاحب مقولة إن "الكتابة أصعب مهنة بعد مصارعة التماسيح"، أيّاً كان القائل، فإنه لم يجانب الصواب في تقديري. فالكتابة فن قبل كل شيء، فن إيصال الرسالة والتغلغل في أعماق النفس لاستخراج مكنوناتها، وهل ثمة أجمل من الإبحار في الذات وسبر أغوارها والتعبير عنها بما تجود به قريحة الكاتب، نثراً كان أم شعراً؟
كلما استصعبت فعل الكتابة، تذكرت كاتبتي المفضلة الراحلة رضوى عاشور، عندما ذكرت أن قراءاتها لأنطوني تشيكوف، قمعت رغبتها في الكتابة لفترة قبل أن تتغلب على هذا الأمر، تاركة لنا زاداً أدبياً ونتاجاً فكرياً لا يختلف اثنان على جودته وتميزه، ولعل الهالة المحيطة بالكتّاب كما كانت تراها الروائية رضوى عاشور، رحمها الله، هي نفسها التي أراها وأتمثلها عندما أقدم على الكتابة، وأستعرض في مخيلتي صور أدبائنا وكتّابنا العظام، الذين سطروا أسماءهم بالذهب في سجل الكتابة والأدب.
لا أطمح إلى أن أصير كاتبة كالراحلة رضوى عاشور التي تلهمني كتاباتها، بل أطمح إلى التغلب على رغبة قمع الكتابة بداخلي كما فعلت، وأن أتمكن من مشاركة أفكاري واهتماماتي مع الآخرين عن طريق الكتابة، وأنا وإن كنت أتفهم مخاوفي التي تعكس شخصيتي الحالمة الباحثة عن شيء أقرب إلى الكمال، فأنا سعيدة أنني استطعت على الأقل إخراج هذه المخاوف إلى النور، وهي خطوة أحسبها كبيرة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.