من بلاد البراميل المتفجرة إلى ساحات العنصرية والكراهية.. رحلة “على خط جرينتش”

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/13 الساعة 12:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/13 الساعة 12:02 بتوقيت غرينتش

اللاجئون هم التآلُف البشري في تخوم الأرض، الغرباء حتى العظم، الغرباء المرفوضون، والمُقابَلون في كل مكان بالكراهية والحقد، إنهم خارج المكان حيثما ذهبوا!

رحلة بالقرب من خط جرينتش

في روايته الثانية -بعد الأولى الممتازة "طرق الرب" يأخذنا الكاتب والروائي شادي لويس بطرس في رحلةٍ بالقرب من خط جرينتش، لنطالع واقع حال لاجئين ومهاجرين ومضطهدين في البلاد التي باتت الشمس تغيب عنها، بعد أفول عهدها الاستعماري، وحلول عهد انغلاقها "البريكستي"، أي ما بعد "البريكست" وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

كنت قد قرأت رواية "طرق الرب" واستمتعت أيما استمتاعٍ بأسلوب شادي  لويس في السرد و"الحكي"، كما هو حال عددٍ من كتاب مصر الألمعيين. ولكنّ رواية "على خط جرينتش" اتّخذت شكلاً مغايراً من حيث طريقة بنائها، التي أشبه ما تكون بقصصٍ قصيرةٍ تمثّل فصول الكتاب الثمانية، والتي تم نسج بضعة خيوطٍ بينها لتشكّل في النهاية روايةً تعرض جزءاً من نضال الإنسان في ظل قرن الاغتراب (وفق المعنى الماركسي) الذي نعيشه.

اللجوء كنقمة

صحيحٌ أنّ اللجوء نعمةٌ لمن ترك ساحات القمع والاضطهاد والمعارك، ولكنّه بالمقابل نقمةٌ لمن اضطر لمغادرة كل من يعرف من ناسٍ وأرضٍ وبيئةٍ، نحو كل ما لم يعرف ويلمس، خصوصاً حين يُقابَل بنظرات الازدراء والحقد والكراهية، فكيف وهو يهرب من الموت بالبراميل المتفجّرة ليكون مصيره الموت الطبيعي في مقتبل العمر! كيف يكون الموت في مقتبل العمر طبيعياً أساساً؟!

هذا كان حال غياث، الشاب السوري الّذي ينبغي لبطل روايتنا أن يقيم مراسم دفنه، رغم أنّه لم يعرفه قبل وفاته، بعد طلب صديقه في مصر التي غادرها، بعد إغلاق أبواب الأمل أمامه، كما هو حال ملايين من أبناء شعوبنا العربية المضطهدة والمفقرة، صحيحٌ أنّنا لم نتعرف على غياث في الرواية، ولكنّنا تعرّفنا على معالم حياته، عبر مرافقتنا لرحلة دفنه المعقدة في الرواية.

الاغتراب

رغم قيمة وصف وتحليل ماركس لمفهوم الاغتراب أو "الاستلاب" في إطار المجتمعات الرأسمالية، فإنّ إضاءات عالم النفس الألماني الأمريكي إريك فروم على المفهوم، وإضفاء لمسة علم نفس عليه، مكّنت البشر من التعرّف عن كثبٍ على وحشٍ يتآكلهم من الداخل. هذا الوحش بدا في صورةٍ كافكاويةٍ على غرار الموظف (ك) في المحاكمة، فبطلنا ورغم بروز نوازعٍ قيميةٍ لديه في معالجة حال السيدة (أ) مثلاً، فإنّنا شاهدنا نوازعه تضيع أدراج الرياح في ظل منظومةٍ بيروقراطية عزّزت من دور الاغتراب، بحيث جعلت منه مؤسسة بإمكانها  تحديد من يموت ومن يعيش، طالما كانت وفية للتعامل مع القيمة الرقمية للإنسان، لا القيمة المعنوية والمادية (الوجود المادي) له.

رواية شادي لويس هذه تحتاج لتركيز مضاعف أحياناً لمتابعة أحداثها نعم، ولكنّها كذلك روايةٌ تضيف قيمةً للقارئ، تمكّنه من الاطّلاع على جزء من المشاكل المزدوجة التي يمرّ بها مهاجرو أوطاننا، بعيداً عن المديح الذي يكيله الليبراليون لأنماط الحياة في الغرب، دون أدنى شك حتى في قيمة أنماط الحياة هذه، أو محاكمتها عقلانياً، أو حتى إضفاء معالم إنسانية عامة قابلة للنقد فيها.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ياسر المعادات
مدرس وكاتب أردني
مدرس وكاتب أردني
تحميل المزيد