نقمة التفكير الزائد

كلما حاولنا أن نسيطر على الأشياء من حولنا يتدخل القدر ليذكرنا بأننا لا نملك أي قدرة على السيطرة على هذه الأشياء، ونكتشف بعدها أننا أضعنا وقتاً ثميناً على أشياء لا يمكن تغييرها وأنها مجرد أوهام في رؤوسنا، فكلما أعطيت انتباهك للأمور غير المهمة، قلّ انتباهك تجاه الأمور المهمة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/12 الساعة 03:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/12 الساعة 03:23 بتوقيت غرينتش

يقولون الفكر غذاء العقل.. وبمجرد أن توقف إعطاء هذا العقل غذاءه فإنه سيخمد ويتوقف في النهاية، التفكير هو أمر طبيعي يفعله الجميع، من الطبيعي أن تقضي وقتاً تفكر في بعض المواقف في حياتك ولكن البعض منا يأخذ الأمر إلى الحدود القصوى فيتحول الأمر إلى شيء مبالغ فيه، التفكير في المستقبل وقلق من الماضي، على العائلة، على علاقاتنا بالآخرين، على أشياء لا يمكننا السيطرة عليها، باذلين جهدا كبيراً في التفكير بالقشور مضيعين على أنفسنا اللحظات الحاضرة وفرصة الاستمتاع بها، محولين الأشياء الحاضرة إلى أشياء مملة خالية من أي معنى . وهذا ما يمكن أن ندعوه "نقمة كثرة التفكير".

كلما حاولنا أن نسيطر على الأشياء من حولنا يتدخل القدر ليذكرنا بأننا لا نملك أي قدرة على السيطرة على هذه الأشياء، ونكتشف بعدها أننا أضعنا وقتاً ثميناً على أشياء لا يمكن تغييرها وأنها مجرد أوهام في رؤوسنا، فكلما أعطيت انتباهك للأمور غير المهمة، قلّ انتباهك تجاه الأمور المهمة. ولقد توصلت مؤخرا إلى فكرة أن التفكير في اتخاذ قرارات صغيرة يأخذ جهداً عقلياً يعادل اتخاذ القرارات الكبيرة.

قد تفكر في حدث ما سيحصل معك غداً.. لقاء ما، مقابلة عمل، حفل، دعوة عشاء.. تبدأ بوضع سيناريوهات كثيرة متعلقة بما قد يحصل، وقد حصلت معي كثيراً، ما يحصل في اليوم التالي هو أنه لا يحصل أي من السيناريوهات التي وضعتها في رأسي وينتهي الأمر بإلقاء اللوم على عقلي الذي جعلني أصرف الكثير من الطاقة والوقت في التفكير في أمر لا يستحق كل ذلك.

إن زيادة التفكير ليست مرضاً.. إنها برأيي عرض وهو غالباً مرتبط ارتباطا وثيقا بالأفكار السلبية التي نغذي أنفسنا بها وبدورها تتحول إلى مشاعر سلبية ومن ثم سلوك مضطرب قلق نحو أنفسنا ونحو الآخرين أحياناً وطالما أن هناك جذورا تؤدي إلى زيادة التفكير فإنه سيبقى موجودا. تخلص من السبب الحقيقي وراء التفكير الزائد وسيزول العرض.

التفكير هو آلية لحل المشكلات وكلما أغرقت في التفكير، كان هناك إشارة إلى وجود مشكلة، إننا نزيد من التفكير في أشياء لسنا متأكدين منها أو نخافها، معظم الناس تفرط في التفكير بسبب شعورها بالضعف أو العجز. أو بسبب غياب الهدف وغموض المستقبل وأعتقد أن هذا أمر فطري فينا نحن البشر ومع ضغوط الحياة وصعوبتها وغياب رؤية واضحة إلى المستقبل أصبح الناس يتحركون بدوافعهم الفطرية الفضولية نحو الأبراج و قراءة الطالع للتعرف على المستقبل..

وبعيداً عن المثاليات فإن هذا أمر طبيعي جداً فالفضول من طبع البشر، ومن حكمة الله عز وجل ورحمته بنا.. فقد أخفى عنا مستقبلنا وجعلنا نسعى له. تقول دراسات حديثة إن الأشخاص الغارقين في التفكير الزائد أشخاص لديهم ذكاء عال ولديهم القدرة على التفكير العميق والقدرة العالية على التخيل ولكن في المقابل يقولون "من يفكر بالوحش سيظهر له في النهاية" فمن يثقل تفكيره بالمرض سيمرض ومن يفكر بالفشل دائما فإنه سيفشل ومن يفكر بالموت كثيراً فإننا جميعنا سنموت.

قد تجد مئات الكتب التي تحاول مساعدة الناس على التوقف عن التفكير الزائد لكن في الواقع لم تثبت فاعلية حقيقية لها، قد أقرأ يومياً العديد من الاقتباسات الإيجابية التي تدعو إلى التوقف عن التفكير بالمشاكل وبالماضي والمستقبل لكن عندما أكون مشغولة في التفكير بمسألة ما فإن كل هذه الاقتباسات والكتب تتحول إلى تفاهات لا يتقبلها عقلي.

لطالما كان لدي مشكلة مع اتخاذ القرارات، دائما ما أخذت مني وقتا طويلا من تحليل وتفكير، سواء كانت قرارات كبيرة أو صغيرة. مسببة لي الإرهاق والقلق. حيث أمضي وقتا طويلا على عبارات مثل "لماذا هذا؟ هل كان ذلك مبالغاً فيه؟ ما كان يجب أن أقول ذلك.. كان يجب أن أقول ذلك.."..

الأمر قد يكون كارثياً في بعض الأحيان، إلا أنني مؤخراً قررت أن أعطي عقلي بعضا من الراحة والاسترخاء فلا شيء يستحق كل هذا التفكير. لا أحاول أن أعطي وصفة سحرية هنا، إلا أنني بدأت باستخدام التأمل يومياً مبعدة عقلي عن إرهاقات اليوم وزخم الحياة ولو لعشر دقائق فقط. دون أن أنسى أهمية الصلاة والعبادة كغذاء وراحة للروح والعقل.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد