عندما تم إلقاء القبض عليه عام 1977، بتهم اختطاف واغتصاب 3 نساء في حرم جامعة أوهايو، اكتشف المحققون أن بيلي ميلجان كان يعاني من "اضطراب تعدد الشخصيات"، وهو أمر لم يكن غريباً؛ كون الأمراض النفسية مثل انفصام الشخصية أو "اضطراب تعدد الشخصيات" كانت معروفة في ذلك الوقت.
لكن الغريب أن بيلي لم تكن لديه شخصيتان أو 3، ولكن 24 شخصية مختلفة! ولكل واحدة منها وعيها وذكرياتها الخاصة، وحتى طريقة تصرفات مختلفة، قالت إحدى الضحايا إن بيلي ميلجان تصرّف كفتاة تبلغ من العمر 3 سنوات.
وأخبرت الضحية الثانية المحققين أن المغتصب كان له لكنة ألمانية، رغم أن ميلجان وُلد في فلوريدا، ولم يزُر ألمانيا في حياته، وقالت أخرى إن المغتصب كان لطيفاً بما يكفي، لدرجة أنها ربما فكرت في مواعدته في ظروف مختلفة.
وإليك تفاصيل حالته الغريبة التي أقنعت القضاء بأنه ارتكب تلك الأفعال، ولكنه كان بريئاً في الوقت نفسه.
حياة بيلي ميلجان القاسية سبّبت له اضطراب تعدد الشخصيات
كان المرض العقلي موجوداً في عائلة ميلجان. توفي والده الذي عانى من الاكتئاب وإدمان الكحول منتحراً، عندما كان ميلجان في الرابعة من عمره، وتزوجت أمه من رجل آخر.
وخلال تقييماته النفسية قبل محاكمته، زعم ميلجان أن زوج أمه كان يعتدي عليه جنسياً، ويقوم بتعذيبه بدفنه حياً وتعليقه من أصابع قدميه. وجادل الأطباء النفسيون بأن هذه الصدمة تسببت في زيادة حالة ميلجان وظهور شخصيات مختلفة.
عندما كان بيلي ميلجان في المدرسة الثانوية، وضع في مستشفى للأمراض العقلية الحكومية، حيث تم تشخيصه بالعصاب الهستيري، لكن طُرد من المستشفى بعد ثلاثة أشهر، لأن سلوكه كان شديد الاضطراب، وطُرد من المدرسة الثانوية عام 1972، فقرر الانضمام إلى البحرية، فتم طرده بعد شهر واحد، لأنه لم يستطع التكيف مع حياة البحرية.
الحياة الإجرامية لبيلي ميلجان
عام 1972، وفي نفس العام الذي طُرد فيه بيلي من البحرية، تم اتهامه بالاغتصاب هو وصديقه، قال ميلجان وصديقه إن النساء كنّ بائعات هوى، وما حصل أن ميلجان لم يدفع لهن المال، وجد قاضٍ أن ميلجان وصديقه مذنبان، وقضى ميلجان ستة أشهر في السجن.
بعد خروجه من السجن تورّط أيضاً في عدة جرائم سطو مسلح، وسرقات، وفقاً لكتاب عنه بدأت إحدى شخصياته العمل حارس أمن لتاجر مخدرات وأسلحة.
في 14 أكتوبر /تشرين الأول 1977، ارتكب أول جريمة ستكشف قصته المظلمة، صوّب ميلجان مسدساً نحو طالبة في جامعة أوهايو، وأخذها من موقف للسيارات بالحرم الجامعي إلى منطقة معزولة واغتصبها.
بعد أسبوع من جريمته الأولى اغتصب طالبة ثانية، وبعد 5 أيام فقط من الجريمة الثانية اغتصب امرأة ثالثة، وبعد يومين فقط تعرّفت إحدى الضحايا على صورة بيلي ميلجان، من ضمن المشتبه بهم والمسجلين لدى الشرطة، وتم القبض عليه.
"اضطراب تعدد الشخصيات" وشخصيات بيلي ميلجان المختلفة
أثناء التحقيق لاحظ رجال الشرطة وكأنهم يتعاملون مع عدة أشخاص، وليس شخصاً واحداً، كان أسلوب ميلجان في الكلام يتغير، وحتى لكنته وطريقة جلوسه، في البداية ظنّ المحققون أنه يُمثل، فكان يتكلم معهم بثقة مفرطة تارة، ثم يتحدث كصبي صغير، وحتى كأمرأة تارة أخرى، فتقرر عرضه على مختصين في أمراض انفصام الشخصية.
تم تقييمه من قبل تسعة متخصصين مختلفين في الصحة العقلية، قرروا أنه لم يكن يُمثّل، وإنما كان يعاني من "اضطراب تعدد الشخصيات"، وتقرّر تحويله لمستشفى الأمراض النفسية لفحص حالته بشكل مكثف، وهناك بدأت الحقائق الصادمة تتضح شيئاً فشيئاً.
في المستشفى اكتشف الأطباء أن بيلي ميلجان كان يعاني من "اضطراب تعدد الشخصيات" منذ كان عمره 5 سنوات فقط، وكان لديه حينها 3 شخصيات "الفتى بدون اسم" و"كريستين" و"شون"، ومع استمرار الصدمات في حياته ازداد عدد هذه الشخصيات.
في وقت لاحق اكتشف طبيب نفسي يُدعى "ديفيد كول" 14 شخصية إضافية، بما في ذلك "آرثر"، وهو رجل إنجليزي متوتر، وخبير في العلوم والطب وأمراض الدم، و"ألين"، وكان شخصية متلاعبة، و"تومي"، فنان الهروب والمتخصص في التكنولوجيا.
وحتى شخصية تدعى "راغن فاداسكوفينيتش"، شيوعي يوغوسلافي، وكان هو المسؤول عن السرقات التي ارتكبها ميلجان، وشخصية "أدالانا" شابة خجولة وحيدة تبلغ من العمر 19 عاماً، زُعم أنها هي من ارتكبت عمليات الاغتصاب "لأنها أرادت أن تشعر بالقرب من شخص ما".
مع استمرار فحص بيلي في مستشفى للأمراض العقلية، اكتشف الأطباء أن لديه ما مجموعه 24 شخصية مختلفة، بما في ذلك شخصيته الحقيقية، وقسموا هذه الشخصيات إلى فئتين: مرغوب فيها، وغير مرغوب فيها.
كانت هناك شخصيات متحكمة، والأقوى بينها، وحملت أسماء "بيلي آرثر" و"راغن"، ويمكن أن يتشارك آرثر وراجن الوعي معاً، وهما اللذان وضعا القواعد للشخصيات الباقية من ضمن الشخصيات المرغوب فيها، بينما لم تتبع الشخصيات الـ13 "غير المرغوب فيها" القواعد التي وضعها آرثر وراغن.
الحصول على البراءة لأول مرة بسبب "اضطراب تعدد الشخصيات"
مع ماضيه الموثق من الأمراض النفسية قبل ارتكاب جرائم الاغتصاب، وشهادة الأطباء، أظهرت الأدلة أن ميلجان ارتكب الجرائم، ولكنه أيضاً لم يكن مسؤولاً عنها.
وقررت المحكمة أنه غير مذنب بسبب حالة الجنون، وتقرر إرساله إلى مركز الصحة العقلية، ليبقى تحت الإشراف الطبي. فكان أول متهم على الإطلاق يُثبت أنه غير مذنب، بسبب اضطراب تعدد الشخصيات.
أثناء العلاج، حاول الأطباء جمع شخصيات بيلي في شخصية واحدة، سرعان ما أدركوا أن بيلي قد فعل ذلك بالفعل سابقاً دون أن يعلم. وكان لديه شخصية اسمها المعلم، جمعت كل الشخصيات وتحكمت بها، لكنها ظهرت في أجزاء قليلة جداً من حياته.
وحاول الأطباء جعلها تظهر وتسيطر أكثر، بعد فترة وجيزة من ظهور شخصية المعلم، حصل ميلجان على إجازات غير خاضعة للإشراف من المستشفى. ما أثار انتقادات المشرعين بالولاية وسكان المدينة، لتتراجع شخصية المعلم، وعادت شخصيات ميلجان المتعددة إلى الظهور.
في عام 1988، اتفق الخبراء على أن ميلجان أصبح قادراً على العيش بشكل طبيعي، وتم إطلاق سراحه من مستشفيات أوهايو للأمراض العقلية بعد 11 عاماً. وبقي تحت الرقابة لثلاث سنوات، وفي عام 2014 توفي ميلجان وشخصياته بسبب مرض السرطان، عن عمر ناهز 59 عاماً.