لابد للباحث عن "الطربوش" في القاهرة، سواء كان سائحاً، أو هاوياً، أو صاحب حاجة، أن يقصد حي "النحاسين" بشارع "المعز" الذي يعتبر أشهر وأقدم الشوارع الأثرية، وسط العاصمة المصرية، حيث ورش صناعة "الطرابيش"، وبعض المحال المترامية الأطراف في المنطقة، والتي مازالت تُعنى بتقديم هذا المنتج.
قرب الحي المذكور، تفوح رائحة تاريخ تنبعث من المكان، ممزوجة بغبار تركته أيام خلت على بضاعة معروضة تشتكي النسيان، سوى من ثلة قليلة تتجلى في شخصيات وطلاب أزهريين، أو سائحين جاؤوا لشرائه.
يجلس الأربعيني إبراهيم رمضان في ورشته على "ماكينة" الحياكة، ممسكاً بورق مقوى أسطواني الشكل (بعد أن كان قد أخذ مقاس الطربوش)، ويضع الخامة على آلة كيّ، لتأخذ شكل الطربوش، ويبدأ أولى خطواته وهي التبطين، ومن ثم الصمغ، فالكبس، فالضبط، وصولاً إلى إضافة الحلي والتغليف.
ويتم تبطين القالب الورقي عبر تغليفه بقطعة من القماش الأحمر التي تم طلاء داخلها بمادة صمغية، ومن ثم يوضع على مكبس حديدي ساخن من أجل ضبطه وتجفيف تلك المادة.
لتأتي المرحلة الأخيرة (الحلي)، وهي وضع الزر الذي يتكون من خيوط سوداء، ويتم تثبيته عن طريق إبرة تخترق أعلى منتصف الطربوش، وعقدها من الداخل، قبل كيه، ليصبح فيما بعد جاهزاً.
يقول رمضان للأناضول: "صناعة الطربوش مهنة تعلمتها من أجدادي وأعمامي، وورثتها عنهم"، مشيراً إلى أن رواده هم من السياح والمصريين المعجبين، إلى جانب الأطفال الذين يرتدونه كنوع من التسلية.
وربط الحرفي بين زيادة بيع "الطرابيش" وحركة السياحة، لافتاً إلى أنه كلما تراجعت السياحة تأثرت نسبة مبيعاته.
وتشهد مصر منذ "ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، التي أطاحت بنظام الرئيس محمد حسني مبارك، أزمة في حركة السياحة.
ووفق بيانات البنك المركزي المصري بشأن ميزان المدفوعات للعام المالي 2014/2015، بلغت عوائد السياحة نحو 7.3 مليار دولار، وهي في مجملها لصالح القطاع الخاص السياحي، باستثناء رسوم دخول المتاحف، والمنشآت السياحية التي تشرف عليها الحكومة، وذلك بعد أن كانت عوائد هذا القطاع قد تجاوزت حاجز 13 مليار دولار في العام المالي 2009/2010.
واختلفت الروايات حول بداية ظهور "الطربوش" في مصر، حيث يقال إن بداية صناعته تعود إلى نحو 400 سنة، وأن أول ظهور له كان في اليونان، وألبانيا، ثم انتقل إلى العرب، خلال الحقبة العثمانية، فأصدر السلطان سليمان القانوني، عدة فرمانات في غرب المنطقة ومشارقها بتعميمه كزي بروتوكولي.
وعرفت مصر صناعة "الطربوش" في عهد الوالي محمد علي باشا (حكم من 1805 – 1848)، وكان ارتداؤه عادة عثمانية، ثم أصبح مكوناً أساسياً في زي موظفي الحكومة، ويعاقب من لا يلتزم به.
وظل "الطربوش" مظهراً مهماً للوقار والمكانة الاجتماعية في مصر حتى قيام ثورة يوليو/تموز 1952، حين قرر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر (حكم من 1956 – 1970) إلغاء فكرة إلزامية ارتدائه، ليصبح المصريون أحراراً فيما يرتدونه باستثناء (العمامة الأزهرية وهي عبارة عن طربوش أُضيفت له قماشة بيضاء) لطلاب ومشايخ الأزهر الشريف.