عائلة مكوّنة من 10 أفراد أعدّت حقيبة الرحيل على عجل وبدأت رحلة النزوح، هي مجهولة المعالم تماماً كمصيرها، ولكن الأمر المؤكد أنها من سوريا بلد الحرب، وتشكلت من الحجارة على يد النحات السوري نزار بدر.
بدر الذي اختار أن ينحت أعماله من حجارة جبل صافون، أو المعروف باسم الجبل الأقرع الذي يبعد عن اللاذقية نحو 50 كم، تربطه بهذه العائلة الحجرية "علاقة إنسانية أخلاقية، لأنه لن يشعر بحال الفقراء إلا من كان من طينتهم"، على حدّ قوله.
يوضح بدر لـ "عربي بوست" بالقول إنه جسد النازحين السوريون في 10 أشخاص، "فخيالي لا حدود له، أحوّل هذه الحجارة إلى قصص من نسج هذا الخيال ممزوجة مع مرارة هذا الواقع".
هذا العمل يعتبره بدر الأقرب إليه، ويوضح أنه "صرخة الفقراء، في وقت بات الجميع مجرد أرقام تنتظر الموت".
الحجارة بالنسبة للنحات السوري حروف يكتب من خلالها قصصاً وروايات، الأمر الذي يتطلب "عشق الحجارة وفهم أبجديتها، ثم المتابعة والمثابرة"، على حد تعبيره.
أعمال النحات التي بلغ عددها إلى اليوم قرابة 20 ألف عملاً جسّدت خلال السنوات الأخيرة ما يحدث في سوريا، بدءاً من المسؤولين الفاسدين وكل من أوصل البلد إلى ما آلت إليه اليوم من "جهل ورجال الدين ومعلمين"، يقول بدر.
وهذه الأعمال ليست مخصصة للبيع، بل قرر النحات أن يتركها للأجيال القادمة رسالة من جيله، خاصة أن كل عمل منها "لا ينتهي إلا وتكون دموعه قد غسلت حجارته حزناً وألماً على الدمار والخراب اللذين حلّا بالبلد".
حرص بدر على اختيار حجارة النحت من جبل صافون تحديداً لأنه – كما يصفه – "هذا الحجر يعرف كيف يصرخ، وصوته أقوى من الرصاص".
سوريا… حلبة مصارعة ثيران
على الرغم من أن ظروف الحياة في سوريا بكل مدنها أصبحت صعبة، فإنها لا تكفي من وجهة نظر النحات السوري لأن يغادرها وتحديداً مدينته اللاذقية، سوريا بالنسبة إليه "أطهر أرض"، واصفاً نفسه بأنه "رجل حجري لا يهمه إلا عشق سوريا وتجسيد ذلك الحب بالحجارة".
السياسة والدين أمران يفضل بدر عدم الخوض فيهما، ملخصاً الوضع في سوريا بأنه يشبه "حلبة مصارعة الثيران، العالم يتفرج ويصفق والجميع مشترك في الرقص فوق جثث الفقراء".
عمله في مجال النحت لم يتعدّ جدران غرفة في المنزل، والسبب عدم حصوله على وظيفة تتطلب منه "دفع رشوة كمقابل لها"، يوضح بدر، ويتابع "الفساد كالدودة التي تنخر في التفاحة؛ لذلك لم أحصل على وظيفة وأعيل أسرتي من الأعمال الحرة".