منذ انتشار الأخبار ومقاطع الفيديو عن محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في حشد جماهيري بولاية بنسلفانيا، عادت مشاهد وقصص محاولات اغتيال الرؤساء والسياسيين والمشاهير.
وقد أعاد ذلك قصة محاولة اغتيال الملك تشارلز التي حدثت في أستراليا قبل 30 عاماً، حينما كان وريثاً للعرش ولم يتوج بعد ملكاً للمملكة المتحدة.
لكن؛ انتشار مقطع فيديو من حادثة الاغتيال هذه أثار كثير من السخرية عن عدم مبالاة الأمير (حينها) تشارلز باقتراب أحدهم منه بهذه الدرجة مشهراً سلاحه في وجهه.
خصوصاً؛ أنه يسمع في الفيديو صوت إطلاق رصاصتين بينما كان تشارلز يلقى خطاباً في أستراليا، التي لا تزال تخضع للتاج البريطاني. لكن رد فعل الملك تشارلز (الأمير حينها) وحتى حرسه كانت مفاجئة بعض الشيء، فما الذي حدث في ذلك اليوم؟
محاولة اغتيال الملك تشارلز
في يناير/كانون الثاني 1994، زار الأمير تشارلز أستراليا للاحتفال باليوم الوطني لأستراليا (في 26 يناير). لم ترافقه الأميرة ديانا في هذه الرحلة، إذ كان الزوجان قد انفصلا رسمياً في العام 1992.
عندما تم الإعلان عن زيارة تشارلز في الشهر الذي سبقها، كتب الطالب الجامعي ديفيد كانغ البالغ من العمر 23 عاماً رسالة إلى الأمير يطلب منه فيها زيارة مركز احتجاز فيلاوود خلال جولته.
مركز احتجاز فيلاوود كان منشأة هجرة تحتجز 300 لاجئ كمبودي، هاجروا إلى أستراليا بالقوارب.
الشاب كتب في خطابه عن اعتقاده بأن الأطفال المولودين في المركز "يعانون على يد السلطات الرسمية للهجرة"، ووصف المنشأة باعتبارها "معسكر اعتقال حديث".
وصل الشاب كانغ رداً من أحد السكرتارية الخاصة بالأمير من قصر سانت جيمس قبل أن يسافر تشارلز إلى أستراليا، وكان الرد يدور حول تفهم تشارلز لمشاعره، لكن هذه المسألة "لا يُمكنه أن يتورط فيها بشكل مباشر وشخصي".
فيما أشارت صحيفة The Mirror البريطانية إلى أن كانغ كتب حوالي 500 رسالة عن اللاجئين إلى الصحف ورجال الكنيسة وزعماء العالم، بما في ذلك الرئيس الأمريكي (حينها) بيل كلينتون، بالإضافة إلى الرسالة التي أرسلها لتشارلز.
قصة الشاب لم تنته هنا، إذ ظهر الشاب نفسه فجأة خلال إلقاء تشارلز خطاباً عن الروابط المشتركة بين بريطانيا وأستراليا، وذلك في حديقة تومبالونغ في دارلينج هاربور في العاصمة سيدني.
بينما كان الأمير يقترب من المنصة لبدء خطابه أمام 20 ألف شخص، صعد شاب (كانغ) من الحشد إلى المسرح، مشهراً سلاحه، وأطلق رصاصتين.
يبدو أن الشاب تعثر على المنصة، قبل أن يلتف ويقع ويبدأ الحرس ورجال الأمن في القفز فوقه لتقييده ثم اعتقاله.
لم يتضرر الأمير تشارلز، إلا أن منصة الخطابة سقطت أرضاً، ووسط كل هذا كان الأمير الويلزي، كان يبلغ من العمر حينها 45 عاماً، ينظر إلى المشهد بكل هدوء، ولم يتحرك قيد أنملة.
استمرت جولة تشارلز، رغم أن رئيس وزراء أستراليا (حينها) بول كيتنغ اعتبر الحدث "محرجاً للبلاد"، لوصول شخص بهذا القرب من ولي العهد البريطاني، حتى لو لم يؤذه.
المسدس كان فارغاً، والشاب أراد التظاهر بطريقته!
بعد اعتقال كانغ؛ تبين أن المسدس كان فارغاً من الرصاص، وأن ما فعله الشاب كان محاولة منه للفت الانتباه لقضية أخرى آمن بها.
إذ تبين أن هذه المحاولة "للاغتيال" ما هي إلا تظاهرة سياسية لم يقصد منها إلحاق الأذى بالأمير، كما أشارت مجلة Newsweek الأمريكية.
إذ قال محامو كانغ في المحكمة إنه كان يهدف إلى الترويج لمحنة اللاجئين الكمبوديين في أستراليا.
كان اللاجئون الكمبوديون قد وصلوا بالقوارب إلى الشواطئ الأسترالية في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات لطلب اللجوء وتم إرسالهم إلى مراكز الاحتجاز، حيث طال أمد توطينهم في الأراضي الأسترالية، وفقاً لمكتبة State Library of New South Wales.
كانغ نفسه قال لاحقاً في مقابلة مع صحيفة Sydney Morning Herald الأسترالية إنه "لم يتعثر على المسرح، بل سقط عن عمد، لأنه لم يكن لديه أي نية لإيذاء أحد". وأشارت الصحيفة أيضاً إلى معاناة الشاب من الاكتئاب.
لا اتهامات بالقتل، عقوبة مجتمعية ثم العمل محامياً
هذا، ولم يتهم أو يُحاكم الشاب بتهمة محاولة القتل؛ بل وجدت المحكمة أنه مذنب بتهمة "التهديد بالعنف غير المشروع".
كما قال المدعي أثناء محاكمته في محكمة الصلح المركزية في سيدني، إنه أشار في رسائله للشخصيات السياسية والصحف إنه "مستعد للموت في سبيل قضية اللاجئين الكمبوديين".
فيما حكم على الشاب المتهم في "محاولة اغتيال الملك تشارلز" بالسجن لمدة 500 ساعة في أعمال مجتمعية، كما أشار موقع مجلة People الأمريكية.
وقد أصبح الشاب محامياً بعد ذلك، إذ اعتبرت جمعية المحامين في نيو ساوث ويلز أن كانغ "شخص لائق وصحيح" وقبلته كمحامٍ في العام 2004، وفقًا لتقرير شبكة ABC الأسترالية.
وقال لصحيفة Sydney Morning Herald في العام 2005، إن ما حدث قبل 11 عاماً من الحوار كان "تجربة مؤلمة للغاية".
فيما أضاف "التفكير في الأمر حتى الآن يزعجني قليلاً… ما حدث في ذلك الوقت كان مؤلماً للغاية، وكان له تأثير مزعج بشدة على عائلتي".
لكنه أشار إلى استمرار حياته بصورة طبيعية بعد قضاء عقوبته.