“وهذا الشَّعرُ.. لي”

الحُلم، الحرية لم تكن يوماً حِكراً على الرجال ولكنها الآن تبدو كذلك، ربما تردد الآن أن هذا العهد قد ولّى، يبدو الأمر كذلك وهذا الأسوأ المجتمع أصبح يرى أن هذا يكفي يظن موهوماً أن هذا عصر الحريات

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/15 الساعة 05:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/15 الساعة 05:31 بتوقيت غرينتش

في عُمر السابعة عشرة كانت صديقتي المقربة جميلة جداً ذات شعر أحمر ألوانه متداخلة بشكل غريب، طويل جداً لم يسبق أن قصّته من قبل، كانت أمها ترفض قصّ شعرها رفضاً باتاً ، كانت تقول لها دوماً: "لما ييجي ابن الحلال يشوفه طويل ابقي اتصرفي معاه ساعتها".

في كل يوم يتأكد لي أن المجتمع يضع أحكاماً من دُونِ تفريق، نرى مقاييس الجمال مُتمثلة فى العيون الملونة، الشعر الأشقر الطويل، بالطبع الجسد اليافع المنحوت كما يطلقون عليه، بإيجاز "باربي"، البنات في المجتمعات الشرقية لابد وأن يبدون كـ"باربي"؛ لأن "باربي" – كما يعلم الجميع – جميلة، السؤال هنا ليس "لماذا يجب أن نصبح مثل الباربي"، وإنما: "من قال إن باربي جميلة؟!".

نفتح أعيننا نرى الغرفة مطلية بالوردي، قصص السندريلا وسنو وايت تملأ الرفوف، لابد للفتاة أن تدخل المطبخ وتتعلم كيف تطهو كل أصناف الطعام المُمكنة حتى لا يغضب من سيتزوجها، المطبخ لم يكن يوماً عبئاً لو أني تعلمته لأجلي، لا لزوج لا أعرف عنه شيئاً، البنت تكبر لتتعلم لتتزوج، وربما تتعلم لتتزوج رجلاً أعلى مرتبة، أحياناً تكون هناك رفاهية العمل، ولكن الأصل الزواج قبل أن تدخل فى إطار سن "العنوسة" التي تصبح فيه عالة على أهلها ومجتمعها.

بعد أن ننشأ في هذا الإطار علينا أن نجد فارس الأحلام المزعوم فنسمع عبارات كثيرة على شاكلة "شِدي حيلك، عُقبالك، مش هنفرح بيكِ قريباً، عقبال ما نفرح بيكِ الفرحة الكبيرة"، وفي هذه الأخيرة صدمة كبيرة لأن أي ما سعت ووصلت له البنت سوف يكون صغيراً "لسه الفرحة الكبيرة مجتش"، لو حالفنا الحظ ووصلنا هناك نجد أن فارس الأحلام ليس فارساً والرجل النبيل ليس بالضرورة نبيلاً، وحتى إن كان، فتجد أغلب الزوجات تنحسر حياتها، اهتماماتها وهُوبتها في زوجها، وهنا تظهر أغلب مشاكل الزواج، لأنها كلها فيه مُختذلة كيانها في كيانه، لا حياة من دون وجوده، لأنه ببساطة كان هوالغاية.

في آخر مقال كتبه د. عبدالوهاب المسيري بعنوان "الإنسان والشيء"، يشرح فيه كيف أصبحنا نتقولب لنأخذ شكل الأشياء نتشكل بها لا نُشكلها، يمكن أن نرى ذلك جلياً في النظرة للبنت، ونظرة البنت لذاتها التي أصبحت مُعقدة جداً، أحكام المجتمع قاسية عليّ أن أعترف، وظروف الحياة أكثر قسوة، أن تحلم البنت في مثل هذا الإطار ليس سهلاً، وإن استطاعت إلى ذلك سبيلاً فتحقيق الأحلام في الظروف الحالية يبدو حلماً وردياً أكثر من أحلام سندريلا الصغيرة، فالحلم مسؤوليته ومخاطرته كبيرة هذا، بالطبع بالإضافة لكونها "بنتاً".

عندما قرأت هذا المقال لأول مرة قفزت إلى ذهني "باربي".. كانت دُمية لتلعب الصغيرات بها ولكنها ما لبثت أن أصبحت مثالاً يُحتذى به، بل تجد بعض الفتيات كادت أن تنقلب إلى دمية هي الأخرى، لا عقل، لا روح، لا فِكر فقط جسد وشعر وبعض مستحضرات التجميل التي تطورت، فما عدت تميز الملامح الأساسية للبنت وهذه الأخيرة بها ما لا يُحكى ولا يُوصف.

منذ فترة جلست مع صديقة لي في أحد المقاهي المشهورة، بعد مدة لاحظت أن البنات أصبحن نسخاً، يُطلقن شعرهُن بنفس الطول تقريباً يُسرحنه بنفس الطريقة، يكتسح شفاههن اللون البنفسجي الداكن وله نسق متماثل وكأنهن يضعنه على عجل فيصبح مستقيماً لا يأخذ شكل الشفاه، مع أنه من الصعب عليّ تصور أنه كلهن كانوا على عجلة، كذلك لديهن نفس سرعة المشي وهي بطيئة جداً، يرتدين نفس الألوان، نسخاً لا تُميز إحداها عن الأخرى، النمط ابتلعهن جميعاً والأسوأ أنهن يبدون في غاية السعادة بذلك.

الحُلم، الحرية لم تكن يوماً حِكراً على الرجال ولكنها الآن تبدو كذلك، ربما تردد الآن أن هذا العهد قد ولّى، يبدو الأمر كذلك وهذا الأسوأ المجتمع أصبح يرى أن هذا يكفي يظن موهوماً أن هذا عصر الحريات، وماذا تُردن أكثر! نسمعها صباح مساء، بل تجد بعض السيدات يعارضن أي صور من صور تحرر المرأة من هذا النمط "قلة أدب"، ولكن ما لم يُؤخذ في الحسبان أن الإطار مازال موجوداً، مازال يُكبل العقول، مازالت تنشئة البنت يغلبها طابع عنصري، يُحدد هُويتها ويختذل غايتها في دور معين دون سواه، والحق أن الحق لا يُجزأ.

ربما يبدو قصّ البنت شعرها شيئاً عادياً لك، ولكنه بالنسبة إلينا أو لنكن أكثر تحديداً بالنسبة إلى طائفة من البنات ليس ذلك، بعد أن نقص شعرنا نصبح أكثر استقلالية، نتخلص من النظرة الضيقة التي فرضها المجتمع علينا، ربما يعطينا هذا نوعاً من التمرد على الأحكام التي طالما فرضت قيوداً وهمية، نوع من كسر "التابوهات" التي اختذلت جمال البنت في شعر طويل وجسد متناسق وملامح جذابة أو لعلها إعلاناً لرفضها بصورة أكثر عنفاً، تصريحاً حراً أن هذا الشعر يُعنيني وحدي وأنا من يحدد ماذا أريد أن أفعل به، ربما وسيلة لأخرج خارج هذا النمط الذي يجرف كل من حاول المقاومة، أن أقول إني أكثر من مجرد شعر، محاولة لمقاومة ما يستهلك روحي وعطشي للمزيد من المعرفة والتعلم، وبالرغم مما يبدو عليه الأمر إلا أنني أراه ظلماً على البنات أن تفعل بشعرها ما تشاء سواءً أحبته قصيراً أم طويلاً دون أن يجعلها طول شعرها أو قصره تنحصر في شخصية ما، بعد أن قصصن شعرهن، إما تحررن، وإما اتبعن نسقاً جديداً يأخذ الشعر القصير نمطاً.

أنا شخص راشد عاقل، وكوني بنتاً لا ينتقص مني شيئاً ولا يزيد عليّ أيضاً، وهذا الشعر يعنيني.. هو لي، إن أحببته طويلاً أطلقته، وإن أردته قصيراً قصصته.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد