تمر هذه الأيام الذكرى الأولى لرحيل عميدة أساتذة الأدب الإنجليزي والروائية الكبيرة الدكتورة رضوى عاشور. بالطبع لست أول من يكتب عن رضوى في هذه المناسبة ، فحصر بسيط لمن كتب عنها واحتفى بها إحياءً لذكراها يؤكد أنني أقف في آخر الصف قامة وقيمة، كما يؤكد قبل ذلك أننا إزاء بُعد وزاوية جديدة في العلاقات الإنسانية أبدعتها رضوى دونما علم منها ولا إدراك.
على خلاف ما يعتقد الآخرون، فإن فرض احترامك على الآخرين والتأثير فيهم وإن لم يروك أو حتي يقرأوك هو أهم إنجاز قامت به أستاذتنا الجليلة. هكذا هي رضوى عاشور التي أحبها الناس لحب أحبتها لها.. اختلف الناس في أسباب حبهم لرضوى، ولكن أبدا لم يختلفوا عليها.. منهم من جلس مثلي في الصف تلميذاً مأسوراً مشدوهاً من روعة ما تبثه رضوى عاشور من تسامح وأمل بوعي وبغيره في ثنايا قراءتها الدرامية الإحالية لرائعة كوليردج The Rime of the Ancient Mariner ومنهم من جلس إليها طالب لعلم كان قد ظنه لطلاب المركز في القاهرة والإسكندرية دون أطرافه حتى تلقفته رضوى ببشاشتها وأعادت إليه والإقليم الذي أتى منه الثقة.. ومنهم من زاملته في العمل وأقامت الدنيا ولم تقعدها انتصاراً لحق له أو رفعاً لظلم عنه ومنهم بالطبع من قرأ لها وأبكته حتى الثمالة في "غرانيطها" و"طنطوريتها".
رضوى عاشور وأترابها هم جنس منقرض يتميز بالبشاشة رغم كثرة الأنواء، بالجدية رغم هزلية الواقع وبحب الإنسانية رغم توحش هذا النوع من الكائنات. ما زلت أذكر دون عناء -ربما لطيب الذكرى- صوراً ومواقف مر عليها أكثر من 20 عاماً جمعتنا نحن طلاب وطالبات دفعة 1989/1993 بقسم اللغة الإنكليزية بكلية الآداب بجامعة عين شمس مع الراحلة الكبيرة.. اتذكر مثلا موقفي وموقف الطلاب من ذوي الخلفيات الثقافية الفقيرة الملتبس من هذه الأستاذة التي تفيض روحها إنسانية عذبة وحنان متدفق رغم تدخينها السجائر ولبسها السراويل وقيادتها للسيارة.. فقد كانت هذه الأمور بالنسبة لي أنا القادم من الشوارع الخلفية لأحد الأحياء الشعبية بالقاهرة بقيمها الذكورية حقوق حصرية للرجال لا ينازعهم فيها كائن من كان.
تطلب التوفيق بين جمال روح وروعة أداء رضوى من ناحية وما تمثله سيجارتها وسروالها وسيارتها من قيم – يراها المجتمع الذكوري الذي امثله سلبية – بعض الوقت. كان عليّ أن أحدد أين عليها أن تتجه بوصلتي، أإذعاناً -أريد- لتقاليد غير مقنعة ومحافظة غير مبررة تستتبعها تصورات مغلوطة وأحكام جائرة على كل مختلف أم انطلاقاً وسباحة فكرية لا توفرها إلا "المختلفة" رضوى.
أظنني بكتابة ما أكتب اليوم أجيب عن السؤال وأؤشر لأي الخيارين انحزت. تلك هي رضوى عاشور الصادمة بجمال، الحرة رغم القيود، المترفعة رغم الإغراءات والمتفائلة رغم الإحباطات والانكسارات.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.