"قصة قصيرة"
ومن الحب ما يجعلك تكره النساء
إن كلمة الحب التى تجدها كائنة بين قوسين كهذين () في الأفلام والروايات ليس هو الحب الذى نعرفه، فإن واقع الحب يتطلب المزيد من الألم، وربما مزيداً من القسوة لكي يكون عليك فهمه، وعلى كلٍّ فمن ذاك الذي لا يرجو من الله حبًّا به يريح قلبَه من عناء السفر الطويل؟
ومن تلك التي لا تنظر الحبَّ في كل عينٍ تراها، وتُخطر قلبها؛ ربما يكون حبيباً!
ولكن هل تخيلت يوماً أن هذا الحب قد يكون سبباً لأن يجعلك تكره المحبوب نفسه؟
ولا يتوقف هذا الكره على المحبوب فحسب، بل على كل من ينتمي لجنس المحبوب؟
"بداية القصة" يوم العشرين من يوليو/تموز
ولنفترض اسماً خياليًّا للبطل وهو #حازم، والأخرى تُدعى #حورية
لا تعجبْ، فتلك الأسماء وإن كانت مستعارة فقد كانت يوماً ما شيئاً من الحقيقة.
رأى حازم حوريته محض صدفة، ولا يزال خارجاً لتوه من قصة حب قتلها المال والمنصب.
فأراد أن يبني عشقاً ليس كالذي هدم، عشقاً يعوض فيه ما قد انكسر من جدران قلبه
رآها، سأل عنها، اهتم بها، وترك كل مايخوَّل به فعله؛ لأجل فقط أن ينسج أمل الحب فيها وكتم الحب في قلبه ولم يخبر به أحداً، بل وكتمه الحب في ظلمات الوهم وسكر الخيال ثم احتجَّ بحجج لكي يتكلم إليها تاركاً كل الاحتمالات وراء عاتقه مهما كان الدافع والنتيجة، ففعل!
ربما كانت تتجاوب حوريته شيئاً فشيئاً معه، وكل يوم يزيده العشق ناراً تحرق الماضي وتنير المستقبل
كل يوم كان يمر كان فيه إناء الحب يزداد..
حتى كان يوم (السادس من أكتوبر)
أخبرته حورية أن هناك موعد عملٍ، ويجب أن يحضر لما فيه مصلحته
(موعد عمل وأول لقاء)
مر حازم على المكان الذي سيتم فيه اللقاء، وكل المدعوين قد التزموا أماكنهم..
في الحقيقة هو لا يريد العمل ولا حتى الحديث فيه هو لا يريد إلا أن يرى زوجته (أو كما يجب أن تكون) تجاوز مكان اللقاء ليسأل عن مسجد الحي، فذهب فصلى فدعى الله واستخار أن تكون زوجته، وقال: يا رب إني عن بواطن خلقك كفيف، وأنت العالم القدير ترى ولا نرى، فاللهم إن كانت حقًا خيراً، فيسرها لي ويسرني لها، وإن لم تكن فاصرف واجبر الخاطر يا ربنا.
بدأ اللقاء على غير المعهود، خجل، نظرات، صمتت الألسنة حتى تكلمت القلوب فأسمعت كل العاشقين، فلقاء الأحبة لا يحتاج لحروف تصف الحال، فقط يكفي مجرد نظرة يُفهم منها كل نبضات القلب، بدا كل شيءٍ صريحاً من نظراتها، ومن نظراته أيضاً، حتى كلاهما فهم الأمر.
افترقا والعمل على آخر قائمة الاهتمامات، ولا يعلق بعقله إلا أن يكلمها ويسألها عن شعورها فربما تكون هي الأخرى تريده، وياليتها..
لكنه كان يظن أن الحب هو ما يشتري الحب، كان يظن أن القلب هو أثمن ما قد يعطيه العاشق لفتاةٍ وإن كانت منقبة لا يرى إلا عينيها المليئتين بالطفولة، مخطئاً كان هو، (يوم العاشر من أكتوبر)، تكلما على الشبكة العنكبوتية فألمح فألمحت، وأشار فأشارت، بل سبقته بالتصريح.
في هذه اللحظة توقف كل شيء، توقف الزمان، والمكان، والناس، والوجود.. كل شيء لم يعد ذا قيمة هنا، حين يفتح القلب أبوابه، فكل شيء يصير بلا قيمة ولا معنى..
السعادة تنسج خيوطها هنا على مرأى من عينيه، قلب يدق بصَرَعٍ ولكنه صرع جميل، تلهّف لم يسبق شوق.
يا إلهي! كل التعب الماضي سيعالجه ذلك الحبيب، ينبت بشفتيه؛ أنا أنا أنا..
أنا أيضاً كذلك، لكن لا تقلها ودعها ليومٍ تلتقي فيه القلوب والأجسام، كان كل الغاية منهما أن يحافظ كل منهما على بعضهما وعلى حدود الدين، (السؤال الذي لم يكن يجب أن ينطق به حازم) الآن يا حوريتي أخبريني ما لذي يحب فعله كي نلتقي بحلةٍ من الله؟
أعطته رقم أخيها فيحادثه برغبته القوية ويحددان موعداً تلتقي فيه الوجوه وتقول الأمهات كلمتها..
لا بأس إنه مجرد روتين.
فعل، فأخبره أخوها بسوء من القول لا بعده سوء أنه سيروِّى في الأمر، وربما يخاطبه هو مخبراً إياه الموعد المحدد للرؤية في بيتها خلال الأسبوعين المقبلين..
وإلى أن يحين هذا اللقاء لا كلام بينكما ولا ومواعيد!
استجاب حازم وكانت المكالمة الأخيرة.
هذا هو ظاهر الأمر لحازم، لكن أبواب البيت كانت تدبر لشيء غير ذلك..
(آخر يوم قبل الموت) الرابع عشر من أكتوبر
يا حازمي.. نعم يا حوريتي! أولسنا نمتلك قلوب بعضنا! نعم يا حوريتي نعم! إذن فلنضحِّ بأي شيءٍ في مقابل أن نطلق سراح هذا الحب السجين ونعيش حياة نعوض فيها ما قد أصابني وأصابك من متاعب الحياة..
أريد أن أستريح وأنت سبيلي الوحيد لذلك، أنت عوضي أنت.. حازمي
أعطته جرعةً قويةً من الحماس الممزوج بالعشق الحلال..
قرر أن يضحي بكل شيء، بالمال وبالصحب وحتى بالهدف، كل ذلك من أجل أن يلتقي الحب ولا يتفرق أبداً.
أخبرته وكتبت له جملةً ما زالت قابعةً على جهازه الصغير إلى الآن (وأنا أقسم بالله لا أريد سواك) ذهب فاشترى قلماً في محفظته، جميلاً لونه، غالياً ثمنه؛ فنعم لم يدفع مقابله إلا من قلبه وروحه.
احتفظ به وأخبرها أنه حين يحل اللقاء الأول سيكون ملكها وقد رهنه لذلك..
دخل حازم شبكته التواصلية فإذ بشخص يدعى حورية غير موجود على الشبكة أصلاً!
وكأنها لم تولد، وكأنها لم تخلق في الأصل، أغلقت صفحتها وإلى الأبد..
اتصل على أخيها فلا يجبه، ما الذي جرى؟ لا أحد يعلم، حتى هذه اللحظة لا أحد يعلم!
يوم، يومان، خمسة، حتى اكتملت من الليالى الصارمة سبع، وقلبه معلق بين السماء والأرض، لا وجود، لا إجابة، والقلم رهن الخزانة لا يريد أن يخرج، ويتمنى القلم أنه لم يخلق ليرى هذه اللحظة.
(أخبركم أنا ما الذي جرى)
فتح حازم درجه ونظر إلى الذي بداخله، وهو الشاهد الوحيد في القضية، الشاهد الذي يعرف ولا يستطيع أن ينطق، توقفت الحياة وهو لا يفهم، لماذا اختفوا هكذا؟ هل أجرمْت؟ هل رفضوا؟ أليس من الأدب أن يتصل به أحدهم يخبره الأمر؟
تحولت الرغبة فيه من حب وعشق لمجرد أنه يريد أن يفهم ما الذي جرى؟
استمر في إرسال المخاطبات حتى أتت إجابة منها مكتوب فيها (دعك مني فأنا لا أستحق والأهل لا يريدون)! ارتاح حازم وأدرك أن التضحية التي كانت تطلبها منه مجرد كلامٍ لا يعرف النور..
أدرك أن المال أسمى من الحب وأعظم، فهي كسابقتها تركته لأنه فقير ولا يزال في دراسته
والقسم الذي أطلقته على نفسها قسمٌ لا يعرف إلا الكفارة، فهو لم يُقَلْ حتى يُنَفِّذَ
حتى تزوجت بعدها بشهر، كأن شيئاً لم يكن!
يملك سيارة ومنصباً وبيتاً وكل شيء يجعل الحب سلعة رخيصة أمام المال.
الحب الذي نشده حازم مات مقتولاً بطعنة بضعة آلاف من الجنيهات، مات منتحراً من غدر وخداع الذين تلاعبوا في قلوبنا، وما كنا إلا محض تجربة؛ إن فلحت فأنت زوجي وحبيبي، وإن لم تفلح، فلا سبيل إلا أن تغلق هاتفك والأمر جد بسيط وسهل!
جربتْه وتلاعبتْ به ولما أرادت أن تعيش معه رأت أن الفقر لا يصنع حبًّا
لحظة.
لم تكن أصلاً تحبه، ولم تكن أصلاً تريده.
ولو كانت كذلك لما ذهبت بدون استئذان هكذا.. كما الطائر يطير من يد صاحبه فجأة ويجرح مكان مخالبه.
لم تجرح بل قتلت وجعلته ينزف حتى مات قلبه وما زال ميتاً لا يريد أن يتذوق طعم النساء يوماً
يذهب كل يومٍ حيث طرقاته فيراها في كل وجه فتاة لاقاها على حافة طريق
كلهن حورية، كلهن الخداع والمكر والتلاعب بالضحية.
كلهن لا يعرفن الحب الفقير ولا يضحين بمالٍ مقابل سعادة وعشق أبديّ.
ويرجع يفتح درجه وينظر إلى قلمه، ويتيقن أن هذا القلم لم يخلق إلا ليكون شاهداً صامتاً!
وسيبقى هذا القلم هنا ينظر إليه كلما فكر قلبه أن يقع في شباك الحب مجدداً
قلم في الاسم، ولكن المعنى هو أنه قلم مصفوع على وجه.. يشعر به كلما نظر إليه.
مات الحب وعاش القلم!
ياشبابنا ويابناتنا..
ربما ليس كلهن حورية وليس كلهم حازم، ولكن المصير المحتوم حين يدخل المال في المسألة هو الموت حتماً.
موت القلب الذي أعنيه، حين يعيش الواحد منا بجسم ليس فيه روح، ولا يريد أن يقترن بإحداهن
خشية أن يرى فيها ما قد انصرم من خديعة وكذب.
يفضل الواحد منا أن يعيش منعزلاً على أن يترك بواقي قلبه في يد فتاةٍ تبيعه من أجل المال.
ويا ليتها تكتفي أن تبيع، لا بل تجعلك معلقاً بين الحب وبين السعادة ثم تلقيك مع أول رأي للأم!
الحب ليس له حدود، الحب ليس يعرف إلا التضحية، ومن لم يضحِّ يوماً منا فلم يعرف الحب قط…
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.