الأمل والإنسان…إلى أين؟

أغلب من يحاول ويجاهد بأن يضع النقاط على الحروف، وأن يقدم أفكاراً جديدة وجديرة بالثقة والنجاح، يُعارَض بشدة، ويسكتهُ كل من يأتيه ضررٌ من تلك المحاولات، إما مادياً أو سياسياً أو دينياً.

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/16 الساعة 07:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/16 الساعة 07:13 بتوقيت غرينتش

أصبح من الضروري الاعتراف بأن النفس الإنسانية تمزقت، بل وباتت أشلاءً على طاولات الحوار والحرب، بين الحصار والهدم، بين المد والجزر، حتى أصبحت آخر الاهتمامات ربما..

فَمَن برأيكم يهتم إذا تعذبت نفسية إنسان أو جُرِحت مشاعري وأنا أحاول معالجة موضوع يعدُّ من البداهات والأعراف؟

فإنَّ أول مقومات ولوازم النضج والوعي، ألا وهي "الإنسانية" أصبحت لا تُذكر إلا بالمحافل السياسية والاجتماعية التي تَذخر بالترف، وأتحدث عن تلك التي تدّعي، ربما أنها تحاول أن تعلو بالإنسانية إلى أبعد حدود، سواء من إعلاء شأن الإنسان العربي -تحديداً- قليلاً، معنويًّا أو ماديًّا وانتبهوا إلى كلمة "أو"؛ لِأنهُ من شبه المستحيل أن يجتمعا في محفلٍ واحد، وفي فندق أسستهُ شركة إسبانية بديكور إيطالي وطباخين فرنسيين يقدمون أفخر أنواع الأطعمة وهذا ضروري، لكي يُلقُون خِطابات من أفخر الخطابات أيضاً، المؤثرة والمكتوبة على شرفة بيت يطل على شاطئ، مع فنجان قهوة سويسري.

من ثم ينامون مرتاحين الضمير، لأنهم فعلوا ما بوسعهم لكي يُحسّنون من معيشة الإنسان، وأقلها إعلاء كرامته المهدورة، وأتحدث هنا عن الموظفين الذين يوضّبون ما خلّفوه وراءهم من ذاك الحفل.

(الضمير الإنساني مرآة تعكس للناظر فيها تارةً السماء وطوراً الجحيم) "بول فاليري".

لكن من جهةٍ أُخرى أيضاً، وجب علينا أن نحمل القناعة التالية.. ألا وهي أن الشر موجود في خِضم التاريخ وفي قلب العصور أجمعها، وقائم، وهو من الشروط الأساسية لوجود الخير وحتمية عدم وجود حلول لإرساء العدل بشكل عام، بالمقابل هنالك محاولات كثيرة وبطرق كثيرة بالنار أو السلام، بالسيف أو الكلمة بأن نطرد ذاك الشر من عالمنا، وهنالك محاولات قائمة وأُخرى آتية وأُخرى ستأتي، ولا يخفى علينا أن غالبيتها فاشلة، إما أنها جائت تلك المحاولات على يد فرد أو أنظمة وأحزاب وباءت أيضاً بالفشل، بل وخلّفت وراءها كوارث، ولكن إذا ما نظرنا إلى مضمون أهداف تلك الأنظمة وجدناها تستحق التطبيق ولكن تطبيقها مستحيل غالِباً.

من هنا نتسائل: إذاً ما المشكلة؟

ومن هذا المنطلق سنحاول أن نُعالج الموضوع من كافة جوانبه لعله يُعطينا جواب ربما شافياً.. أو إشكالية تستحق الحل، ولا بأس بذلك.

في حين تجربة الشر تلك تكاد تكون واضحة جداً في عصرنا هذا، وفي هذا الوقت العصيب اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا على المستوى الإقليمي، ونحن نخوض حرباً ضد تلك التجربة بكل ما نملك من قِوى ومقومات، ولكن الخوف الأكبر يتمثل في ذبول تلك الحيوية، سواء إن نجحنا بها أم لم ننجح، وإن نخسرها ذلك يعني امتداد البؤس أكثر وأكثر، ومن ثم نوقّع على وثيقة إقامة دائمة لعصور وسطى جديدة بنكهة معاصرة، نكهة معاصرة روادها مَن تكلمنا عنهم سابقاً، وهم مجبرون على إضفاء تلك النكهة لتخفف من وطأة البشاعة والبؤس والحزن من نفس الإنسان العربي، ولتغييب صورة الشجع والبطر من نفوس من يمسكون بأيديهم ميثاق معاهدة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وباليد الأُخرى السيجار الكوبي، وقصداً وعن غير قصد تُحرق تلك المعاهدة أو يأكل عليها الدهر ويشرب.

من جهةٍ أُخرى أيضاً، أما يجب على الإنسان ذاتِهِ إحياء مجالس ذكر الأمل على الأقل، فالخوف من المستقبل ومما سيأتي، أغلق تلك المجالس بالشمع الأحمر إلى أجلٍ غير مُسمى، وهي المشكلة الرئيسية في عصرنا، الخوف مما سيأتي وعدم مواجهته يُشغلنا عمّا نعيشهُ، ويؤكد أن ذلك الخوف مستمر إلى الأبد، فَإذا نظرنا إلى بداية نشوء الإنسان ثقافيًّا واجتماعياً وعلمياً، وهي مراحل الدراسة الجامعية، والتي من المفترض أن تُكوّن هيكيلة منطقية تقوم على العقلانية وعلى الوعي لدى الإنسان لكي يكون محل ثقة لجيلهِ الحالي، وأن يُنقذ ما استطاع من بقايا مجتمع يتفكك، يصبح العكس.. ألا وهو أن الطالب هذا يضع في رأسه من البداية أنه لن يُقدم ولن يؤخر بشيء، هذا إن وَجَد مكاناً لكي يعمل أو يصحح أخطاء.

ولكن هذا لا يبرر إطلاقاً يأس الطبقة التي يعتمد عليها المجتمع غالباً، ولا يُبرر إطلاقاً أن تُنتشل تلك المسؤولية من فوق أكتافهم.

وإذا نظرنا إلى طبقة المثقفين من كُتّاب -وعلى سبيل الحصر الكُتّاب المخضرمون أولاً- يعكسون الواقع الحزين، بحزنٍ أكبر ويأس أكبر من خلال كُتب وأُطروحات، وغالباً الرِوايات الأكثر تأثيراً على نفوس الناشئين، وربما هي خير دليل على بؤس الواقع الذي نعيشهُ، أو جعل الواقع بهذا البؤس وتحميل الوقائع أكثر مما تحتمل.

ولكن إذا حاولنا تجميل صورة الواقع، حتى من خلال القراءة، أظن أنها ذات طابع إيجابي، كي تتعود نفوسنا على الصور الإيجابية على الأقل، لأنها غالباً ما تتحول إلى واقع حتى ولو بالكلمة.

المشكلة في هذه النقطة، هو ابتعاد المثقفين قدر الإمكان عن مآسيَ المجتمع ومشاكله؛ نظراً لاختلاف مستوى الوعي، ورمي مشاكل قابلة للحل وراء ظهورنا والتعمق في الأوهام وخوض تجارب نفسية مع ذواتنا تُفضي إلى اللاشيء، أي أن من أدرك مشاكل هذا العصر يصبح فجأة ضد المجتمع وينزوي وحيداً حاملاً معهُ حلولاً من شأنها انتشال المجتمع بأسره من هذا الضعف، والرضا بالواقع مهما كانت مُلابساته وآثاره على أنفسنا وعلى الجيل الذي سيأتي لاحقاً.

بالمقابل أغلب من يحاول ويجاهد بأن يضع النقاط على الحروف، وأن يقدم أفكاراً جديدة وجديرة بالثقة والنجاح، يُعارَض بشدة، ويسكتهُ كل من يأتيه ضررٌ من تلك المحاولات، إما مادياً أو سياسياً أو دينياً.

في الأخير، من هذه الخلفية المُظلمة والمشاكل التي تستحضرها الذاكرة يومياً ودائماً، لا يمكن لها أن تُحل بين ليلة وضحاها، ولا حتى في موضوع أو ثلاثة أو ألف، ولكن دائماً يجب الانطلاق من جديد لإيجاد أمل بالمستقبل، والقضية هنا هي إيجاد فكر يقوم على إحياء الإيمان بالنفوس والقدرة على التفكير المنطقي الذي يساعدنا بالارتقاء. وأن يساعدنا على مواجهة الحاضر وما يُخبئ لنا التاريخ، هنا لن نضمن الحل بالضرورة، ولكنه بلا أدنى شك يجعلنا أُناساً مسؤولين ويوضع بجانب أسمائنا.. نجحوا أو ماتوا وهم يحاولون.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد