هو مغنّ وكاتب أغنيات بريطاني، حققت مبيعات ألبوماته ما يُقارب الـ60 مليون نسخة حول العالم في سبعينيات القرن الماضي. لكن بعد تعرّضه لحادثٍ كاد يودي بحياته، بدأ رحلةً طويلة في البحث عن الحقيقة -أو البحث عن أجوبة، كما يقول.
فتعرّف إلى الإسلام عن طريق شقيقه، وزار القدس، ليترك المسيحية ويعتنق الإسلام، متخذاً اسم يوسف إسلام بدلاً من كات ستيفنز (Cat Stevens) ويُصبح مُنشداً لأغنيات تهتم بالأخلاق والسلام والدين.
فمن هو كات ستيفنز، وما الذي حدث حتى قرّر التعرّف إلى الإسلام ومن ثم اعتناقه، متخلياً عن كلّ المجد الذي عاشه بعد الشهرة التي حققها؟
الطفل كات ستيفنز كان معادياً للمُسلمين
من بين 3 أطفال، كان كات ستيفنز الابن الأصغر لأب يوناني وأم سويدية، يعيشان في لندن ويملكان مطعماً في جادة "شافتسبري" داخل حي المسارح، الذي كان يحتوي -كما يُشير اسمه- عدداً كبيراً من المسارح.
في ذلك الشارع وُلد ستيفن ديمتري جورجيو في 21 يوليو/تموز 1948، وعاش مع عائلته في شقةٍ صغيرة فوق المطعم، المكان الذي تعلّم فيه الطفل كات العزف على البيانو للمرة الأولى، فيما ساهم وجود المسارح القريبة منه في تعلّقه بالموسيقى وولعه بها.
ورغم أن أسرة ستيفنز كانت أرثوذكسية، فإن والديه قررا إرساله إلى مدرسةٍ كاثوليكية، ما ساعده على بناء مهارة الوعي بالاختلاف بين المعتقدات وكيفية إمعان النظر فيها، رغم أنه كان معادياً للمسلمين في تلك المرحلة من حياته.
عندما كان في الـ8 من عمره، انفصل والدا ستيفنز، ليعاني من بعض الاضطرابات. لكن ذلك لم يؤثر على مهاراته الفنية، التي كانت تنمو بشكلٍ ملحوظ. ففي عمر الـ15، طلب من والده الحصول على الغيتار، وسرعان ما بدأ بكتابة الأغنيات وتلحينها.
كات ستيفنز نحو الشهرة العالمية
في يوليو/تموز 1964، ظهر كات ستيفنز كمغنٍّ للمرة الأولى حانة "بلاك هورس" (Black Horse) المحلية، ليؤدي أغنيةً كتبها بنفسه وأشعلت حماس الحاضرين. وفي العام نفسه، باع أغنية The First Cut is the Deepest مقابل 40 دولاراً فقط، والتي حققت نجاحاً كبيراً ولفتت الأنظار إلى اسم كات ستيفنز.
بعدها بـ3 سنوات، سيُصدر كات عام 1967 ألبومه الأول Matthew and Son وستنتشر بعض أغنياته على نطاقٍ واسع، حقق من خلالها مزيداً من الشهرة.
بمرور الوقت، نمت شهرة كات ستيفنز ليتحوّل إلى واحدٍ من أكثر النجوم تأثيراً في بريطانيا. وإلى جانب كونه مغنياً يملك صوتاً جميلاً، كان ستيفنز كاتب أغنياتٍ لا يُستهان به أبداً، وكان يكتب لمجموعة متنوعة من الفنانين في ذلك العصر، ما حقق له مزيداً من الشهرة.
في العام 1968، وبالتزامن مع عبء العمل الثقيل -المتمثل في الجولات والالتزامات الإعلامية وأسلوب حياة نجوم البوب- أُصيب ستيفنز بـ"مرض السل"، والذي انتقل على أثره إلى المستشفى وانعزل عن العالم طوال أشهر عدّة.
خلال هذا الوقت، دخل ستيفنز في نفق التفكير والتأمل فيما حققه وإن كانت حياته مُرضيةً له. ما جعله يقرّر تغيير أسلوبه الموسيقي، بعدما أدرك بوجود أشياء أخرى أكثر أهمية في سلم أولويات حياته، وعلى رأسها سلامه الروحي، وفقاً لمقابلةٍ أجراها عام 2020 مع راسل براند.
بعد شفائه، كتب كات ستيفنز حوالي 40 أغنية أظهرت تغييراتٍ أساسية في أسلوبه الغنائي والموسيقي، إلى جانب مواضيع الأغنيات أيضاً.
كان صوته الجديد أكثر جاذبية وحميمية، واكتسبت كلماته دقة ورونقاً مختلفاً عن ذي قبل. وعن تلك المرحلة، يقول ستيفنز إنه بدأ خلالها في استكشاف مجموعة متنوعة من المسارات الروحية مثل البوذية، والطاوية، إلا أن كل ذلك لم يُجدِ نفعاً.
في ذلك الوقت، ومنذ العام 1970، بدأ نجم كات ستيفنز بالصعود في الولايات المتحدة الأمريكية ليبلغ مستوياتٍ عليا، بعدما قدّم مجموعةً من الأغنيات الناجحة التي حققت شهرةً واسعة، مثل: Wild World وHard Headed Woman وWhere Do the Children Play وFather & Son.
كما حقق مجموعة من الجوائز العالمية، ولاقت أغنياته صدىً لدى الجماهير في جميع أنحاء العالم، خصوصاً حين اعتمدها الشباب كأغنياتٍ للسلام والوحدة، مثل: Morning Has Broken وPeace Train وMoonshadow.
كيف تعرّف كات ستيفنز إلى الإسلام؟
عام 1975، عاش ستيفنز تجربةً كادت تودي بحياته؛ فبينما كان يسبح في المحيط الهادئ، قبالة مدينة ماليبو بولاية كاليفورنيا، جرفه التيار بقوة إلى الداخل، وأصبح يصارع الموج كي لا يغرق. في تلك اللحظة، دعا الله متوسلاً لنجدته.
يقول ستيفنز إنه بالفعل، شعر بموجةٍ دفعته إلى الشاطئ لينجو من موتٍ مُحقّق؛ لتبدأ بعد ذلك سلسلة من الأحداث المهمة في حياته. ففي ذروة نجاحه في حياته المهنية، اختفى كات ستيفنز عن الأنظار، وتوقف عن كتابة وتوزيع الأغنيات، وغاب طويلاً.
كانت هناك شائعات بأنه مات أو أصيب ببعض الأمراض المميتة، والحقيقة أنه في تلك السنوات التي كان يضرب فيها الأرقام القياسية ويجني الملايين، كان يمرّ بأزمة روحية انتهت بأسئلةٍ كبرى فجّرتها حادثة الغرق.
في لقائه ضمن برنامج "رحلة مع الشيخ حمزة يوسف" عام 2010، يقول كات عن تلك الفترة: "بالطبع سبب دخولي الإسلام ليس مجرّد حادث. فقد مررتُ بتجربة تُشبه الموت، أو الوصول إلى مرحلة أردتُ أن أعرف فيها ما الذي سيحدث بعد ذلك، قبل أن أموت. لماذا أنا هنا؟ هل الله موجود؟ أين سأقضي الأبدية".
بالعودة إلى نشأته، تربى ستيفنز في عائلة مسيحية كما ذكرنا، لذلك وعندما بدأ بحثه عن الحقيقة، لجأ إلى المسيحية أولاً للحصول على إجابات. ورغم أن والديه كانا من رواد الكنيسة، لكنهما لم يستطيعا تقديم إجابات له.
في ذلك الوقت، تلقى ستيفنز نسخة من القرآن من أخيه جورج، الذي كان مدير أعماله، وكان حينها عائداً للتو من زيارةٍ إلى القدس. لم يكن جورج مُسلماً أو مهتماً بالإسلام، بل اعتنق في مرحلةٍ لاحقة اليهودية بعدما تزوّج من إسرائيلية وعاش في تل أبيب.
قرأ ستيفنز القرآن الذي وضعه أمام أسئلةٍ كثيرة، فاستقلّ الطائرة وسافر إلى القدس، حيث ذهب إلى أحد المساجد وطلب المساعدة. رحّب به الأئمة والعلماء، وساعدوه على إيجاد الإجابات التي كان يبحث عنها.
وفي العام 1977 اعتنق ستيفنز الإسلام؛ وعن تلك المرحلة، يقول: "لقد تبيّن لي كيف أعيش في هذا العالم الفظيع والمُربك".
من كات ستيفنز إلى يوسف إسلام
خلال دراسته الإسلام، شعر ستيفنز بتقارب قوي بينه وبين قصة يوسف وقرر أن يتخذه اسمه اسماً جديداً له، ليصبح يوسف إسلام في العام 1978. يقول نجم الغناء البريطاني إن السورة التي أثّرت فيه كثيراً، خلال قراءته للقرآن، كانت "سورة يوسف".
- "عند قراءة سورة يوسف، بدأتُ أبكي، وتأكدتُ من أن هذا الكتاب لم يصنعه إنسان. لم أجد به أي خطأ. عندها فقط بدأت عملية اعتناقي للإسلام".
وبناءً على ذلك، قرّر يوسف اعتزال الغناء وحياته المهنية كنجمٍ موسيقى، والعمل على تكوين أسرة. وبالفعل، فقد تزوج يوسف إسلام من مُسلمة تُدعى فوزية، وأنجبا 5 أولاد، يعيشون معه في لندن، حيث ما زال يتلقى عائدات أسطواناته السابقة.
بعد الزواج، انخرط يوسف بشكل كبير في التعليم والإغاثة الإنسانية، وساعد في تأسيس جمعية المعونة الإسلامية الخيرية، وسرعان ما شارك في مبادراتهم في جميع أنحاء إفريقيا وآسيا وأوروبا.
بالإضافة إلى ذلك، أسّس مدرسة ابتدائية للمسلمين في شمال لندن عام 1983. وفي أواخر التسعينيات، أسّس مع زوجته فوزية جمعية Small Kindness الخيرية في منطقة البلقان، والتي ركزت جهودها على احتياجات الأيتام والأرامل في البلقان وكل مناطق الحروب.
في هذا الوقت، بدأ يوسف أيضاً في إنتاج تسجيلات تعليمية بعنوان "جبل النور" عام 1995 وبدأ بسلسلة The Life of the Last Prophet (حياة آخر نبي). ومنذ العام 2000، ركز يوسف على ألبومات الجمهور الأصغر سناً، وأنتج بعضاً من أكثر الأسطوانات شعبية للأطفال في العالم الإسلامي، بما في ذلك A is for Allah وI Look I See.
وفي ذروة أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001؛ تحدث يوسف إسلام إلى وسائل الإعلام ضد التعصب والحرب، ودعا إلى السلام والوحدة.
وفي عام 2003، حصل على "الجائزة الاجتماعية العالمية" في ألمانيا من لجنة تحكيم الجوائز العالمية "لتكريس حياته لمساعدة المحتاجين والمرضى". وعام 2004، حصل على جائزة رجل السلام من قبل ميخائيل غورباتشوف، نيابة عن لجنة من الحائزين على جائزة نوبل للسلام؛ لعمله على "تخفيف معاناة الآلاف من الأطفال وأولياء أمورهم، وتكريس نفسه لتعزيز السلام والتوفيق بين الناس وإدانة الإرهاب".
في العام 2004، تمّ ترحيل يوسف إسلام من الولايات المتحدة إلى بريطانيا، خلال رحلةٍ كان يقوم بها إلى واشنطن. ووفقاً لصحيفة The Guardian، فقد أمرَ مكتب التحقيقات الفيدرالي كابتن الطائرة بالتحوّل إلى ولاية ماين لاعتبار إسلام يشكّل تهديداً أمنياً.
فاقتاده عملاء مكتب التحقيقات مع ابنته (21 عاماً) من الطائرة، قبل أن يتمّ ترحيله إلى بريطانيا.
وقال متحدث باسم وزارة الأمن الداخلي الأمريكية إن إسلام كان على "قائمة المراقبة" بسبب "جمعياته المعروفة ودعمه المالي لمنظمات يُعتقد أنها تساعد الإرهاب". فيما قال مسؤولون إن تقارير الاستخبارات تُشير إلى أنه قدم أموالاً لمنظمة "حماس".
عودة إلى الغناء باسم يوسف إسلام
بحلول عام 2006، بدأ النجم العالمي يعود تدريجياً إلى الغناء، ولكن هذه المرة كيوسف إسلام، الذي بات يختلف كثيراً عن كات ستيفنز؛ فأطلق ألبوم Another Cup، الذي استُقبل بحماسٍ كبير من جمهوره.
وكان عام 2017 عاماً مثمراً بالنسبة ليوسف الذي أصدر ألبومه The Laughing Apple، الذي أكسبه أول ترشيح لجائزة GRAMMY على الإطلاق.
كما شرع يوسف إسلام في "جولة قطار السلام" التي سافر فيها إلى جنوب إفريقيا وأستراليا ونيوزيلندا للعمل الخيري والغناء. وقد استطاع جمع تبرعات بأكثر من مليون دولار، من عائدات الجولة التي قام بها.
بالإضافة إلى إنتاجه الموسيقي، قام يوسف بإصدار كتاب مصور خاص بالأطفال في 2021، والذي حاز جائزة "بيتر إتش رينولدز"، وكان من أكثر الكتب مبيعاً في الولايات المتحدة.
إلى جانب مشاريعه الفنية، يواصل يوسف إسلام جهوده الإنسانية، عبر مبادرات "قطار السلام" العالمية، المتمثل مهمتها في "إطعام الجياع ونشر السلام"، وتوفر تلك المبادرات الإغاثة والمساعدات الطبية وتقديم التعليم بشكل جذاب ومبتكر، وتعزيز السلام للجميع بغض النظر عن الخلفية أو الجنسية أو الدين.