“القصبة”.. تاريخ العثمانيين بالجزائر في خطر

يبدو أن التقشف الذي سارت على دربه الحكومة الجزائرية بالتزامن مع انهيار أسعار البترول في السوق العالمية، بات "غولاً" يطارد كل القطاعات، بما فيها تلك التي تعنى بتاريخ وهوية الوطن. ويعد حي القصبة بقلب العاصمة الجزائرية، واحداً من المواقع التراثية التي وقعت ضحية هذا "التقشف".

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/08 الساعة 02:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/08 الساعة 02:26 بتوقيت غرينتش

يبدو أن التقشف الذي سارت على دربه الحكومة الجزائرية بالتزامن مع انهيار أسعار البترول في السوق العالمية، بات "غولاً" يطارد كل القطاعات، بما فيها تلك التي تعنى بتاريخ وهوية الوطن.

ويعد حي القصبة بقلب العاصمة الجزائرية، واحداً من المواقع التراثية التي وقعت ضحية هذا "التقشف".

وزاد الجدل حول هذا الحي مؤخراً، بعد رفض الحكومة الفرنسية تسليم الجزائر تحفاً أثرية هامة تعنى بتلك الفترة، رافضةً طلباً قدمه المتحف الوطني في يناير/كانون الثاني 2016.

القصبة.. رائحة الأتراك وحضن الثوار في الجزائر


يؤكد الباحث والمؤرخ الجزائري ورئيس مؤسسة القصبة بلقاسم بابسي لـ"عربي بوست"، أن القصبة هي امتداد لتاريخ الجزائر خلال الحقبة العثمانية، وهي إسقاط على اسم قلعة بناها السلطان العثماني عروج بربروس سنة 1516، ويطلق عليها حالياً "دار السلطان".

ويعد حي القصبة العتيق في أعالي العاصمة الجزائرية، من أكبر الأحياء القديمة، وصنفته الـ "يونيسكو" كموقع تراث عالمي ينبغي أن تحافظ عليها اللجنة الوطنية لحماية أملاك الدولة في الجزائر.

ويشهد الحي بموقعه ومعالمه وهندسته على ذاكرة وتاريخ الشعب الجزائري، لاحتوائه على أكبر تجمع عمراني لمبان يعود تاريخ بنائها إلى العهد العثماني، ومنها قصر مصطفى باشا، وقصر دار الصوف، وقصر دار القادس، وقصر سيدي عبد الرحمن، ودار عزيزة بنت السلطان، وقصر دار الحمرة الذي تحول إلى دار للثقافة إلى جانب قصر أحمد باي الذي يستغله المسرح الوطني.


ومن القصبة، انطلقت أولى شرارات الثورة بالعاصمة الجزائرية بعدما انطلقت بمنطقة الأوراس في الشرق الجزائري، ومنطقة القبائل الكبرى وسط الجزائر، ومنطقة التيطري بالغرب الجزائري في عهد الاستعمار الفرنسي الذي استمر في الجزائر 132 عاماً.

وكان حي القصبة معقل الثوار في دار السبيطار، التي كانت مخبأً للثوار أمثال علي لابوانت وأحمد زبانة وجميلة بوحيرد وجميلة بلباشا وحسيبة بن بوعلي وغيرهم ممن حركوا الثورة في وسط العاصمة وهددوا أمن الفرنسيين.

المحروسة الآن بلا حارس


ومن الأمور التي تحزن باباسي، هو الواقع الذي آل إليه الحي، بسبب الإهمال الذي سلط عليه من جهة، وعدم تجاوب الوصاية مع المؤسسة.

وقال بلقاسم أنه توجيه رسالة لوزارة السياحة في العام 2014 لإضفاء نشاط وحركية بمدينة القصبة الأثرية لولاية الجزائر العاصمة، لاستغلالها كمنطقة سياحية.

كما أفاد أنه تم توجيه رسالة لرئيس الجمهورية لوضع مشكل "القصبة" ضمن أولويات مسؤولي الدولة، لكن تبقى المراسلات مجرد مبادرات دون نتائج ملموسة، ما يجعل الحي بين حاضنتين من التهميش.


ويرجع المتحدث سبب هذا التهميش إلى ضلوع بعض المسؤولين في عرقلة تطبيق المخطط العاجل للحفاظ وحماية القصبة، والذي كان عبارة عن دراسة بدأ العمل عليها منذ العام 2007، وتم تقديمها سنة 2010، دون أن ترى النور حتى الساعة.

حتى مشروع "شباب حراس التراث" الذي كان جزءاً من حماية حي القصبة، لم يعد موجوداً حالياً، بسبب التقشف وانعدام اعتمادات مالية تسمح بتشغيل شباب مكلفين بحراسة ومنع المخالفات العمرانية داخل القصبة.

انهيار أسعار البترول… وانهيار ما تبقى من الحي


وقد كان مخططاً خلال العام الجاري ترميم 400 بيت ومنزل وقلعة بقلب الحي، لكن تم تقليص العدد إلى 200 بيت فقط، وعندما تم تقديم توضيحات في هذا الشأن، كانت الحجة هي "التقشف" المفروض من طرف الدولة.

فالقصبة التي كانت تحتوي مع خروج المستعمر الفرنسي سنة 1962، على 1200 بيتاً وقصراً، لم يتبق بها الآن منها سوى 700 بيتاً بسبب الانهيارات المتكررة، وفي كل يوم تقريباً، "تصلنا إشعارات بانهيار أو تهديد بالانهيار".


كما ساهمت الزيادة السكانية بالحي والذي يبلغ حالياً حسب بلقاسم، 62 ألف نسمة، إلى توسيع عشوائي في البنايات باستعمال مواد البناء الحديثة، والتي شوهت صورة القصبة، وجعلت بناياتها تفقد طابعها العثماني الأصيل، والذي كان يزين واجهة الجزائر البحرية على بعد كيلومترات في عمق البحر الأبيض المتوسط.

فرنسا ترفض تسليم مقتنيات العهد العثماني


بادرت مؤسسة القصبة في السنوات الأخيرة إلى تشكيل لجنة، من مثقفين ومحامين جزائريين، بالتنسيق مع المتحف الوطني، لمطالبة السلطات الفرنسية بإرجاع بعض القطع الأثرية الهامة الموجودة حالياً بالمتاحف الفرنسية.

وأكد رئيس المؤسسة أن جل الطلبات المقدمة، لم يرد عليها، وما تم الرد عليه حمل جواباً سلبياً، وحتى المفاتيح التي سلمتها فرنسا لوزارة الثقافة على أساس أنها مفاتيح مدينة الجزائر، لم تكن إلا مفاتيح غرف عادية.


ومن التحف الهامة التي حولت إلى فرنسا بطرق غير شرعية، أو من خلال سلبها في الفترة الاستعمارية وتأبى إعادتها إلى الجزائر حالياً، نجد ساعة الداي الموجودة بأحد المتاحف الفرنسية.

بالإضافة إلى لوحة كبيرة وساعة للويس الـ 14 أهداها سنة 1682 لداي الجزائر واستحوذت عليها فرنسا ورفضت كذلك إرجاعها.

كما تحدّث عن رفات بعض القادة الجزائريين ومدفع بابا مرزوڤ الذي رفضت فرنسا إرجاعه نهائياً.

رؤوس بشرية وخيمة الداي حسين أيضاً


فاطمة بن إبراهم، محامية جزائرية، وواحدة من ممثلي لجنة المطالبة بإرجاع الآثار العثمانية الموجودة بالمتاحف الفرنسية.

تؤكد فاطمة في اتصال مع "هافينيغتون بوست عربي"، أن هناك أموراً كثيرة تتعلق بالتاريخ العثماني بالجزائر ورفضت كلياً فرنسا التجاوب مع مطالبنا لاسترجاعها، وفي مقدمتها رؤوس شيوخ المقاومة الجزائرية، كرأس الشيخ بوزيان وابنه اللذين أخذت فرنسا رأسيهما بعد فصلهما عن جسديها، وهما الآن معروضان في أحد متاحف فرنسا.

إلى ذالك تطالب بإعادة خيمة كبيرة للداي حسين، والتي سلبت من قسنطينة في الفترة الاستعمارية، وهي خيمة حربية كبيرة تتسع لأكثر من 100 محارب، هي الأخرى لا تزال بالمتاحف الفرنسية.

وعاتبت بن إبراهم بقاء السلطات العليا في البلاد في دور المتفرج، وطالبتهم بالتحرك والضغط على الحكومة الفرنسية لاسترجاع هذه القطع الأثرية.

كما كشفت أيضاً عن مشروع استخراج سفن حربية من عمق البحر، تعود إلى مئات السنين، وتعكس قوة الأسطول البحري الجزائري خلال الفترة العثمانية.

تحميل المزيد