قاد مقاومة شعبه 35 عاماً.. “جيرونيمو” زعيم الهنود الحمر ونهايته المأساوية على يد أمريكا

عربي بوست
تم النشر: 2023/01/17 الساعة 16:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/17 الساعة 20:09 بتوقيت غرينتش
جيرونيمو/ Wikimedia Commons

"على الرغم من أنني كبير في السن، إلا أنني أحب العمل ومساعدة شعبي بقدر ما أستطيع"، كتب جيرونيمو، محارب قبيلة الأباتشي الأسطوري، هذه الكلمات وهو في الأسر، بعد أن قضى أكثر 35 عاماً من حياته يقاوم ويدافع عن شعبه.

كان جيرونيمو يقاتل المكسيكيين الذين ذبحوا عائلته، وفي نفس الوقت طارده الأمريكيون باستمرار، وقبضوا عليه أكثر من مرة، لكنه كان يهرب من الأسر، حتى في المرة التي وافق فيها على السلام بعد ضغوط من زعماء قبيلته، غدرت به الحكومة الأمريكية وسلبت أرضه ومنحتها للبيض.
فما كان منه إلا حمل السلاح، وطارده ربع الجيش الأمريكي حينها، وتمكنوا من أسره للمرة الأخيرة، ليتحول المحارب والزعيم الذي كان يعيش هو ورفاقه في أراض واسعة وخصبة إلى أسرى، وأمضى آخر 23 سنة من حياته، يتم عرضه في العروض الترفيهية لتسلية البيض.

الزعيم "جيرونيمو" خلاف على أصل الاسم

وُلد الرجل الذي سيصبح الزعيم الهندي الأكثر شهرة عام 1829 ضمن قبيلة الأباتشي، والتي سكنت الأراضي التي تُعرف اليوم بولايات نيو مكسيكو وأريزونا. خامس وسادس أكبر ولايات أمريكية اليوم. عند ولادته كان اسمه "جويكلا" والتي تعني الشخص الذي يتثاءب بلغة قبيلة الأباتشي.
أما "جيرونيمو" فهو لقب عُرف به عندما كان شاباً وقاد غارات الأباتشي ضد المكسيكيين الذين كانوا يغزون أراضي قبيلة الأباتشي. ومصدر الاسم لا يزال موضع نقاش.
يعتقد بعض المؤرخين أنها نشأت من صراخ الجنود المكسيكيين المذعورين، للقديس "جيروم الكاثوليكي"، عند معرفتهم بوجود "جويكلا" المحارب الشجاع في ساحة المعركة، بينما يجادل آخرون بأنه كان مجرد لقب مكسيكي أو خطأ لفظي لاسم "جويكلا".

جيرونيمو
سجناء من قبيلة الأباتشي/ Wikimedia Commons

بغض النظر عن أصل اسم "جيرونيمو"، فبعد سنوات طويلة من وفاته، أصبح رمزاً للشجاعة خلال الحرب العالمية الثانية ، وصرخ المظليون "جيرونيمو!" قبل أن يقفزوا من الطائرات، إشارة إلى شجاعته.

عندما كان طفلاً، كان على رأس جيرونيمو وأي طفل من قبيلته مكافأة مالية، تساوي 200 دولار مقدمة من الحكومة المكسيكية. مع أنه لم يقم بأي عمل ضدهم، ولم يرتكب أي ذنب سوى أنه كان من قبيلة الأباتشي، الذين كان عليهم أن يدافعوا عن أنفسهم ضد الجيش المكسيكي والأمريكي في نفس الوقت.
فوضع الجيش المكيسكي مكافأة لأي شخص يقتل أفراد قبيلة الأباتشي، بينما كان الجيش الأمريكي يقوم بحرق قراهم وتهجيرهم.
في سن 17 عاماً أظهر جيرونيمو شجاعة كبيرة كصياد، وكان معروفاً بين قبيلته بقدرته على الصيد وشجاعته، وكان أيضا معالجاً تقليدياً بين أبناء قبيلة الأباتشي، وتزوج وأنجب 3 أطفال، بعد علاقة حب طويلة، وعاش حياته بهدوء رغم الظروف الصعبة، وهجمات الجيش الأمريكي والجيش المكسيكي.

قتلوا زوجته وأطفاله فقرر جيرونيمو حمل السلاح ضد جيش المكسيك

في صيف عام 1851، تغيرت حياة جيرونيمو للأبد. وتحول الرجل اللطيف المسالم، إلى محارب دموي شديد العزم على الانتقام. وتشتعل في قلبه نار لا تنطفئ لقتل أعداءه.

جيرونيمو
جيرونيمو يحمل القوس والسهم / Wikimedia Commons

خلال فترة الصراع المرير بين الأباتشي والمكسيكيين. كان أفراد من قبيلة الأباتشي يشنون غارات على المستوطنات المكسيكية والمزارع القريبة، لجمع الخيول والمؤن، فقرر الجيش المكسيكي الإغارة على مخيمات قبيلة الأباتشي.
وبينما كان جيرونيمو والعديد من رجال قبيلته في رحلة تجارية،  قام الكولونيل المكسيكي "خوسيه ماريا كاراسكو"، ومفرزة من حوالي 400 جندي مكسيكي بنهب المخيم الذي يعيش فيه جيرونيمو وعائلته، فحرقوا خيمهم وذبحوا العديد من سكان المخيم من النساء والأطفال.
عندما عاد جيرونيمو في وقت لاحق من تلك الليلة، وجد والدته وزوجته وأطفاله الثلاثة قد قُتلوا جميعاً. قال في سيرته الذاتية عن تلك اللحظة: "لقد فقدت كل شيء".
بحزن شديد، أحرق جيرونيمو ممتلكات عائلته، وفقاً لتقاليد قبيلة الأباتشي، وتوجه حزيناً إلى أعماق الغابة، وعاد بعدها وادعى أنه سمع صوتاَ قال له: "لن يقتلك أي سلاح مطلقاً، سابعد الرصاص من البنادق عنك… وسأرشد سهامك".
بعد المجزرة، أقسم جيرونيمو على الانتقام من المكسيك، وسرعان ما طارد قتلة عائلته وقتلهم، ثم كرس حياته للانتقام. وقاد سلسلة من الغارات الدموية على جنود المكسيك ومستوطناتها. وذكرت بعض الروايات شجاعته وأسلوبه القتالي الشرس. فلم يكن يعرف كيف يطلق مسدساَ، لكنه كان يركض نحو عدوه في نمط متعرج، متجنباَ رصاصهم، حتى يقترب بما يكفي ليطعنهم بسكينه.

جيرونيمو
جيرونيمو/ Wikimedia Commons

لقد أخاف أعداءه المكسيكيين لدرجة أنهم بدأوا في الصراخ "جيرونيمو". يعتقد البعض أنهم كانوا يصرخون بالكلمة الإسبانية لجيروم،  وأنهم كانوا يطلبون المساعدة من القديس جيروم للهروب من غضب جيرونيمو.
كتب لاحقاً: "لقد قتلت العديد من المكسيكيين، لا أعرف كم العدد، بعضهم لا يستحق العد".

وقال أيضاً: "لم أشعر بالرضا مرة أخرى في منزلنا الهادئ". "لقد تعهدت بالانتقام من الجنود المكسيكيين الذين ظلموني، وكلما رأيت أي شيء يذكرني بالأيام السعيدة السابقة، كان قلبي يتألم للانتقام من المكسيك".

تشرد جيرونيمو وقبيلته ومقاومة الجيش الأمريكي

بعد نهاية الحرب المكسيكية الأمريكية، استولت الولايات المتحدة على مساحات كبيرة من الأراضي من المكسيك، بما في ذلك مناطق تابعة لقبيلة الأباتشي.
ومدفوعين باكتشاف الذهب في تلك الأراضي أو مصادرتها للزراعة، تدفق المستوطنون وعمال المناجم البيض إلى أراضي جيرونيمو بدعم وحماية من الجيش الأمريكي. وبطبيعة الحال، تصاعدت التوترات وصعَّدت أباتشي هجماتها، والتي تضمنت نصب كمائن على العربات والقطارات.

جيرونيمو
جيرونيمو ومحاربيه / Wikimedia Commons

لكن رجلاً يدعى "كوتشيس"، وهو أحد زعماء القبيلة وكان والد زوجة جيرونيمو، وشخصية حكيمة ومحترمة بين أفراد قبيلته ولدى جيرينمو أيضاً، توقع "كوتشيس" أن قبيلته لن تستطيع قتال الجيش الأمريكي للأبد، وأن الأطفال والنساء سيتم قتلهم، كما فعل الجيش المكسيكي سابقاً.
وفي عام 1872 دعا كوتشيس جيرونيمو إلى وقف حربه التي استمرت عقداً من الزمن مع الأمريكيين، ووافق على إنشاء محمية لشعبه، على قطعة أرض صغيرة من ممتلكات قبيلتهم. وترك الباقي للمستعمرين البيض، على شرط وقف الحرب بين الطرفين وترك الهنود الحمر يعيشون بسلام.

وافق جيرونيمو على الفكرة لأنه يحترم كوتشيس، لكن في غضون بضع سنوات فقط، توفي كوتشيس، ونكثت الحكومة الفيدرالية اتفاقها، ونقلت قبيلة جيرونيمو إلى أرض وعرة مختلفة، حتى يتمكن المستوطنون من الانتقال إلى أراضي المحمية التي تم تخصيصها للقبيلة بحسب الاتفاق، أدى هذا الفعل إلى إثارة غضب جيرونيمو، مما أدى إلى بدء جولة جديدة من القتال.

ربع الجيش الأمريكي يطارد جيرونيمو 

هرب جيرونيمو من المحمية مع بعض المحاربين الأشداء من قبيلته، وخلال العقد التالي كان يهاجم القوات الأمريكية، حتى ذاع صيته في كل البلاد وكتبت الصحف عنه، ورغم المطاردة المستمرة، ساعدته معرفته بالتلال المحيطة على الهرب من مطارديه.

ومع أنهم تمكنوا عدة مرات من القبض عليه، لكنه كان يتمكن من الهروب في كل مرة، وأصيب عدة مرات بالرصاص، لكنه كان يتعافى، حتى انتشرت الأسطورة أنه رجل لا يمكن قتله، فكانت الحكومة الأمريكية والجيش الأمريكي في موقف محرج وقرروا القبض عليه بأي ثمن.

جيرونيمو
جيرونيمو ومحاربيه قبل الاستسلام / Wikimedia Commons

في 1886، أجبر الجنرال "جورج كروك" جيرونيمو والذي كان عمره 56 عاماً على الاستسلام، ولكن في اللحظة الأخيرة، هرب جيرونيمو مع 40 من أتباعه تحت جنح الظلام. حينها قام خمسة آلاف جندي أمريكي، وهو ما يقرب من ربع الجيش النظامي و3000 مكسيكي بملاحقة الفارين.
صمد جيرونيمو وأتباعه لمدة 5 أشهر قبل أن يسلم نفسه بعد محاصرته، وانتهى الأمر بجيرونيمو ورفاقه الأسرى في السجن.

أمضى جيرونيمو أكثر من 14 عاماً اللاحقة في الأسر، ولم يُنقل من سجنه إلا من حين لآخر للرحلات التي وافقت عليها الحكومة، لعرضه في العروض الترفيهية تحت حماية مشددة، وعروض الغرب المتوحش، حيث تم عرض الزعيم الذي لا يهزم في يوم من الأيام للزوار شأنه شأن العروض المسرحية.

جيرونيمو
صورة جيرونيمو عام 1905 / Wikimedia Commons

وحتى تم جلبه في حفل تنصيب الرئيس ثيودور روزفلت، وخلال وجوده مع روزفلت في البيت الأبيض، حاول جيرونيمو الدفاع عن قضيته. وطلب من الرئيس السماح له وأتباعه بالعودة إلى أراضي أجدادهم.
ناشد جيرونيمو والدموع في عينيه "افتحوا الحبال من أيدينا". ورد روزفلت أن جيرونيمو لديه "قلب سيئ" وأنه وشعبه "ليسوا هنوداً صالحين". ورفض طلبه.

وفاة جيرونيمو وسرقة جمجمته من جمعية سرية

بعد 35 عاماً من الكفاح والمقاومة، أمضى الزعيم الشجاع، آخر 23 عاماً من حياته أسير حرب. وتوفي بسبب الالتهاب الرئوي في 1909، وكانت كلمات جيرونيمو الأخيرة قبل الموت: "ما كان يجب أن أستسلم أبداً. كان يجب أن أقاتل حتى النهاية".

جيرونيمو
قبر جيرونيمو / Wikimedia Commons

حتى بعد وفاته لم يتركوا جيرونيمو يرتاح في قبره، وقام "بريسكوت بوش"، عام 1917، وهو والد الرئيس الأمريكي الأسبق "جورج بوش"، وجد الرئيس جورج بوش الابن، بمساعدة مجموعة من أصدقائه، بنبش قبر "جيرونيمو" وسرقة جمجته.

بهدف وضعها في مقر جمعية "الجمجمة والعظام" السرية، التي ينتمي لها بريسكوت بوش وابنه وحفيده، ولا تزال جمجمة جيرونيمو لغاية اليوم من بين الآثار التي تحتفظ بها أخوية "الجمجمة والعظام" في مقرها، وفي عام 2009، رفع أحفاد جيرونيمو دعوى قضائية لتسليم الجمجمة إليهم لكن دون جدوى.

تحميل المزيد