صيد الصقور في السعودية.. موروث ثقافي وتجارة تدرّ الملايين

شكّلت رياضة الصيد بالطيور وخاصة الصقور، مصدراً للمتعة عند العرب منذ عصور، قبل أن تصبح فيما بعد وسيلة للربح أيضاً، خصوصاً أنها تحظى بمكانة خاصة في شبه الجزيرة العربية.

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/05 الساعة 02:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/05 الساعة 02:43 بتوقيت غرينتش

شكّلت رياضة الصيد بالطيور وخاصة الصقور، مصدراً للمتعة عند العرب منذ عصور، قبل أن تصبح فيما بعد وسيلة للربح أيضاً، خصوصاً أنها تحظى بمكانة خاصة في شبه الجزيرة العربية.

وعلى الرغم من عالمية هذه الممارسة، والتي يحلو للبعض أن يسميها رياضة، مع اكتشافها قبل 4000 عام في سهول آسيا الوسطى، فإن العرب يعدون من ضمن أكثر الشعوب براعةً فيها في الوقت الحالي، وهي هواية الملوك والأمراء.

وتتمحور الرياضة حول تنافس شديد في إظهار فنون معرفة اختيار وإعداد الصقر، وجعل الطائر الجارح منافساً قوياً في ميادين التحدي، حتى يحق لمربيه التفاخر بمهارات طائره وبجماليته أيضاً، وهي كلها عوامل أدت إلى وصول أسعار الصقور إلى مبالغ مرتفعة.

هواية وفن



يقول الصقار السعودي (معلم ومربي صقور) نايف الدلح، إنه خلال السنوات الـ 10 الماضية، كثُر عدد الممارسين لهواية القنص بالصقور، ليصبح سوق البيع والشراء الخاص بها مزدهراً جداً، حتى صارت الأسعار خارجة عن المعقول، إذ بيع صقر حرّ فارسي في الكويت بمليونين و600 ألف ريال.

وعن أنواع الصقور، قال لـ "عربي بوست" إن هناك الصقر الوحش غير المهجن في المزارع، ومنه أنواع عدة أهمها الحر بأنواعه الفارسي والجرودي والشامي والسنجاري والشمالي، بالإضافة إلى الشاهين البحري والجبلي، وأيضاً وكري الحرار ووكري الشياهين، وهي كلها أنواع مهاجرة، فيما الصقر الجير غير مهاجر، ويسكن المناطق الباردة.

ويؤكد الدلح أنه يصطاد بنفسه الصقور التي يربيها ويروضها على فنون الصيد، قبل أن يبيعها لزبائنه من الأمراء والشيوخ والتجار.

ويقول إن عملية ترويض الصقور وتوليفها "جزء من مهارة المربي، ودليل على قدراته الفريدة في هذا المجال، كما أن لكل صقار خطة خاصة به، والسرعة في التكيف مؤشر على إبداعه".

ومن أجل ترويض الصقر بسرعة يفيد الدلح بأن تجويعه يجبره على تقبل الأوامر والقدرة على الطاعة، بالإضافة إلى حمل الطير في فترة التدريب. وقد يمض المربي ساعات وهو يحرك الصقر على يده ويكلمه، وينزع البرقع عن عينيه، وكل ذلك يحدث في المجلس حتى يعتاد حركة الناس، ويطمئن لهم.

مسابقات خليجية



وعن استعمالات الصقور، يقول الدلح إنها عادة ما تستخدم في مسابقات التحدي والقنص لطيور الحبارى، والأرانب وطائر الكروان، وكذلك تحديات ومسابقات الحمام الزاجل، الذي يقام له مهرجانات في السعودية ومختلف دول الخليج.

وأدى استخدام الصقور إلى ظهور الكثير من المسابقات في المنطقة العربية دعما لهذه الهواية، وتعزيزاً للموروثات والتقاليد الشعبية، والتي امتدت إلى مسابقات أسرع الصقور وأجملها.

وتبلغ جوائز هذه المسابقات ملايين الريالات، حيث يصل مجموع جوائز رئيس الدولة للصيد بالصقور بالإمارات إلى 25 مليون درهم إماراتي، بالإضافة إلى 56 سيارة فارهة، بينما سيتم في السعودية اعتماد أول مهرجان وطني للصيد بالصقور في منطقة القصيم بداية من عام 2017.

أسعار خيالية


"غلاء الأسعار سببه ندرة بعض أنواع الصقور، وصعوبة الحصول عليها، كما أنه يرجع لجمال الطير، فبعض الصقور النادرة تمتلك ألواناً جميلة ومزخرشة، فصقر لونه ذهبي ورأسه أبيض قادر على إغراء الأثرياء من الأمراء والشيوخ للمزايدة عليه حتى يصل سعره إلى أرقام خيالية"، بهذه الكلمات فسّر سلمان الدابس، الذي يمتلك مكتباً لبيع الصقور ومستلزمات الصقارة في مدينة الجوف، لـ "عربي بوست" سبب غلاء أسعار البيع.

وعن كيفية حصوله على الصقور يقول إنه يقنصها من منطقة الحماد شمال شرقي السعودية، "والبقية تأتيني من خارج السعودية، كإيران وكازاخستان وغيرهما من الدول التي تشتهر بها".

عبود أبوعتب، الذي يقطن مكة، امتهن مهنة التسويق والإعلان عن الصقور المعروضة للبيع، كما أن لديه مربطاً خاصاً لترويضها وتعليمها.

ويؤكد أبوعتب لـ "عربي بوست" أن تربية الصقور ليست بالمهمة السهلة كالحمام مثلاً، فأنثى الصقر لا تبيض سوى 4 بيضات فقط في السنة؛ لذلك يحتاج المربي إلى كثير من المثابرة والمشقة في انتظار ولادة الفرخ، ومن ثم ترويضه وتعليمه فنون الصيد والقنص.

ويردف قائلاً إن "الأسعار في غلاء مستمر، ولكن يمكن الحصول على صقر الوكري بمبلغ 3000 ريال فقط، ويعتبر هذا السعر الأرخص".

الصيد الجائر


الأخصائي الاجتماعي عليان العطوي أرجع أسباب شغف السعوديين بالصقور إلى العائد المادي الكبير الذي يجنيه التجار من بيعها، خاصة النادر منها، حيث يقول "تشتهر رياضة القنص عند بعض السعوديين والخليجيين، وخاصة أبناء المناطق الحدودية، لما لها من عائد مادي كبير، كما أنها رياضة محببة للمهتمين باقتناء الصقور السريعة، التي تصل سرعة بعضها إلى 300 كم/ الساعة".

ويضيف أن "عيب هذه الهواية يكمن في دخول أشخاص وأطراف ليس لديهم الخبرة في عالم القنص، هدفهم التجارة فقط، ما يهدد الحياة الفطرية في السعودية والعالم أجمع، ويهدد زوال بعض أنواع الصقور".

ودفع هذا الأمر 165 دولة إلى إبرام اتفاقية "سايتس" المنظمة للاتجار الدولي بالحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض، بهدف حماية بعض الأنواع من الاستغلال المفرط، وضمان حماية الموارد الطبيعية مستقبلاً.