في تاريخ كلّ بلد شخصيات تاريخية، منها من يذكر حتّى الآن بسيرته العلميّة أو السياسيّة أو غيرها، فيما البعض الآخر سجَّله التاريخ في دفاتره السوداء.
أحد هؤلاء الشخصيات في التاريخ المغربي يدعى "التهامي الكلاوي" أو كما لقّبه الاحتلال الفرنسي "سيد الأطلس". كان والياً لمدينة مراكش خلال أوائل القرن العشرين، وقرَّر دعم الاحتلال في مواجهة أبناء بلده، ورفض الوقوف إلى جانب حزب الاستقلال الذي كان يسعى إلى تحرير المغرب من الفرنسيين.
التهامي الكلاوي.. حفيد شيخ قبيلة يعمل في "المخزن"
وُلد التهامي الكلاوي سنة 1879 في منطقة نهر تساوت جنوب المغرب، وكان أحد أفراد عائلة "الكلاوة" الأمازيغية. تولّى جد التهامي أحمد المزواري الكلاوي شيخ القبيلة في أواخر القرن التاسع عشر وكان ذلك بمثابة نجاح لآل الكلاوي، وذلك لأنّه أول شخص يتولى منصب الشيخ في العائلة.
تلقى الكلاوي تعليماً دينياً بمسجد القبيلة ثم انتقل إلى منطقة "أوريكا" القريبة من مدينة مراكش؛ حيث حفظ القرآن وتلقى بعض العلوم في اللغة والدين، لم يكمل التهامي دراسته بسبب الظروف الصعبة التي كان يمر بها المغرب.
في سن الثامنة توفي والد التهامي ليقوم شقيقه الأكبر المدني الكلاوي بتربية أخيه التهامي، استطاع المدني وأخوه التهامي التقرُّب إلى السلطان مولاي عبد العزيز بعد اعتلائه العرش سنة 1894، بعد التجربة التي خاضها التهامي برفقة أخيه في "الحرْكات" المخزنية والتي كانت بمثابة تدريب وتطلع لحياة سياسية صارمة.
كانت أولى المعارك التي خاضها التهامي وهو في 15 من عمره لقمع قبيلة "ووزيك" المتمردة على السلطان، فيما خاض حرب "واد تيديلي" وهو في الثامنة عشرة من عمره، هذه التجارب زادته حنكة ودهاء في السياسة والحرب.
كانت الخبرة السياسية والحربية للتهامي السبب في سطو أخيه على كل من سوَّلت له نفسه قيادة المناطق المجاورة بأن يثور ويتمرد على النظام المخزني "الحاكم".
سنة 1906 قام الكلاوي بمحاربة القائد "الكندافي"؛ ما جعل هذا الأخير يتخلى عن كل من قبيلة "أونين" و"أزيوا" للكلاوي الذي كان تابعاً لنظام المخزن سنة 1910 كما زاد في التوغل في منطقة سوس جنوب المغرب.
الكلاوي والخلاف مع السلطة
حسب موقع "arab america"، قرر السلطان المغربي عبد الحفيظ بن الحسن سنة 1911 تجريد المدني الكلاوي الأخ الأكبر للتهامي وكل آل الكلاوي من مهامهم السياسية والإدارية والحربية، بسبب كثرة الشكايات التي توصل بها السلطان بخصوصهم.
هذا الأمر دفع الإخوة الكلاوي لاتخاذ الحماية الفرنسية ملاذاً وحليفاً لهم لضمان هيبتهم وسلطانهم وسط القبائل الأمازيغية شمال جنوب المغرب، هذه الخطوة مكنتهم من استرجاع هيمنتهم بسبب دعم الاحتلال الفرنسي.
بعد تمكنهم من التخلص من حركة المجاهد "أحمد الهيبة" وهو فقيه وشاعر ومجاهد في المغرب عقدت معه قبائل السوس "الأمازيغ" والصحراء البيعة أميراً للجهاد ضد الاستعمار الإسباني والفرنسي، تنازل السلطان عبد الحفيظ بن الحسن عن الحكم لأخيه يوسف بن الحسن.
قام السلطان الجديد يوسف بن الحسن بتعيين المدني الكلاوي الأخ الأكبر للتهامي صدراً أعظم – أي وزير حرب – فيما تم تعيين التهامي باشا مدينة مراكش سنة 1927.
استغلّ التهامي سلطته المطلقة المدعومة بمباركة السلطان والحماية الفرنسية؛ إذ قام بقمع كل من حاول الخروج عن أمره في المنطقة، الأمر الذي زاد ثقته في نفسه، إذ أصبح الآمر الناهي في المنطقة برمتها، إذ لا يُنفَّذ أمر إلا بإذنه.
كما لا يقبل أن يفتتح أحد تجارة إلا ويكون له نصيب منها، فأصبح الرجل ذا سلطان وجاه ومال لا يحصى، إلى درجة أن فاقت ممتلكاته ممتلكات السلطان نفسه بكثير، وذلك حسب ما جاء في وثائق رسمية حين تم الحجز عليها.
حسب كتاب "ليوطي، جوان، محمد الخامس، نهاية الحماية" للكاتب الفرنسي "كي دو لانوي" فإن ثروة التهامي تجاوزت حدود التجارة والعقارات، بالإضافة إلى الأراضي الفلاحية، كما كان يملك أزيد من 100 خادمة وجارية، بل وصل الأمر إلى درجة توسطه في مجال الدعارة والبغاء.
كان التهامي الكلاوي أكبر "بارونات الدعارة"؛ حيث كان يكلف أتباعه بمراقبة عدد كبير من دور الدعارة التي كانت تضم أزيد من 6 آلاف عاهرة، اللواتي كن ملزمات بدفع ما يناهز 100 فرنك فرنسي كل يوم مقابل الترخيص لهن بمزاولة ذلك؛ حيث امتدت شبكة تلك الدور أو ما كان يطلق عليه "البورديلات" إلى شمال المغرب وإسبانيا، وذلك لما لقوه من تشجيع من الباشا مقابل المال.
الكلاوي والصدام مع الملك محمد الخامس
في 23 ديسمبر/كانون الأول 1950 كان الملك محمد الخامس يستقبل الوفود من كل جهات المغرب، من سياسيين ورجال دولة، بمناسبة ذكرى المولد النبوي، كان من بين الوفود الباشا التهامي الكلاوي بصفته الرجل الثاني في البلاد بعد السلطة الحاكمة وأعضاء حزب الاستقلال.
كانت العلاقة بين الحزب والباشا والحماية الفرنسية علاقة عداوة، ما دفع الكلاوي إلى مخاطبة السلطان بشكل عدائي في هذه المناسبة.
كان السلطان يبدي اهتماماً كبيراً لحزب الاستقلال المناهض للاحتلال الفرنسي، ما دفع الكلاوي إلى أن يهاجم السلطان قائلاً: "لستم إلا ظل سلطان، لم تعودوا سلطان المغرب، أنتم سلطان حزب الاستقلال".
هذا الأمر دفع الملك محمد الخامس إلى طرد التهامي الكلاوي من قصره وإقالة أخيه من منصب الصدر الأعظم، الأمر الذي جعل الكلاوي يُقدِم على صرف وفود قبائله التي جاء بها قصد تجديد البيعة للسلطان، ثم إعلان الحرب على السلطان بعدها، ما عرف بـ"أزمة العرش الأولى" وكان ذلك في مستهل العام 1951.
أصدر التهامي الكلاوي في مايو/أيار 1953 بياناً معلناً فيه صداقته وإخلاصه للحماية الفرنسية مطالباً إياها بإبعاد السلطان محمد الخامس وإلا فلتستعد للرحيل، إذ قام بتعزيز المطلب بعريضة تضم 270 توقيعاً من باشوات وقادة تابعين له.
على أثر ذلك استغلّت الحماية الفرنسية هذا الموقف للتدخُّل ونفي محمد الخامس في 20 أغسطس/آب 1953 ونقله إلى جزيرة مدغشقر مع أفراد عائلته، هذا الأمر لم يتقبله الشعب المغربي؛ لتخرج حشود من النساء والأطفال وكهول وشيوخ إلى الشارع منادين بمطلب واحد موحد لا رجعة فيه: رجوع الملك إلى عرشه. فيما عُرف لاحقاً باسم "ثورة الملك والشعب".
بعد عودة الملك محمد الخامس من المنفى، مرّ في طريق عودته بفرنسا، هناك قدّم التهامي الكلاوي طلب العفو من الملك محمد الخامس، وتمّ العفو عنه.
توفي بعدها التهامي الكلاوي في يناير/كانون الثاني 1956 بعد صراع مع مرض سرطان المعدة، كما حصل المغرب على استقلاله بعد ثلاثة أشهر فقط من وفاة الكلاوي.