حتشبسوت.. خليلة آمون المفضلة وملكة مصر لـ 20 عاماً. تعود قصتها إلى 3 آلاف سنة، لكن العالم لم يعرف بوجودها إلا من حوالي 200 عام فقط، بعد أن حرص تحتمس الثالث ابن زوجها على إخفاء آثارها.
"عربي بوست" تواصلت مع مشيرة موسى المستشار الإعلامي لوزير الآثار المصري، وحصلت على معلومات تفصيلية أكثر حول حتشبسوت.
أخبار الملكة الأشهر في تاريخ مصر القديمة عادت لدائرة الضوء مرةً أخرى بعد اكتشاف لوح حجري يحكي المزيد عن حتشبسوت؛ أول ملكة في تاريخ مصر القديمة، والتي حكمت البلاد بين عامي 1485 و1473 قبل الميلاد وفقاً لماً أعلنته وزارة الآثار المصرية.
اللوح المكون من قطع حجرية نقشت عليها معلومات عن الملكة المفقودة طويلاً، والتي لم يعرف العالم بوجودها إلا في عام 1822، وتم الكشف عنه في جزيرة الفنتين بنيل أسوان، وتحكي نقوشه جانباً من صفات وحياة تلك الملكة المصرية التي كانت واحدة من بين ملكتين أو ثلاث ملكات في تاريخ مصر.
يحكى أن
3 آلاف عام تقريباً تفصلنا عن عصر عاشت فيه تلك الملكة، التي تنتمي للأسرة الـ 18 من أسر فراعنة مصر القديمة.
وتسمى غنمت آمون حتشبسوت، الابنة الكبرى للملك تحتمس الأول والتي يعني اسمها خليلة آمون المفضلة، أو خليلة آمون دُرّة الأميرات، وكانت خامس فراعنة الأسرة الـ 18.
المبنى الذي عثر على جزء منه مؤخراً، يعتقد أنه كان محطةً أو استراحة طريق للإله خنوم، إله الخلق في الميثولوجيا المصرية القديمة، بحسب تصريح لوزارة الآثار المصرية.
"على الأعمدة نقوش تمثل الإله خنوم في عدة صور، وآلهة أخرى، مثل نبيت-مينيت، والإله النوبي مين-آمون، وهكذا فإن هذا المبنى لا يضيف فقط إلى معرفتنا بتاريخ حتشبسوت، وإنما أيضاً إلى فهمنا للمعتقدات الدينية على جزيرة إيلفنتين في عهدها القديم".
زواجها من أخيها
اعتلت حتشبسوت كرسي الحكم في مصر الفرعونية وهي صبية في الـ 12 من العمر، عندما تزوجت – على عادة الفراعنة – من أخيها غير الشقيق تحتمس الثاني، والذي مات في سنٍ مبكرة، ولم تنجب منه ذكراً ليخلفه على العرش وإنما أنجبت الأميرة نفرو رع، لتصبح حتشبسوت وصيةً على تحتمس الثالث، ابن زوجها من إحدى محظيات البلاط الملكي، قبل أن تتقلد المنصب، غالباً بسبب تهديدات سياسية تعرضت لها مصر آنذاك.
لماذا تنكرت كرجل؟
كان من المفترض أن يحكم مصر ابن زوجها (تحتمس الثالث) لكن حتشبسوت أخبرت الكهنة أنها رأت في منام أن الآلهة ترشحها للحكم وأنها من نسب الآلهة.
فقرر الكهنة تنصيبها حاكمة، إلا أن الشعب لم يتقبل فكرة أن تحكمه امرأة، إذ كان الملك طبقاً للعرف ممثلاً للإله حورس الحاكم على الأرض.
لذلك حاولت الملكة الجميلة أن تصور نفسها كرجل في التماثيل وتضع ذقناً حجرية لتماثيلها مثل الرجال، وترتدي ملابس الرجال، بل وكانت تشير إلى نفسها بضمير المذكر، وتحمل ألقاب الرجال، رغم أنها كانت من الجميلات.
حتشبسوت هي أول من ارتدت القفازات لوجود عيب خلقي بأصابعها، وهو ما لم يعرف عنها إلا بعد رؤية موميائها.
ففي أغلب التماثيل التي صنعت لها كانت يداها تبدوان طبيعيتين لأنها كانت تأمر النحاتين بذلك، كما كانت أول من رصّعت القفازات بالأحجار الكريمة.
والقطع الحجرية المكتشفة مؤخراً تشير إلى الملكة حتشبسوت كامرأة، وهو ما يعني أن تاريخ هذه القطع الحجرية يرجع غالباً لبداية عهدها، قبل أن يشار إليها كرجل فيما بعد.
ازدهار اقتصادي وألغاز كثيرة
حكمت حتشبسوت مصر حوالي 20 عاماً وفي عصرها ازدهرت البلاد اقتصادياً وسياسياً وصارت مصر هي الدولة الأولى تحضراً وغنى.
وتميز عهدها بقوة الجيش والبناء وكثرة الرحلات التي قامت بها، فكان للملكة الجميلة دور كبير في ازدهار التجارة بالإقليم إذ حاولت أن تثبت كفاءتها كحاكمة، فجلبت الثراء للمملكة المصرية بالحملات التجارية الناجحة التي قامت بها ومشروعات البناء العملاقة.
أما ابن زوجها تحتمس الثالث فلم يكن له دورٌ كبير في فترة حكمها مما جعله بعد رحيلها يدمر كل تمثال لزوجة أبيه أويشوهه ويمسح اسمها ويخفي ملامح حكمها تماماً، فلم يعرف الباحثون الأثريون بوجودها إلا في العام 1822.
حب أفلاطوني
تركت حتشبسوت ألغازاً كثيرة وأسراراً، من بينها علاقة الحب – بعد موت زوجها – بينها وبين "سننموت" المهندس الذي بنى لها معبدها الشهير في الدير البحري، والذي منحته 80 لقباً.
وقد بلغ من حبه لمليكته أن حفر نفقاً بين مقبرتها ومقبرته، وشيد لها أجمل معبد جنائزي بني لملكة في التاريخ، وهو معبد الدير البحري الذي شيده في حضن الجبل الغربي وجاء بناؤه بالحجر الجيري الأبيض، وعلى هيئة صالات ثلاث تعلو الواحدة الأخرى لكي ترتقيها روح الملكة الحبيبة وتصعد بها إلى السماء لتخلد مع النجوم.
وفاتها
توفيت حتشبسوت في العام 1457 قبل الميلاد خلال العام الـ 22 لحكمها، كما يتضح في نقشٍ على لوحة وجدت بأرمنت.
ولم يُعرف كيف انتهت حياة تلك الملكة، وما إذا كانت قد ماتت ميتة طبيعية أم إنها قتلت على يد "تحتمس الثالث" إو بإيعاز منه.
وظل اختفاء مومياء حتشبسوت لغزاً إلى أن بدأ الكشف عنها، وكانت البداية من مقبرتها بوادي الملوك. ويعتقد بقوة أنها المقبرة الأولى بالوادي، التي احتوت خبيئة المومياوات التي اكتشفتها عائلة عبد الرسول الشهيرة بتجارة الآثار بالأقصر في عام 1871 وظلوا محتفظين بسرّها لـ 10 سنوات إلى أن استطاعت الشرطة وعلماء الآثار الكشف عن سرها في 1881، ليعثر فيها على جزء من جسد الملكة ويتأكد أن حتشبسوت تم تحنيطها وأن لها مومياء، تم اكتشافها فيما بعد.