في عام 2021 قدمت نتفليكس مسلسل Maid، والذي حقق نجاحاً كبيراً جماهيرياً، وعلى مستوى النقاد، قدم المسلسل قصة شابة عزباء مع طفلتها الرضيعة ومعاناتهما مع الفقر وحياة التشرد، واضطرار الأم للعمل في تنظيف المنازل من أجل إعالة نفسها وابنتها.
المسلسل مأخوذ من كتاب نُشر عام 2019 بعنوان مشابه لاسم المسلسل "Maid: Hard Work, Low Pay, and a Mother's Will to Survive" أو "الخادمة: العمل الشاق، والأجر المنخفض، وإرادة الأم في البقاء"، من تأليف ستيفاني لاند، وهي صاحبة القصة والشخصية الحقيقية بطلة المسلسل.
عاشت ستيفاني قصة مأساوية لسنوات، ولكنها لم تستسلم واستطاعت تحقيق ذاتها وإنجاز أكثر مما كانت تحلم به، وتصبح قصتها مصدر إلهام للكثيرين، وتتحول بين ليلة وضحاها من أم عزباء مشرّدة، إلى واحدة من أشهر المؤلفين وكتاب المقالات في العديد من المواقع الصحفية المعروفة.
رفضت إجهاض جنينها فكان مصيرها التشرد.. التشابه والاختلاف بين حياة ستيفاني لاند ومسلسل Maid
كما هو الحال في مسلسل Maid، كانت "ستيفاني لاند" بطلة القصة الحقيقية لا تزال فتاة شابة عندما كانت حاملاً بابنتها، ولكنه كان حملاً غير مخطط له، ولم تكن متزوجة من والد الطفلة. كانا يعرفان بعضهما البعض لمدة 4 أشهر فقط.
كان "صديق" ستيفاني منزعجاً من قرارها الاحتفاظ بالطفل، وحاول في البداية إقناعها بلطف
بالتخلص من الجنين، ولكن حين أخبرته ستيفاني بأنها ستحتفظ بالطفل ولن تقوم بعملية الإجهاض اختلف تعامله معها كلياً. وتقول ستيفاني "كان غضبه وكراهيته تجاهي مخيفاً".
وعلى غرار ما حدث في المسلسل، تحولت علاقة "ستيفاني لاند" مع والد ابنتها مسيئة عاطفياً. قالت إنه تحول تدريجياً ليصبح عنيفاً. وكانت البداية بأشياء وتهديدات عنيفة، مثلاً كان يلكم الأريكة بجوار رأسها بينما كانا يتجادلان.
دفعها ذلك إلى الاتصال بالسلطات والبحث عن المساعدة؛ خوفاً من أن يتطور الأمر للعنف الجسدي المباشر. وتم نصحها بالاتصال بالشرطة للحصول على الحماية، لكنها كانت مترددة ورافضة للفكرة،
وبعد إنجابها طفلتها الصغيرة اتخذت قرارها بالاتصال بالشرطة.
وقررت بعدها ستيفاني مغادرة المنزل مع طفلتها، التي كانت تبلغ في ذلك الوقت حوالي 9 أشهر، وكان ذلك قراراً صعباً غيّر حياتها رأساً على عقب، قدمت ستيفاني طلب مساعدة مالية من الحكومة من أجل شراء الطعام لها ولطفلتها، وعاشت في ملجأ للمشردين.
قالت "لاند" إن قرارها بإدخال السلطات الحكومية في وضعها كان له تقلبات. وإنه في جلسة علنية تم إلقاء اللوم عليها لأنها تركت ما اعتبروه "علاقة مستقرة". تقول لاند: "كان يُنظر إليَّ كشخص سيئ؛ لأنني أخرجت ابنتي من بيئة مستقرة نوعاً ما، وأصبحنا الآن بلا مأوى".
6 سنوات من العمل الشاق لتوفير لقمة العيش لها ولابنتها
حاولت لاند الحصول على وظيفة لتستطيع أن تعيل بها نفسها وطفلتها الصغيرة، وأن تستأجر شقة ليعيشا فيها معاً، لأن الملجأ الذي عاشت فيها لن يسمح لها بالبقاء أكثر من 3 أشهر، فبدأت بتنظيف البيوت.
وتم توظيفها في إحدى الشركات، وكانت تتقاضى 20 دولاراً في الساعة من أصحاب المنازل المطلوب تنظيفها، ولكن كانت الشركة تعطي ستيفاني 8 دولارات، وسُمح لها بالعمل 6 ساعات في اليوم فقط.
استطاعت ستيفاني توفير مبلغ لاستئجار منزل صغير لها ولطفلتها، ولكن خلال فترة وجودهما هناك، كانت ابنتها مريضة للغاية، وتصاب باستمرار بالتهابات الجيوب الأنفية والتهابات الأذن والعين.
وعانت ستيفاني نفسها من أمراض تنفسية وسعال شديد، وكانت مريضة باستمرار. وأدركت في النهاية أن جدران البيت مليئة بالعفن. وهذا ما سبب لهما المرض.
عملت ستيفاني لعامين في تنظيف المنازل، وبمرور الوقت، تعاملت مع عملاء خاصين بها بعيداً عن الشركة التي كانت تعمل بها، وأصبح لديها العديد من الزبائن وتمكنت في النهاية من ترك العمل لدى الشركة تماماً والعمل لحسابها الخاص.
من خلال عملها استطاعت ستيفاني توفير مبلغ أكبر لاستئجار منزل أفضل قليلاً، لكن طموحها لم يتوقف هناك، وأرادت أن تصنع شيئاً مهماً من نفسها، وأن تحمي مستقبل طفلتها.
من تنظيف المنازل لمؤلفة أفضل الكتب مبيعاً
في عام 2008 استطاعت ستيفاني لاند أن تجمع مبلغاً صغيراً، وأن تحصل على قرض دراسي للالتحاق بالجامعة. والتحقت ببرنامج الكتابة الإبداعية لتلاحق شغفها بأن تصبح كاتبة. وبعد حصولها على شهادتها في عام 2014، أصبحت لاند زميلة في مركز التغيير المجتمعي بواشنطن العاصمة.
بالإضافة لخبرتها بالتنظيف، كانت ستيفاني تتمتع بموهبة الكتابة، فقررت محاولة إرسال مقالات لعدد من المواقع الصحفية، وهنا كانت حياتها على وشك أن تتغير 180 درجة. وعندما انتشر مقالها الأول على نطاق واسع، كانت صدمتها كبيرة عندما حصلت على مبلغ مالي مقابل المقال لم تكن تستطيع الحصول عليه في أسبوع من عملها في تنظيف المنازل.
قالت ستيفاني لموقع TODAY: "لقد تلقيت مبلغاً قدره 500 دولار مقابل هذا المقال، واعتقدت أنني قد فزت بالجائزة الكبرى.. اعتقدت أنه كان خطأ".
بعد فترة وجيزة، تم الاتصال بها للحصول على صفقة كتاب وتمكنت من ترك وظائفها الأخرى.
سلط الكتاب الضوء على واقع الأشخاص الذين يعيشون في العمل الخدمي منخفض الأجر من سكان في أمريكا، والذي تشير إليهم مؤلفة الكتاب على أنهم "غير مرئيين".
وأصبح الكتاب حينها الأكثر مبيعاً في النيويورك تايمز لـ9 أسابيع متتالية، ولفت انتباه شخصيات كبيرة ومعروفة مثل الرئيس السابق باراك أوباما ونائبة الرئيس كامالا هاريس، وتم تحويل قصة ستيفاني إلى مسلسل "Maid" الذي نال استحسان النقاد. واجتذب جمهوراً تجاوز 67 مليوناً في الأسابيع الأربعة الأولى، وحصل على ترشيح لجائزة غولدن غلوب 3 مرات.
وفي النهاية نجحت ستيفاني لاند، والتي كانت يوماً ما مشردة لا تملك ثمن وجبة عشاء، لتحقق حلمها بأن تصبح كاتبة معروفة وناجحة، وتستطيع شراء منزل جديد لها ولابنتها، ونشرت كتابها الثاني، "الفصل"، والذي ناقش طبيعة التعليم العالي التي يتعذر الوصول إليه بالنسبة للسكان ذوي الدخل المنخفض.