دعّم موسوليني ثم انقلب عليه .. فيكتور إيمانويل آخر ملوك إيطاليا الذي نُفي إلى مصر ودُفن بها 70 عاماً

تم النشر: 2022/11/12 الساعة 12:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/12 الساعة 21:03 بتوقيت غرينتش
فيكتور إيمانويل الملك الإيطالي ا الذي دفن بمصر 70 عاماً /wikipedia commons

حكم فيكتور إيمانويل الثالث مملكة إيطاليا طيلة 46 عاماً، سمح تقاعسه بصعود الفاشية لحكم إيطاليا، وشوّه دعمه لبنيتو موسوليني صورة الملكية الإيطالية، لدرجة أنه أدى إلى إلغائها في نهاية المطاف، ونفيّه إلى مصر التي دُفن بها 70 عاماً

صعد إلى الحكم فجأة وأدخل إيطاليا الحرب عنوة

وُلد فيكتور إيمانويل في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1869، بمدينة نابولي الإيطالية، وكان الطفل الشرعي الوحيد للملك الإيطالي أمبرتو الأول.

عندما كان طفلاً، قضى معظم وقته في عزلة عن أعين الجماهير، حيث كان يعاني من إعاقات جسدية أجبرته على ارتداء أدوات تقويم العظام، التي تقوي ساقيه، وكانت هذه الإعاقات سبباً في ضعف نموه، فقد كان قصيراً جداً لدرجة أن أطلق عليه القيصر الألماني، فيلهلم الثاني، لقب "القزم"، وأطلق عليه موسوليني على انفراد لقب "السردين الصغير". 

بسبب طفولته المنعزلة، اشتهر فيكتور إيمانويل بأنه خجول ومتحفظ، ولم يمنعه ذلك من تلقي تنشئة عسكرية ملكية وتهيئته للحكم.

في 29 يوليو/تموز 1900، اغتيل ملك إيطاليا، أمبرتو الأول؛ لينتقل العرش إلى ابنه فكتور إيمانويل، البالغ حينها من العمر 30 عاماً.

فيكتور إيمانويل
الملك الإيطالي فيكتور إيمانويل، آخر ملوك مملكة إيطالية /wikipedia commons

بحسب موسوعة الحرب العالمية الثانية، ظلت إيطاليا في البداية محايدة عند اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914، فقد عارضت الأغلبية داخل الحكومة الإيطالية دخول الحرب، ولكن الملك فيكتور إيمانويل الثالث كان له رأي آخر، فقد كان يأمل في الحصول على أراضٍ جديدة من النمسا والمجر، فدخل الحرب إلى جانب حلفاء الوفاق الثلاثي، فرنسا وروسيا وبريطانيا العظمى.

أدى الفساد وعدم التنظيم الذي ميّز الجيش الملكي الإيطالي إلى خسارة إيطاليا الحرب.

في أعقاب تلك الهزيمة، عانت إيطاليا من كساد اقتصادي كبيرٍ، تسبّب في زيادة عدم الاستقرار السياسي الذي شهدته إيطاليا، كما زاد انتشار التطرف بين الإيطاليين.

فكتور إيمانويل.. الملك الإيطالي الذي فضّل الفاشية على الاشتراكية

خلال تلك الفترة المضطربة في الساحة السياسية الإيطالية، رأى الحزب الفاشي، سريع النمو، وزعيمه بينيتو موسوليني الفرصة الذهبية للاستيلاء على السلطة.

في 24 أكتوبر/تشرين الأول 1922، أعلن موسوليني أن الفاشيين سيتقدمون في مسيرة إلى روما بقصد "السيطرة على الطبقة الحاكمة البائسة".

كانت الحكومة الإيطالية ورئيسها يخشيان أن يكون الانقلاب الفاشي وشيكاً، في تلك الأثناء، كان الملك فيكتور إيمانويل يقضي عطلته بمنزله في إقليم توسكانا الإيطالي، على أمل أن تحل الأزمة نفسها دون مشاركته.

بعد مزيد من الضغط والتعبئة التي قام بها موسوليني لأنصاره، أرسلت الحكومة الإيطالية برقية تطالب فيها بعودة الملك، وبعد 8 ساعات من تلقي البرقية، غادر الملك فيكتور إيمانويل الثالث مدينة توسكانا، وعاد في 27 أكتوبر/تشرين الأول إلى العاصمة روما.

كان تفسير الملك فيكتور إيمانويل عن تأخره، بأن لا أحد ألحّ عليه بالعودة ووضعه في صورة الأوضاع الجارية، وأمر فيكتور إمانويل بالدفاع عن روما بأي ثمن، كما طلب من رئيس الحكومة الإيطالية إصدار أوامر لإعلان الأحكام العرفية.

بناءً على أوامره، عقدت جلسة طارئة للحكومة الإيطالية، واتفقوا بالإجماع على طلب الملك، وقاموا بإعداد الإعلان.

كانت الخطوة الأخيرة المطلوبة هي توقيع فيكتور إيمانويل الثالث؛ ليصبح الإعلان ساري المفعول، وينقذ إيطاليا من شبح تصدر الفاشيين.

 ومع ذلك، لم يتلقَّ رئيس الحكومة أي استدعاء للقاء الملك، وفي خطوة مفاجئة، قام الملك فكتور إيمانويل بحلّ الحكومة ومنع إصدار الأحكام العرفية.

وبحجّة منع حدوث حربٍ أهلية، قام الملك فيكتور إيمانويل الثالث بتعيين بينيتو موسوليني رئيساً للحكومة الإيطالية.

الملك فيكتور إيمانويل مع موسوليني /wikipedia commons

كان الملك الإيطالي فكتور إيمانويل قد التقى موسوليني خلال الحرب العالمية الأولى، وكان أيضاً قارئاً لصحيفة موسوليني Il Popolo d'Italia، وتشكلت لديه رؤية حول موسوليني، كونه شخصية قوية يمكنه فرض النظام على إيطاليا ووضع حد للأزمات السياسية المستمرة.

وبالرغم من تقدير الملك لرئيس وزرائه الجديد، احتقر موسوليني الملك بشكل خاص.

في يونيو/حزيران 1924، كاد مقتل السياسي الاشتراكي والمعارض البارز للفاشيين، جياكومو ماتيوتي، أن يتسبب في سقوط موسوليني، فقد وجّه الكثير من الإيطاليين أصابع الإتهام لموسوليني في التورط في ذلك الاغتيال، وطالبوا الملك بإزاحة موسوليني من السلطة.

تجاهل الملك فكتور إيمانويل احتجاجات الطبقة السياسية، وأعلن دعمه لموسوليني، وكان تبريره في ذلك هو خشيته من استيلاء الاشتراكيين على السلطة بعد إزاحته لموسوليني، وذلك حسب تقرير لموقع spartacus-educational .

على مدار الثمانية عشر سنة التالية، كان الملك فيكتور إيمانويل الثالث يراقب من بعيد الساحة السياسية الإيطالية، بينما كان موسوليني الفاعل الرئيسي فيها.

لم يفعل فيكتور إيمانويل شيئاً لإيقاف الفاشيين، حتى حينما جعلوا جميع الأحزاب السياسية الأخرى غير قانونية في إيطاليا.

تدخل الملك مرة واحدة ضد الفاشيين، عندما حاول موسوليني إضافة رمز fasces إلى العلم. رأى فيكتور إيمانويل الإضافة على أنها عدم احترام لعائلته ورفض التوقيع على القانون.

بعد الغزوات الإيطالية الناجحة لإثيوبيا سنة 1935 و1936، بكى الملك الإيطالي فرحاً، سرعان ما زاد انتصار الإيطاليين في ألبانيا سنة 1939 من سعادته.

أصبح الملك فيكتور إيمانويل الثالث إمبراطوراً لإثيوبيا، وملكاً على ألبانيا. ولأنه لم يزر أياً منهما قط، فقد تخلى عن اللقبين في عام 1943.

دخل الحرب العالمية مع النازيين وخرج منها مع الحلفاء 

على عكس الحرب العالمية الأولى، عارض الملك الإيطالي فيكتور إيمانويل دخول إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، ولكنه لم يكن قادراً على منع موسوليني من إعلان الحرب على فرنسا وبريطانيا العظمى في يونيو/حزيران 1940، وذلك حسب تقرير لموقع rupert colley.

كان فيكتور إيمانويل يعتقد أن إيطاليا ليست مستعدة لخوض حرب، وأراد الانتظار لمعرفة الجانب المنتصر في الحرب لتأييده، بينما كان موسوليني مصراً على أن ألمانيا ستنتصر في الحرب، وأن هذا هو الوقت المناسب لإيطاليا لتحقيق مكاسب في أوروبا، وتصبح القوة المهيمنة في البحر الأبيض المتوسط.

بعد 3 سنوات، وفي 24 يوليو/تموز 1943، ومع تكبد إيطاليا للخسارة تلوى الآخرى، صوّت المجلس الفاشي الإيطالي الكبير بـ19 صوتاً مقابل 8 (مع امتناع 3 أعضاء عن التصويت )، على إعادة السلطات الدستورية الكاملة لفيكتور إيمانويل.

التقى فيكتور إيمانويل مع موسوليني للمرة الأخيرة التي طرد فيها موسوليني من منصبه واعتقله أثناء خروجه من المقر الملكي، قرر الملك مواصلة الحرب كجزء من قوى المحور، لكنه بدأ سرّاً مفاوضات مع الحلفاء باستخدام الفاتيكان كوسيط بينهما، وبعد إرسال العديد من الرسائل، بدأت المفاوضات الإيطالية مع الحلفاء في لشبونة بالبرتغال.

كانت العديد من مطالب الملك فيكتور إيمانويل غير واقعية، لقد أراد الاحتفاظ بالنظام الملكي، واستعادة إمبراطوريته الاستعمارية، وجعل الحلفاء يتعهدون بعدم غزو إيطاليا، كان الحلفاء على استعداد للسماح لفيكتور إيمانويل بالاحتفاظ بملكيته، لكنهم رفضوا جميع مطالبه الأخرى.

فيكتور إيمانويل
دخل فيكتور إيمانويل الحرب العالمية الثانية مع النازيين وخرج منها مع الحلفاء /wikipedia commons

في 8 سبتمبر/أيلول 1943، أعلن فيكتور إيمانويل الهدنة مع الحلفاء، سرعان ما تحولت القوات الألمانية الموجودة في إيطاليا إلى قوة احتلال.

فرّ فيكتور إيمانويل من روما خوفاً من اعتقاله من قبل الجيش الألماني، الذي بدأ في التقدم في إيطاليا لنجدة موسوليني.

 في 23 سبتمبر/أيلول من العام ذاته، نجحت القوات الألمانية في تحرير موسوليني من الأسر، وقامت بإعادته إلى الحكم عبر إنشاء دولة عميلة لألمانيا تحت مسمى الجمهورية الاجتماعية الإيطالية، والتي كانت تسيطر على شمال إيطاليا.

مع انقسام إيطاليا إلى قسمين، طلب الحلفاء من الملك إعلان الحرب رسمياً على ألمانيا، لكن الملك رفض في البداية إعلان ذلك، بحجة أنّ هذا القرار بحاجة إلى مصادقة البرلمان الإيطالي، على الرغم من أنه لم يطلب من البرلمان المصادقة على أي من إعلانات الحرب السابقة، وبعد ضغوط كبيرة، أعلن فيكتور إيمانويل الحرب على ألمانيا في 8 أكتوبر/تشرين الثاني 1943.

كانت قوات الحلفاء مترددة في العمل مع فيكتور إيمانويل وحكومته.

في 10 أبريل/نيسان 1944، ودون سابق إنذار، قام الملك فيكتور إيمانويل الثالث بنقل معظم سلطاته إلى ابنه ولي العهد الأمير أمبرتو.

وبعد تحرير روما من النازيين والفاشيين، أكمل فيكتور إيمانويل نقل ما تبقى من سلطاته إلى ابنه أمبرتو، لكنه لم يتنازل عن لقب الملك.

خلال الفترة المتبقية من الحرب، عاش فيكتور إيمانويل في فيلا ماريا بيا في بوسيليبو. ظل بعيداً عن الأنظار، ووفقاً لمذكراته، لم يزره ابنه سوى 3 مرات.

آخر ملوك إيطاليا الذي نفي إلى مصر ودُفن بها 70 عاماً

بعد انتصار الحلفاء وتحرير شمال إيطاليا، بدأت الحكومة الإيطالية في إعادة توحيد نفسها، ورغم ذلك، استمرت المشاعر المناهضة للملكية في النمو، فقد ألقى الكثير من الإيطاليين باللوم على العائلة المالكة بتسببها في سنوات عدم الاستقرار السياسي، مما سمح بظهور الفاشية والرعب الذي واجهته البلاد.

في عام 1946، قررت الحكومة الإيطالية إجراء استفتاء لتحديد ما إذا كانت إيطاليا ستصبح جمهورية، وفي 9 مايو/أيّار 1946، وقبل 3 أسابيع من موعد الاستفتاء، تنازل فيكتور إيمانويل عن عرشه على أمل تعزيز الدعم الملكي، والسماح لسلالته بالبقاء في السلطة، وذلك حسب الموسوعة البريطانية.

صعد ابنه أمبرتو إلى سدّة العرش الإيطالي، تحت اسم الملك أمبرتو الثاني، لكن استفتاء الثاني من يونيو/حزيران 1946، أسفر عن تفضيل 54% من الإيطاليين للجمهورية على حساب استمرار الملكية.

بعد بضعة أيام، تم إعلان الجمهورية، وانتهى عهد أمبرتو الذي استمر 34 يوماً.

فيكتور إيمانويل
الملك الإيطالي فيكتور إيمانويل برفقة ولي عهده أمبرتو وحفيده فيتوريو /wikipedia commons

بعدها تم نفي جميع الأعضاء الذكور في مجلس سافوي من إيطاليا، وتمّ نفي الملك السابق فيكتور إيمانويل إلى مصر. 

حسب تقريرٍ لموقع BBC، فإنّ سبب اختيار الملك فيكتور إيمانويل لمصر منفى له، يعود لكون الملك فيكتور إيمانويل الثالث، كان صديق دراسة لملك مصر فؤاد الأول، كما كانا أيضاً زملاء دراسة بالمدرسة العسكرية، وتجمعهما علاقة شخصية قوية جداً، لدرجة أن سميّت إحدى ميادين الإسكندرية باسم الملك الإيطالي أثناء زيارته للمدينة عام 1933.

في 28 ديسمبر/كانون الأوّل 1947، توفي فيكتور إيمانويل الثالث بسبب احتقان رئوي بعد أكثر من عام ونصف قضاها منفياً في مصر، ودُفن في كاتدرائية سانت كاترين في الإسكندرية، حتى أعيد رفاته إلى مزار فيكو فورتي في شمال إيطاليا في 17 ديسمبر/كانون الأول 2017، بعد 70 عاماً على دفنه.

تحميل المزيد